المحتوى الرئيسى

طارق حبيب

06/23 09:44

تقدم المخرج الشاب بشكوي من نسختين، واحده لرئيس اتحاد الاذاعه والتليفزيون، والثانيه لوزير الاعلام انذاك، اللواء احمد انيس، عددت الشكوي اسباب رفض المخرج للاستمرار في التعاون مع طارق حبيب «الفاشل» - حسب النص - لان برنامجه مثقل بالخمول والبطء الذي يصل لحد الجمود، مما يؤدي الي الملل الشديد.

لم يكن الخلاف بين المخرج والمذيع شخصيا، او تناقضا اخلاقيا، او ماليا، ولكنه في المحل الاول تباعد موضوعي بين عنصرين، وتوجهين ومدرستين.. طارق حبيب، سطعت صورته علي الشاشه الصغيره مع بدايه السبعينيات، مدعما بقدرات متميزه وفقا لمعايير تلك الايام: ثقافه ادبيه وفنيه، طبيعه هادئه، دمثه يعززها وجه علي قدر كبير من الوداعه، بابتسامه مشرقه، دافئه لا تغادر شفتيه، ودود، بسيط، رقيق، نظراته يمتزج فيها الاحترام مع المحبه، ينجح في اقامه جسور الاطمئنان مع ضيفه.. هذه السمات المتوافقه مع المزاج العام حينذاك، لاسباب كثيره، تلاشت او كادت، فاصبح المذيع، علي درجه ما من الصرامه لا يسال بقدر ما يجادل، لا يقيم وزنا للمجاملات، من الممكن ان يتنازع في الافكار مع من امامه، ولا يتردد في كشف اخطاء او خلل رؤيه ضيقه.. لذا، تكررت ظاهره مغادره الضيف للاستوديو غاضبا مما يعتبره تجاوزا من المذيع.

هذا الكلام لا يعني تفضيل مدرسه عن اخري، ولكن يهدف الي بيان ملامح الاختلاف بين مرحله ومرحله واذا كان من اسبابها حاله الفوران السياسي الذي نعشيه الان، بما يحمله من افكار تقف علي طرفي نقيض فان ما لا يمكن اغفاله في ظل ندره القنوات منذ اربعه عقود، ان الضيوف عاده كانوا من ذوي القامات الرفيعه العاليه تتنافس البرامج علي استضافتهم، واستطاع طارق حبيب بطاقته العاطفيه والفكريه تقديم اهم مبدعي وأعلام مصر: نجيب محفوظ، محمد عبدالوهاب، عبدالحليم حافظ، احمد رامي، الشيخ محمد متولي الشعراوي، البابا شنودة، توفيق الحكيم.. وهذا علي سبيل المثال لا الحصر.

ربما كان «اثنين علي الهواء» هو البرنامج الاهم في قائمه برامج طارق حبيب، يتبلور فيه اسلوبه واضحا ويظهر الفارق الواسع بينه وبرنامج مماثل عنوانه «اثنين في اثنين» قدمه منذ ثلاث سنوات كل من وائل الإبراشي ومجدي الجلاد.. فكره البرنامج سواء الاول او الثاني تعتمد علي لقاءين منفصلين مع نجمين يعملان في ذات المجال بينهما خلافات ما توجه لكل منهما اسئله وبالضروره نتعرض للطرف الثاني في الحوار ثم يتواجه الضيفان بعد سماع ما قاله الاخر وغالبا ينتهي اللقاء بتوقير كل من الضيفين للاخر مهما كان بعد الشقه بينهما حلقات البرنامج الانساني بامتياز جمعت بين يوسف وهبي وغريمه زكي طلميات.. فريد الأطرش ومنافسه عبدالحليم حافظ.. ملك الترسو فريد شوقى وخصمه الابدي علي الشاشه ملك الشر محمود المليجي.. تحيه كاريوكا ومنازعتها علي عرش الرقص الشرقي ساميه جمال.. شاركت مني جبر بذات الاسلوب الحميم لطارق حبيب في تقديم البرنامج.

علي النقيض من روح المحبه التي سادت «اثنين علي الهواء» الهادئ الناعم ياتي «اثنين في اثنين» وقد انتابته الرغبه العارمه في التسخين واحداث صدامات واستدراج الضيوف للادلاء باعترافات قاسيه فبينما انتهت حلقه ايناس الدغيدي واثار الحكيم الملتهبه بالاتهامات والتجريحات بمقاضاه الممثله للمخرجه احدثت اقوال صباح ومريم فخر الدين قدرا غير قليل من اللغط.

باسلوبه الخاص بدت صوره من استضافهم مختلفه عن صورتهم في البرامج الاخري اوضح واصدق واكثر تواضعا فحين سال فريد شوقي عما اضافه لشخصيه «شحاته افندي» في «السقا مات» لصلاح ابو سيف اجاب لم يكن امامي ان اضيف شيئا ذلك ان يوسف السباعى في روايته المدهشه حدد ملامح الرجل الداخليه والخارجيه بكل دقه تتبع انفعالاته واحلامه وافكاره ورسم ملابسه بتفاصيلها علي نحو لم اعثر عليه الا عند نجيب محفوظ في شخصيته «حسن ابوالروس» احد ابطال «بداية ونهاية».. كان علي فقط استيعاب الشخصيتين بروحهما وتصرفاتهما.

بلا ضغينه او اي ميل او هوي انجز طارق حبيب عشرات الحلقات في «ملفات ثوره يوليو» التي تعتبر وثائق سياسيه وانسانيه نري فيها ونسمع اصحاب الاسماء التي حفرت حضورها في التاريخ وربما هي المره الوحيده التي نستمع فيها لشهاده وصوت شمس بدران، الملكه ناريمان، عبد القادر حاتم، مدكور ابو العز، والعشرات غيرهم.. وفي كلمات موجزه وصف مؤرخنا المنصف يونان لبيب رزق هذا الانجاز بقوله: استطاع صاحب هذا العمل من خلال حوارات غير تقليديه ان يستخرج من سرائر من حاورهم كثيرا مما يمكن ان يرتقي لمستوي الاسرار.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل