المحتوى الرئيسى

فى بلاد فارس.. الحضارات لا تسقط بالتقادم

06/15 13:58

شادور أسود تتخفى النساء بداخله، وحكم إسلامى لا يعرف سوى التشدد، وتحذيرات من تحول المجتمع المصرى إلى مجتمع مثله.

ربما تكون هذه هى الصورة الوحيدة التى ساقتها لنا الآلة الإعلامية للنظام السابق عن الحياة فى دولة إيران التى لا يعرف المصريون عنها سوى حكم ولاية الفقيه، وصورة الخومينى رمز الحكم الدينى الذى أصبح فزاعة للكثير من المصريين خوفا من تكرار نموذج الثورة الإيرانية التى أسهم الشباب الإيرانى قبل 34 عاما فى اندلاعها، وتحولت إلى ثورة إسلامية.

«الشروق» زارت إيران وحاولت رسم صورة عن ملامح الدولة التى تصنفها أمريكا كواحدة من دول محور الشر، والتى نجحت فى مقاومة آثار الحصار الاقتصادى الذى فرض عليها منذ أكثر من ثلاثة عقود.

لا يعرف الكثير منا أى معلومات عن بلاد فارس القديمة، سوى أن شعبها من أحفاد الجنس الآرى، وهو جنس مختلف عن أبناء المنطقة العربية، وأن أبناء هذه البلدة قديما من الفرس أصحاب حضارة عريقة قامت على أكتافها الحضارة الإسلامية.

أما فيما يتعلق بالحاضر فلا نعرف سوى أن الشباب الإيرانى فى نهاية السبعينيات ثار على ظلم وقمع نظام آخر الملوك، وهو محمد رضا بهلوى، وأدت هذه الثورة التى سميت بالثورة الإسلامية إلى مجىء حكم إسلامى متشدد ــ كما يصفه الإعلام المعادى للسياسة الإيرانية ــ وبأنه حكم أتى على الأخضر واليابس فى هذه الدولة التى تحولت من صديق وحليف للقوى العظمى (الولايات المتحدة) إلى واحدة من دول محور الشر كما يحلو للقوى العظمى وصفها.

غير أن الصورة الحقيقية لبلاد فارس الجميلة تتجلى عندما تخطو قدم الزائر إلى هذه البلاد أول خطوة خارج مطارها الرئيسى فى العاصمة طهران.

عاصمة تبدو كإحدى العواصم الأوروبية من حيث روعة التخطيط ونظافة الشوارع، سواء كانت الشوارع الرئيسية، أو تلك المحيطة بالأسواق الشعبية، هكذا ظهرت الصورة الحقيقية لدولة إيران خلال الزيارة التى قامت بها مجموعة من شركات السياحة المصرية التى زارت العاصمة طهران بداية الشهر الجارى، برفقة عدد من الصحفيين، كأول زيارة يقوم بها ممثلون من مجتمع الأعمال المصرى بعد أن بدأت السياسة المصرية الخارجية تتجه نحو هذه الدولة التى طالت قطيعتها منذ اندلاع الثورة على الشاه.

تتميز مدينة طهران بأناقة مبانيها ونظافة شوارعها، والدقة فى تصميم الطرق والكبارى فى المدينة، التى يصعب على المار فيها أن يجد بها أى نوع من أنواع القمامة ملقاة فى الشوارع، ورغم عدم اتساع شوارعها الجانبية بالقدر الكافى فإنه من الصعب أن يحدث تكدس مرورى إلا فى أوقات الذروة.

تظهر علامات تأثر المجتمع الإيرانى بالدين بشكل واضح حيث تنتشر العربات المكتوب عليها كلمات تظهر مدى التأثر بالفكر الشيعى منها «يا حسين يا سيد الشهداء».. و«يا فاطمة يا زهراء»، كما تظهر صورة لأحد الرجال معلقة على حوائط الكثير من الأماكن يقول الإيرانيون عنها إنها صورة الإمام على رضى الله عنه.

وعلى الرغم من مظاهر التأثر بالدين فإن زائر بلاد الفرس يستطيع أن يلمس مدى حب المجتمع الإيرانى للحياة ورفضه للتقيد، فالواضح لأى زائر لهذه البلاد مدى نجاح إيران فى مقاومة آثار الحصار الاقتصادى، والذى فرض عليها منذ أكثر من ثلاثة عقود.

وعلى الرغم من أن الصورة السائدة عن نظام الحكم الإيرانى بأنه أحد أكبر الأنظمة القمعية فى العالم، فإن رأس هذا النظام، الرئيس أحمدى نجاد، عند تحركه داخل المدينة لا يمر فى موكب مهيب كما اعتدنا على رؤية مواكب الأنظمة العربية، فموكب نجاد الذى أتيحت لنا الفرصة رؤيته عند المرور بالمدينة يمر فى حراسة ثلاث سيارات ودراجة بخارية.

تأثر المجتمع برموز الثورة الإيرانية يظهر من خلال صور «روح الله بن مصطفى بن أحمد الموسوى» (الخومينى)، الذى قاد الثورة ضد الشاه، وآية الله شريعتمدارى أحد رموز الثورة الإيرانية، وهى الصور التى تزين الكثير من بنايات العاصمة طهران، وأغلب الأجهزة التابعة للدولة. كما تتزين جدران الكثير من البنايات داخل العاصمة بصور لكثير من الرجال مدون عليها لقب شهيد وتاريخ وفاته، وهى صور أبناء الشعب الإيرانى من الذين لقوا حتفهم أثناء الحرب العراقية الإيرانية.

العداء المتبادل بين إيران والولايات المتحدة لا يخفى على زائر إيران، فكما توجد على جدار إحدى البنايات فى شوارع مانهاتن بنيويورك صورة لأحمدى نجاد تقول إنه «غير مرحب به من الولايات المتحدة»، توجد على أسطح إحدى البنايات فى أحد شوارع طهران الرئيسية صورة تظهر الرئيس الأمريكى باراك أوباما بأنه شيطان.

أرست ثورة الخومينى تقاليد وعادات لم تكن موجودة قبل الثورة فأصبح إلزاميا على كل امرأة تسير فى الشوارع ارتداء حجاب، ليس بالحجاب المتعارف عليه فى المجتمع العربى، ولكنه مجرد قطعة من القماش تلف حول الرأس أشبه بحجاب بناظير بوتو، رئيسة وزراء باكستان، ترتديه نسبة كبيرة من النساء التى تحرص على إظهار النصف الأول من رأسها، فيما ترتدى نسبة قليلة الحجاب المتعارف عليه فى الوطن العربى، بينما النسبة الأقل من السيدات ترتدى الزى المتعارف علية للشيعة.

فتاة فى منتصف العقد الثالث من عمرها، تخرجت حديثا من الجامعة، تقول إن النساء فى إيران يضطررن لارتداء هذا الزى، لكن إذا أتيحت الفرصة لهن لقمن بخلع هذا الرداء، مشيرة إلى أن أى سيدة لا يمكن أن تقدم على مثل هذه الخطوة وإلا تعرضت للعقوبة.

وتحتم القوانين على أى سيدة حتى وإن كانت أجنبية، ولا تدين بالدين الإسلامى ارتداء الإيشارب على رأسها، وتبدو أى سيدة أو فتاة أجنبية ترتدى ملابس قصيرة على البنطلون محط أنظار الجميع فى الشارع لأن تلك الصورة تبدو غريبة على أعين المجتمع الإيرانى.

وكان المجتمع الإيرانى قبل قيام ثورة 1979 يعيش حياة أشبه بالحياة التى يعيشها المجتمع الأوروبى، فعلى الرغم من الفوارق الاجتماعية الكبيرة التى كان يعانى منها الكثير من أبناء الشعب الإيرانى فكان من الممكن حسبما ذكر بعض المواطنين أن تقود السيدة سيارتها وهى ترتدى لباس البحر، إلا أن هذه الأوضاع تبدلت وأصبحت كل سيدة إيرانية ملتزمة بارتداء ملابس طويلة تصل إلى منطقة الركبة إذا قررت ارتداء البنطلون.

وفرضت التقاليد المحافظة التى أوجدتها الثورة الإيرانية طبيعة عمل المطاعم والكافيهات التى أصبح يغلب عليها الطابع المحافظ، فمن غير المعتاد أن تحتسى المرأة النرجيلة فى المطاعم بوسط المدينة طهران بل يحدث ذلك فى مطاعم على أطراف المدينة، كما تمنع القوانين قيام أى امرأة أو فتاة بالرقص فى أى مطعم.

ويمثل الشباب تحت سن الـ35 عاما نحو 70% من المجتمع الإيرانى، ومع ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، تتمسك الحكومة الإيرانية بتقديم إعانة للبطالة للذين فقدوا وظائفهم بشرط أن يكون لديهم تأمين، وتقدر هذه الإعانة بـ20 دولارا شهريا.

النفط مقابل السلع باب الخروج من الأزمة

لم تختلف تركيبة الاقتصاد الإيرانى قبل الثورة التى أطاحت بشاه إيران، محمد رضا بهلوى، من أجل العدالة الاجتماعية، عن الوضع الحالى حيث كانت مبيعات الغاز والبترول، والسجاد هى المصادر الأولى للدخل وما زالت رغم مرور نحو 34 عاما على تغيير النظام السياسى للدولة.

وقد ساهم الحصار الاقتصادى على إيران فى رسم علاقاتها بالدول الخارجية، فنتيجة الحصار الذى تعانيه الدولة ابتعدت إيران عن حلفاء الماضى من الدول الأوروبية، والولايات المتحدة العدو الأول لها فى الوقت الحالى، واتجهت إلى دول الشرق والتى تمثل المنافس الاقتصادى لعدوها الأول الولايات المتحدة الأمريكية.

وتعتمد إيران فى تجارتها فى المقام الأول على الصين وكوريا الشمالية، حيث تصدر إيران البترول والغاز، مقابل استيراد بعض البضائع من هاتين الدولتين. وتنتج إيران نحو 4 ملايين برميل يوميا من البترول، وتمتلك نحو 10% من احتياطيات النفط بالعالم.

وبخلاف اعتماد إيران على مواردها من النفط والغاز مازالت الصناعات اليدوية التى اشتهرت بها إيران منذ القرون الماضية تمثل ثالث أكبر دخل للدولة. حيث تشتهر الدولة عالميا بالسجاد المصنوع من الحرير الطبيعى، سواء كان يدويا أو صناعيا.

ولا يقتصر الصراع بين إيران وجارتها تركيا على النواحى السياسية فقط، بل امتد ليشمل نواحى اقتصادية حيث تواجه إيران منافسة من تركيا فى مجال صناعة السجاد، «فكثير من منتجات السجاد التركية فى الأسواق الخارجية تباع على أنها منتج إيرانى» تبعا لما ذكره أحد بائعى السجاد فى إيران.

وتأتى صناعة السيارات كأحد أهم الصناعات فى إيران حيث تنتج العديد من أنواع السيارات من أنواع بيجو، وكيا موتورز، ونيسان موتورز، وفولفو ومرسيدس. العديد منها يناسب الطبقة المتوسطة حيث تتراوح أسعارها ما بين 3 و6 آلاف دولار، وتعد صناعة السيارات واحدة من الصناعات التى تساهم فى توفير فرص العمل، حيث توفر نحو 40 ألف فرص عمل مباشرة سنويا، و400 ألف فرصة عمل غير مباشرة.

قد لا يعرف الكثيرون أن عملة إيران هى الريال، ويقدر الدولار بـ 35 ألف ريال، بعد أن كانت قيمته قبل الثورة تقدر بـ70 ريالا، ونظرا لانخفاض قيمة هذه العملة فقد استحدثت الدولة عملة «الترومان»، الذى يساوى 3500 ريال.

ويعانى الاقتصاد الإيرانى من ارتفاع نسبة التضخم الذى يقدر بنحو 30% سنويا، غير أن يد الدولة مازالت موجودة من خلال المجمعات التعاونية التى تبيع سلعا أرخص عن تلك التى ينتجها القطاع الخاص.

الطبيعة الجبلية لإيران وقلة المعروض من الأراضى ساهمت فى ارتفاع أسعار الأراضى والعقارات على مستوى جميع المدن الإيرانية، وقد زادت أسعار العقارات للضعف خلال العام المالى الماضى، كما يؤكد المواطنون فى إيران.

غير أن الدولة التى يغلب على اقتصادها الطابع الاشتراكى لم تترك مواطنيها فريسة لارتفاع الأسعار، فمازالت تساعد الشركات الحكومية مواطنيها من أصحاب الدخول المتوسطة فى توفير السكن الملائم.

السياحة الإيرانية ترفض الاستسلام للعقوبات الأمريكية

على الرغم من الحصار الاقتصادى المفروض عليها من 34 عاما نجحت إيران فى زيادة عائداتها من السياحة بـ41% خلال العام الماضى مقارنة بـ2011، حيث بلغت السياحة الوافدة إلى إيران نحو 5 ملايين سائح العام الماضى، وبلغت الإيرادات من قطاع السياحة 6 مليارات دولار حسب السعر الرسمى للعملة الإيرانية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل