المحتوى الرئيسى

الوهابية تسيطر على المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية برعاية وزير الأوقاف

06/26 11:06

فضيحة للمجلس.. كتاب لمؤلف سعودى حول فضائل مصر برؤية إخوانية

المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية هيئة تابعة لوزارة الأوقاف، وهذا المجلس له دور فاعل فى كثير من قضايا المسلمين، مثل الحوار بين المذاهب والأديان، فالمجلس يحمل رسالة التنوير منذ إنشائه عام 1960، وتشهد إصداراته على هذا الدور التنويرى، ففى مجال الموسوعات أصدر المجلس الأعلى عدة موسوعات فى مختلف العلوم الإسلامية، منها موسوعة الفقه الإسلامى وهى موسوعة فى مختلف المذاهب الفقهية الثمانية المشهورة، والموسوعة الإسلامية العامة، كما يعقد مؤتمراته السنوية التى يحضرها علماء من كل المذاهب الإسلامية، وتلك المؤتمرات تشهد على الدور المتميز للمجلس، لأنها تصب فى خانة تقريب الجهد الإسلامى وحوار الأديان، مثل مؤتمرات «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»، و«التيارات الفكرية وأثرها على العالم الإسلامى» و«الإسلام ومستقبل الحوار الحضارى»، و«نحو مشروع حضارى لنهضة العالم الإسلامى»، كما يصدر كتابا شهريا يؤلفه علماء من الأزهر، يشيعون ثقافة التسامح.

هذا المجلس تسلل إليه الفكر الوهابى الإخوانى منذ تعيين الدكتور طلعت عفيفى وزيرا للأوقاف، فوزير الأوقاف وهابى الفكر، ورغم أزهريته، فقد تأثر بعلماء الوهابية وأفكارهم، يرى مثلا ضرورة هدم الأضرحة والمقامات ولكن ليس الآن. ولقد وافق الوزير على إصدار المجلس الأعلى فى شهر مايو 2013 العدد 220 وهو عدد خاص كتاب «فضائل مصر ومزايا أهلها» لمؤلف سعودى هو الدكتور محمد بن موسى الشريف، أستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وقدم للكتاب الدكتور صلاح الدين سلطان الأمين العام للمجلس.

الكتاب فى مجمله يتحدث عن فضائل مصر، وهى الفضائل التى جاءت فى كتب متعددة، مثل فضائل مصر للكندى، وكذلك فى كتاب ابن زولاق، وهى الفضائل التى تقتصر على فضائل مصر الإسلامية، وهى التى خطب منها الشيخ العريفى من فوق منبر جامع الفسطاط، ولا جديد فيها، ولكن الجديد هو عندما يتحدث باحث عن فضائل مصر، متجاهلا مصر المسيحية والفرعونية، يعطى انطباعا عن أن هذا الباحث ليس أزهريا ولا عالما.

الكتاب تحدث عن مصر كما هو منقول من كتب الفضائل الأخرى.. عن الأرض والبشر، وأهم العلماء والأبطال والعبّاد والفلاسفة والأدباء الذين ولدوا فيها أو رحلوا إليها واستقروا بها، وعن ذكر مصر فى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وعن دور مصر فى دفع الصليبيين والتتار، وكل ذلك جيد ومفهوم، كما كتب عن بعض العلماء والأبطال المعاصرين مثل الدكتور مصطفى مشرفة والعالمة سميرة موسى والفريق سعد الدين الشاذلى، ولكن الكتاب عموما منحاز بشدة لعلماء السلفية، الوهابية الإخوانية منها على وجه الخصوص..

أمين المجلس الأعلى يقدم لكتاب فضائل مصر الإخوانية

فى مقدمة الكتاب هاجم الدكتور صلاح الدين سلطان دعاة العلمانية الذين يفتخرون بالحضارة المصرية القديمة، فلم يفرق بين اتخاذ الفرعون إلها، وبين الفخر بالفرعونية كحضارة رائعة ما زالت تعيش فى الوجدان واللغة، ولكنه ينتقد ككل دعاة السلفية كل من يفتخر بالحضارة المصرية القديمة، وانتقد الدورات الرياضية المصرية التى حملت اسم «حورس»، وهذا استمرار لفتاوى هدم التراث، التى قال بها كل شيوخ السلفية، من أول محمد حسان الذى أفتى بأن من يجد أثرا فى بيته فهو لقيطة له أن يأخذها أو يتاجر بها، إلى عبد العظيم الشحات الذى قال إن الحضارة المصرية حضارة عفنة، ولم يفت بمثل هذه الفتاوى سوى علماء صحراء نجد فقط، لم يفت بها الأزهر أو جامع الزيتونة بتونس أو جامع القرويين بالمغرب، وحدهم الذين يفتون بفتاوى التكفير والحط من قيمة التراث الإنسانى، فمقدم الكتاب لم يأت بجديد فى فكر مناهضة التراث الإنسانى، كما هاجم مقدم الكتاب كل من يرى الولاء للأوطان، لأن الولاء للدين قبل الأرض، وهى نفس الفكرة الإخوانية السلفية المتأسلمة، وهى فكرة تختصر الدين فى مذهب، ثم تختصره فى رأى شيخ، فيتحول من الإيمان بالله إلى التعصب للمذهب، وهو ما رأيناه فى مؤتمر محمد مرسى لنصرة سوريا وهو رئيس الدولة التكفيرى، الذى ردد آمين وراء الأخ محمد عبد المقصود وهو يدعو على كل المصريين بالهلاك.

والغريب أن الأمين العام للمجلس الأعلى ينصح ويطالب أن يكون الكتاب مقررا دراسيا فى المدارس والجامعات، فماذا فى الكتاب؟!

كتاب فضائل المصريين ومزايا أهلها

فى مقدمة المؤلف للكتاب يحذر المصريين من العلمانيين واللا دينيين الضالين، وهؤلاء الضالون هم كل الشعب المصرى دون الإخوان والسلفيين الوهابيين، ويرى الكاتب أن مصر تنسمت الحرية بعد كبت طويل، وفتح الباب الذى ظل مغلقا منذ زمن محمد على باشا، وبالطبع يرى الوهابيون والإخوان جميعا أن محمد على علمانى كافر، لأنه دمر الحركة الوهابية مبكرا بالجنود المصريين، وهى رؤية المناهج التعليمية السعودية التى يقررونها على الطلاب، فمحمد على كان خائنا غادرا كافرا لا يفى بعهد، ورؤية المؤلف تتناغم مع الرؤية السعودية لمحمد على. وعندما تأتى سيرة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فلا يذكره إلا باسم «العبد الخاسر»، وهى النظرة الإخوانية للرئيس عبد الناصر، وتتفق مع وجهة النظر السعودية، لأنهم اصطدموا بعبد الناصر، وتأتى تلك الكلمة دائما على لسان قادة الإخوان المسلمين، على لسان العريان ومحمد مرسى والبلتاجى وبديع، جميعهم لا يرون فى عبد الناصر إلا معذب الإخوان، وصاحب نكسة 1967 فى شماتة غير مسؤولة ولا مسبوقة، وتراجع فى إحدى الصفحات ليثنى على عبد الناصر، لأنه منع عبد الكريم قاسم من احتلال الكويت، وأنه ساعد ثورة الجزائر، ليعود بعدها بقليل إلى وصفه بالطاغية والخاسر دينه.. هكذا! وفى قضايا هدم التماثيل والآثار الفرعونية وتطبيق الحدود ودفع النصارى الجزية وهدم الأضرحة، يرى المؤلف أن ذلك يكون بعد الانتخابات الرئاسية «تم تأليف الكتاب قبيل انتخابات الرئاسة ونجاح محمد مرسى»، وبعد استقرار الثورة، وبعد أخذ الرأى الشرعى من العلماء، والعلماء الذين يراهم هم علماء السلفية دون علماء الأزهر الشريف.

ولكن شيوخ السلفية أعلنوا قبله أو بعده أن الآثار الفرعونية أصنام، يجب هدمها فى وجهة نظر التكفيرى مرجان، وهم الذين طبقوها عمليا من قبل، عندما هدموا كل الآثار فى مكة المكرمة والمدينة المنورة، التى تمت لزمن النبوة بصلة، هدموا شعب أبى طالب وبيت النبى الذى ولد فيه، وبيت أم المؤمنين خديجة الذى عاش فيه النبى، وهدموا أضرحة البقيع وأزالوا معظم جبل الرماة فى أحد، وردموا الخندق، وقطعوا النخل الذى زرعه النبى بيده الشريفة لسلمان الفارسى وظل مثمرا حتى عام 1926 عندما طالته يد القطع الوهابية، وكله باسم التوحيد، ومن ثم فلا إثم على من يريدون هدم التراث المصرى القديم، ولا غرابة أن يأتى الكتاب معززا وجهة النظر غير المصرية للتراث المصرى الإنسانى، ثم أراد الرئيس محمد مرسى تعيين أحد هؤلاء التكفيريين الذى شارك فى مذبحة قتل السياح بالدير البحرى بالأقصر عام 1997 محافظا للأقصر التى تمتلك ثلث آثار العالم، ولم يفلح فقد آثر المحافظ الاستقالة.

وعن الموقف من الأقباط، يرفض المؤلف مقولة مصر للمصريين، ويطالب أن تكون مصر للمسلمين، ويحمّل الأقباط أى اعتداء يقع عليهم وعلى كنائسهم، فهم لديه مسؤولون عن كل فتنة طائفية، لأنهم فى عرفه يبنون الكنائس على هيئة قلاع، وأنهم يرفعون الصلبان عليها، وهم خطفوا كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين، وهم مع الغرب ضد المسلمين، فهم بالتالى مزقوا عهد الذمة، وتلك هى وجهة نظرهم للمسيحيين، فقد أفتى مفتى الإخوان عبد الرحمن البر ومعه شيوخ السلفية بعدم جواز تهنئة الأشقاء المسيحيين بعيد القيامة، رغم أن شيخ الأزهر زار الكاتدرائية وهنأ الأشقاء، ولكنهم يكفرون الأزهر من الأساس بحجة أنه أشعرى العقيدة، والأشاعرة كفار عندهم، مثلهم مثل الصوفية والشيعة، ومحاولاتهم محمومة للسيطرة على الأزهر لتحويله من التنوير إلى التكفير، من الدراية إلى الرواية، من العقل إلى النقل، وعليه أن يكون تابعا للفكر الآتى من بلاد الصحراء ذات الفقه البدوى العقيم.

وعندما ذكر العلماء من أهل مصر، أو من الذين وفدوا إليها واستقروا فيها، لم يكلف نفسه ذكر أعلام أهل بيت النبوة مثل السيدة زينب بنت الزهراء والسيدة نفيسة والسيدة عائشة والحسن الأنور والسواح وأبى الفتيان السيد أحمد البدوى والمرسى أبو العباس وأبى الحسن الشاذلى وإبراهيم الدسوقى، وغيرهم من قادة الدين والعلم، أولئك الذين يحبهم المصريون ويتبركون بمراقدهم، فلا اعتراف بهم ولا بذكرهم، ولكنه ذكر ضمن من ذكر الشيخ الطحاوى مؤلف كتاب العقيدة الطحاوية الذى يحتفى به السلفيون، ويطبعوه ويوزعوه مجانا رغم أننا لا نعرف ما تلك العقيدة الطحاوية!

وعندما ذكر عظماء مصر فى العصر الحديث لم يذكر سوى من يتفق مع النظرة الوهابية، أو من يعتبرهم سلفيين، فذكر مثلا محب الدين الخطيب ومحمد رشيد رضا ومصطفى صادق الرافعى ومحمود محمد شاكر وسيد قطب ومحمد حامد الفقى ومحمود خطاب السبكى وعبد الحميد كشك، وكلهم ينتمى بصلة أو أخرى للفكر السلفى، ثم سكت عن ذكر قادة التنوير جمال الدين الأفغانى ورفاعة الطهطاوى وسعد زغلول ومصطفى النحاس وطلعت حرب وقاسم أمين وعباس العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وأحمد أمين ومحمود حسن إسماعيل وعلى محمود طه وأم كلثوم والسنباطى ومحمد عبد الوهاب وبيرم التونسى وفرج فودة ونجيب محفوظ، وغيرهم، طبعا فهم فى النظرة الوهابية إما كفار أو أصحاب بدعة، والفن لديهم حرام والموسيقى حرام، وجاءت فتوى تكفير فرج فودة لتقتله، فلا يستقيم إذن أن يأتى بذكر مبدعى مصر فى الكتاب.

وحتى عندما ذكر أسماء كبار علماء الدين لم يأت بذكر إمام الدعاة محمد متولى الشعراوى أو الدكتور مصطفى محمود أو الشيخ محمد الفحام أو الشيخ المراغى، أو حتى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الحالى أو العلامة المفتى الأسبق الدكتور على جمعة، ولكنه ذكر أهم علماء الدين وهم محمود عبد الوهاب فايد، وهو عالم إخوانى سلفى لا يكاد يعرفه أحد، عاش فى عصر جمال عبد الناصر، كما ذكر بإسهاب الشيخ أحمد المحلاوى ومحمد إسماعيل المقدم وصبحى صالح وعلى السالوس ومحمد يسرى، ويرى أن هؤلاء مصابيح الثورة المصرية. وعندما يصف الإعلام المصرى المعادى للإخوان، لم يترك أى نقيصة إلا وألصقها بهم، فهم أعداء الإسلام، وهم علمانيون لا دينيون يكرهون المشروع الإسلامى، وهم على رأس المؤسسات الإعلامية، ويجب فضحهم وفضح أساليبهم، أليس هذا هو الخطاب الإخوانى ضد المعارضة؟!

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل