المحتوى الرئيسى

«مع أجمل المُنى»

06/16 10:04

مع ان المحاور اللامع طارق حبيب رحمه الله عاش حياه مهنيه غزيره الانتاج ساحقه النجاح، الا انه رحل وفي نفسه «مُني» من «اجمل المني» علي حد عبارته الشهيره التي كان يختم بها كل برامجه، كان منها ان يقوم بتوثيق جميع الحوارات التلفزيونيه المبهره التي اجراها خلال حياته المهنيه المديده في كتب تتناقلها الاجيال، فقد كان رحمه الله محبا للكتابه حبا جعله يقدم للمكتبه العربيه عشره كتب متنوعه، لانه ادرك برغم كل ما منحه له التلفزيون من شهره وجماهيريه، ان مقاومه الكتاب للنسيان تظل اقوي بكثير، ولذلك حرص علي توثيق بعض حواراته في كتب شديده الامتاع والفائده.

كان طارق حبيب وما اقسي ان يستخدم الانسان كلمه كان في معرض الحديث عن من يحبهم واحدا من الحريصين علي إنعاش الذاكره المصريه دائما بما يمتلكه من تراث تلفزيوني يحوي حوارات رائعه اجراها مع اهم صُنّاع الوجدان المصري، حاول ان تشاهد علي اليوتيوب برنامجه (طارق حبيب يتذكر) الذي قدمه في قناه التحرير مع بدايه صدورها، لتدرك كيف كان طارق حبيب فردا ابرك من مائه مؤسسه لا تقدم سوي الخواء ولا تنتج سوي الهراء. يوما ما عندما يكون لدينا حكومه تهتم بحفظ تراث الثقافه المصريه وانعاش الذاكره المصريه دائما وابدا، سيقوم مسئولوها بالتواصل مع اسره الاعلامي الراحل ليتخذوا كل ما يلزم من اجل حفظ تراث طارق حبيب من الضياع، ليس فقط بتوفير تقنيات تحفظه حتي يرث الله الارض ومن عليها، بل بعرض ذلك التراث بشكل منتظم عبر قنوات تلفزيونيه متخصصه في تذكير الاجيال القادمه باجمل من انجبتهم هذه الارض من مبدعين وفنانين ومفكرين كلهم جلسوا امام طارق حبيب وتمكن بادائه السهل الممتنع ان يخرج منهم اجمل ما فيهم، ليمنحنا عُمرا من البهجه والمتعه والمعرفه.

كان طارق حبيب متابعا متمرسا لتطور فن الحوار التلفزيوني في العالم، ولذلك كان حريصا علي تطوير شكل برامجه بشكل مدهش، لعلك تذكر مثلا كيف قام بتصوير عملية جراحية خطيره لقلبه المصاب بحمى روماتزمية منذ طفولته، ونجا طارق حبيب من الموت يومها وكان قد تجاوز الثلاثين من عمره بقليل بعد ان قام حرفيا بفتح قلبه للمشاهدين ليروا كيف سيتعافي علي اصابع الجراح العالمي مجدي يعقوب. هذه الرغبه المستمره في التجدد جعلت طارق حبيب يقدم عملا ضخما لم يقدمه التلفزيون المصري بكل امكانياته لاسباب لا تخفي عليك، هو برنامج (الملفات السرية للثوره المصريه) الذي حاور فيه اكثر من 70 شخصيه ارتبطت بحكام مصر فاروق ومحمد نجيب وعبد الناصر والسادات، مختارا اهم ما قيل في هذه الحوارات لينشره في كتاب (ملك وثلاثه رؤساء) الصادر عن دار الشروق، لكنه للاسف وربما بسبب رغبته في اختصار حجم الكتاب لم ياخذ راحته في حكايه كواليس هذه اللقاءات، كما فعل في كتاب مثل (هؤلاء من الالف للياء) الذي اصدرته مطبوعات أخبار اليوم وجمع فيه حواراته مع نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف ادريس ونزار قبانى واحمد رامي واحمد بهاء الدين والشيخ الشعراوى والبابا شنوده واحمد عدويه ومارادونا وميشيل بلاتيني وجين كيلي وكيرك دوجلاس وجينا لولو بريجيدا ومارشيللو ماستورياني، واستطاع ان يستخرج تفاصيل انسانيه مدهشه من كل من حاورهم اثارت جدلا شديدا وقت اذاعتها، من اطرفها انه جعل الشيخ الشعراوي يعترف بانه دخن السجائر لمده خمسين عاما ثم توقف عنها وانه يحب الفرجه علي عادل امام وانه لا ياكل اللحوم ابدا برغم صداقته لصاحب مطعم ابو شقره الذي يتصور الناس انه ياكل عنده مجانا، وجعله كلا من نجيب محفوظ وعبد الحليم حافظ يعترفان بحبهما لاغاني احمد عدويه وما الي ذلك من تفاصيل ممتعه يحفل بها الكتاب الذي لم يحمل سوي شذرات من حواراته الطويله.

ستلفت قراءه الكتاب انتباهك الي ان ما احتفظ به طارق حبيب كان اكثر بكثير مما اخرجه للناس، فهو يروي مثلا انه التقي بعبد الوهاب في اربع مقابلات لم يعرض منها سوي مقابله واحده في برنامج (اوتوجراف)، اما المقابلات الثلاثه الاخري فقد منع عبد الوهاب مقابله منها لانها لم تناسب مزاجه، واعتبر المقابلتين الباقيتين مجرد بروفه. كنت ذات مكالمه اجريتها قبل سنوات مع الاستاذ طارق لاشكره علي كلام جميل كتبه عني في عموده بصحيفه الأخبار قد سالته عما اذا كان ينوي نشر ماجاء في تلك المقابلات وغيرها ضمن مذكرات يروي فيها اسرار وكواليس مشواره المهني، فاجابني انه سيبدا باستعراض مشواره اولا بشكل تلفزيوني، وللاسف لم يمنحه القدر كتابه مذكراته بشكل تفصيلي، وظني انه لو فعل لقدم لنا كتابا شديد الامتاع يشبه كتاب (شاهده ربع قرن) للكاتبه الراحله عايده الشريف الذي قدم لنا وجها انسانيا لكبار كتابنا ساعرضه لك قريبا باذن الله. ستجد مثلا اخر علي تلك الثروه التي امتلكها طارق عندما تقرا حديثه عن لقائه مع الاديب العظيم توفيق الحكيم والذي تم بعد ان نال الحكيم مبلغا ضخما من الشركه المنتجه التي يفاجئنا طارق حبيب بانها كانت ملكا للموسيقار كمال الطويل والموسيقار الكويتي يوسف مهنا، وهو ما جعل الحكيم يوافق علي الظهور في التلفزيون بعد طول انقطاع، لكن الحكيم كما يروي طارق ساخرا قال علي الهواء ان سبب ظهوره ليس المال بل الحاح طارق حبيب الشديد عليه، وهو ماجعل طارق يقوم معابثا بسؤاله عن حبه للمال وبخله، فاستجاب له الحكيم ببساطه حاكيا تفاصيل مدهشه عن علاقته هو وعدد من كبار مشاهير مصر بالمال، في لقاء استمر لعده ساعات لم يصلنا منه الا جزء قليل منه، مما يجدد تساؤلنا حول مصير هذه الذاكره التلفزيونيه المدهشه التي نتمني ان يبادر احد بفعل حقيقي يضمن حفظها ووصولها الي الناس، بدلا من ان يكتفي الكل بالمشاركه فقط في المندبات والمكلمات حول الذاكره المصريه المهدده بالضياع والتجريف.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل