المحتوى الرئيسى

النيل.. شريان «الحياة والموت» (ملف خاص)

05/31 07:02

النيل، شريان الحياة، النهر المقدس.. أسماء من بين أخرى عديدة أطلقها المصريون القدماء على نهر النيل، لما يتمتع به من أهمية بالغة في حياة المصريين، الذين قدموا له أجمل فتياتهم قربانا له، احتفاءا به، واعترافا بفضله باعتباره واهب الحياة لمن عاشوا على ضفافه وأقاموا حضارتهم ومن مياهه رووا ظمأهم وعطشهم.

السنوات الأخيرة شهدت إساءة وإهانة، لهذا الشريان الذي يدخل الوطن ويمتد من شماله لجنوبه كشريان رئيسي للجسد المصري.

وأصبح النيل سببا للمرض ومصدرا للعدوى، باعتراف الجهات الحكومية، التي أقرت بتلوثه في صعيد مصر والدلتا، وعدم مطابقة المياه للمواصفات، بسبب الصرف الصناعى الذي يلقى بمعدل 477 مليون كيلو متر كل عام في مجرى النيل، تسببها أكثر من 129 منشأة ومصنعا.

تتبعت «المصرى اليوم»، 21 مصنعا من مصانع الموت، في رحلة من أسوان إلى القاهرة بالإضافة لمصرفين يلقيان ملايين الأطنان من مياه الصرف الصناعى والصحى، في فرعى رشيد ودمياط، في منطقتى الرهاوى بعد القناطر الخيرية ومصرف عمر بك، عند الناصرية، بالإضافة لدور العائمات السياحية، التى تلقى 3144 برميلا، تحمل 566 ألف كيلو جرام، زيتا في مجرى النيل سنويا.

وبالبحث اكتشفنا أن هناك العديد من التقارير الرسمية، التى أكدت صحة ما توصلنا إليه، ومنها تقارير رسمية لوزارة البيئة، ذكرت أن هناك 102 منشأة تلوث النيل، فيما أشارت تقارير، أعدها الدكتور نادر نورالدين، أستاذ المياه والأراضي بجامعة القاهرة، إلى أن عددها وصل إلى 129 منشأة تلقى صرفها على النيل بطريقة مباشرة وغير مباشرة من أسوان إلى رشيد ودمياط.

هذا بخلاف ما تصرفه محطات معالجة الشرب، من مخلفات وآلاف والقرى والمدن والمنشآت الصغيرة، التى تلقى بمخلفاتها من الصرف الصحى في النيل. قررنا أن نسير مع النيل من أسوان إلى رشيد ودمياط، لنكتشف الحقيقة المرة، التى قسمها التقرير لمنشآت تقوم بصرف مطابق وأخرى غير مطابقة، في الوقت الذى طالبت فيه إدارة حماية النيل والبيئة بعدم الصرف على النيل نهائيا.

البداية كانت من خزان أسوان، حيث تبدأ الرحلة من الجنوب وتحديدا من الخزان من أول دخول لنهر النيل لمصر، مرورا بمحافظات الصعيد، وانتهاء بفرعيه في الدلتا.

قررنا أن نسير مع النيل العظيم، واهب الحياة للمصريين، وشريانها فشددنا الرحال عبر طائرة الخطوط الوطنية المتجهة لأسوان، لنبدأ الرحلة مع النهر الذى قدسه المصريون، وكان حاكمهم يقسم بحمايته والدفاع عنه، وبعد وصولنا استقللنا سيارة في طريقنا للبر الشرقى للنيل.

مررنا من فوق خزان أسوان، في طريقنا لأحد المراكب التى اتفقنا مع صاحبها على السير مع النيل أمام أسوان، حيث غطت شواطئها العائمات ومراسى العائمات التى بالرغم من دورها السياحى، إلا أن عشوائيتها في صرف مخلفاتها في النيل وإلقاء زيت مواتيرها، أصبح من أهم مصادر تلوث النيل.

كانت سمرة أسوان والوجه المصرى الأصيل، في انتظارنا حيث أخذنا إدريس ابن الخامسة عشر، في جولة بمركبه «golden boat»، أو المركب الذهبى، وسط ترحيب أزال عنا قلق ضربة البداية.

لم نبتعد عن مدينة أسوان، حيث فاجأتنا ترعة السيل، المسماة «ترعة كيما»، على بعد أمتار من العائمات السياحية والمحافظة ومستشفي القوات المسلحة وبجوار مصنع لإنتاج مشروب غازى، فوجئنا بإلقاء كميات كبيرة من المياه في النيل.

الغريب أن شركة أسوان للكيماويات (كيما) وضعت لافتة على مرسى، عند مخرج الترعة على النيل، تقول فيها إنها تستهجن تلويث النيل وإنه ليس لها علاقة بما تلقيه الترعة في النيل، رغم رصد عدسة «المصرى اليوم»، خروج رغاوى بيضاء من الترعة إلى النيل، بالإضافة إلى رائحة المنطقة الكريهة التى غطت كورنيش أسوان، جراء خروج الصرف الصحى الكارثى للنيل.

قررت ومرافقى في الرحلة، المهندس محمد أحمد، من أبناء أسوان، أن نعود مع الترعة للخلف لنرى أساس الصرف، وعند قرى «العزب»، اكتشفنا ماسورة ضخمة تخرج منها مياه صرف صحى، تملأ الترعة ورائحتها كريهة وتتجه إلى النيل، عبر مخر السيل أو ترعة كيما.

تحاليل البيئة أكدت وجود الكاديوم والملوثات في النيل، وانتشار الرغاوى الناتجة من نترات مصنع الأسمدة، الذى يحاول أن يتملص من الجريمة، نافيا أن يكون له دور في التلوث، والسؤال هو من أين تأتي النترات والكيماويات، التى تملأ النيل من ترعة السيل أو ترعة كيما، والتى اقتربنا منها لتسجل عدسة زميلى المصور محمد معروف رغاوى بيضاء تملأ النيل، لمسافة طويلة، بالإضافة للرائحة التى فاجأتنا.

واندهشنا وتساءلنا كيف يشرب المصريون من النيل بعد أن يلقوا بمخلفاتهم ومخلفات مصانعهم فيه، وخلال إبحارنا في النيل وجدنا كميات كبيرة من العائمات التى أكدت تقارير كثيرة إلقاءها صرفها في النيل، بالإضافة لمحطات المياه التى تصرف على النيل، وترعة السيل ومستعمرة الرى بجوار الخزان، وفي دراو فتحة صرف، تصرف مباشرة على النيل، وتلقى مياها مليئة بالصرف الصحى.

قررنا أن نواصل مسيرنا بعد أن تأكدنا أن الطريق طويل ويحتاج صبرا من أجل كشف الحقيقة كاملة، ورسم خريطة تؤكد الدمار الذى يلحق بشريان الحياة، الذى تقف الحضارة المصرية على ضفتى النيل، شاهدة على مجد وحضارة الأجداد ومستهجنة ما يفعله الأبناء من العبث برمز الحضارة.

المحطة الثانية لنا كانت كوم أمبو، التى وصلناها حيث قمنا باستئجار مركب صغير، ليتحرك بنا على النيل لنجد فتحة مباشرة بجوار معبد كوم أمبو الأثري مفتوحة مباشرة على النيل، تلقى بمئات الأطنان يوميا من مياه قادمة من ترعة السخنة، من مصنع السكر بكوم أمبو، وما تلبث أن تشم رائحة المولاس خارجا مع المياه التى يظهر بها ريم ورغاوى، قادمة من المصنع.

بعض الأهالى، شكوا من أنه في أيام كثيرة يرى النيل أسود من عند فتحة السخنة بسبب الزيوت، التى يتم صرفها من المصنع في النيل، أثناء عملية الصيانة وأكدت ذلك محاضر البيئة والمسطحات المائية، حيث سجلت وزارة البيئة التى قامت بتحرير محاضر للمصنع، بمخالفة اشتراطات البيئة، بالإضافة لأحكام صدرت ضد المصنع بسبب تلويث النيل، لكن لا حياة لمن تنادى، على حد قول عدد من الأهالى.

في الطريق من كوم أمبو، إلى إدفو على النيل، توجد فتحات لمنشآت حكومية تصرف مباشرة على النيل، سواء محطات مياه أو حتى قرى تلقى بمخلفاتها في ترع تصب في نهر النيل، بل من الممكن القول إن الصرف على النيل أسهل لأنه، كما يقول البعض ماسورة غاطسة في المياه، ولن يعلم أحد ماذا يحدث.

الحقيقة بدأت تتضح، واكتشفنا أنه توجد أسرار كثيرة حول الأمر، فقط علينا أن نكمل المسير، نحو الشمال. خرجنا من لنش أبوأحمد، وقمنا بإكمال مسيرنا بالسيارة تجاه إدفو، وعندما وصلنا إدفو لم نجد وسيلة للوصول إلى النيل، سوى قارب صغير «فلوكة»، بسبب رغبتنا في ألا يكشفنا أحد حيث قام فريق «المصرى اليوم»، بالتحرك نحو مصنع سبائك الحديد، بعد كيلومترات قليلة من مرسى العائمات النيلية ومحطة سكك حديد مصر بإدفو، حيث تتدلى ماسورة كبيرة في النيل قادمة من المصنع، تحمل الكاديوم والبروم، وتلقيها في النيل.

وعلى الشط الغربى للنيل في مدينة إدفو، نموذجان صارخان لتلويث النيل حيث يلقى مصنع لب الورق بإدفو ومصنع السكر، في البر الغربى، مخلفاتهما في النيل.

والغريب أن وزارة البيئة كتبت تقريرا حصلنا على نسخة منه، تؤكد أن شرطة المسطحات حققت في المحاضر وتقارير البيئة، وتوصلت إلى تلويث النيل لكن لا أحد يسمع ولا مجيب ينصف وواقع السجلات الحكومية يؤكد تحرير مدير الطب الوقائى، محاضر لمصنعى السكر ولب الورق بمدينة إدفو، بتاريخ 25 يناير 2012 أشارت إلى تسبب المصنعين في وجود بقعة زيت مفككة بعرض النيل.

وتسجل مديرية أمن أسوان، المحضر رقم 53449 لسنة 2012 إداري إدفو، والذى يشير إلى تقرير مدير الطب الوقائى، أحمد خليل، الذى يؤكد تسبب المصنعين في تلويث النيل.

من خلال ما رصدته عدة محاضر، حررتها المسطحات المائية، بناء على بلاغات للبيئة وحماية النيل، تتسبب مصانع إدفو في وجود بقع زيت في النيل، ووصفت البقعة في تقريرين منفصلين، الأول في 25 من يناير 2012، بأنها بقعة زيت مفككة بعرض النيل وتغطى مساحة طولية كبيرة.

وفي 27 من أكتوبر 2012 أكدت استغاثة المهندس ممدوح أحمد موسى، مدير معامل مياه الشرب والصرف الصحى بإدفو، في تمام الساعة 11 صباحا، وجود بقعة سولار بجوار مصنع السكر، ومصنع لب الورق بإدفو، تتحرك في الاتجاه البحرى.

وحضر الدكتور أحمد فؤاد خليل، الذى وجد أن البقعة ممتدة بطول 10 كيلو مترات، بمحازاة الشاطئ الغربى للنيل، بعرض 10 أمتار، وبناء عليه تم اتخاذ الإجراءات اللازمة، حسب المحضر.

ورغم محاضر المسطحات والاجتماعات والقرارات والضجة الإعلامية، التى تتحدث عن القضاء على التلوث في النيل، أكدت تقارير الإدارة العامة لحماية النيل في محضر رقم 6 لسنة 2013 والمؤرخ في 10 مارس 2013، بمعرفة محمود صلاح حامد، المهندس بنيل إدفو، والمبنى على العينة رقم «17سرى»، أن العينة المأخوذة من ماسورة صرف مياه التبريد، على نهر النيل لشركة السكر والصناعات التكاملية إدفو، الكائن بناحية الكلج غرب إدفو، بالكيلو 123 ومديرها المسؤول المهندس عبد الستار النوبى، غير مطابقة للمواصفات، وذلك لارتفاع قيمة الزيوت عن الحدود المقررة كيميائيا، وتم قيد المحضر جنحة ضد السيد المهندس عبد الستار النوبى خليل. وأكدت تقارير المعمل الإقليمى والمعنون برقم 17 سرى أن الفحص الكيماوى أكد أن درجة الحرارة 32 مئوية، وأن نسبة الزيوت 60، وأن تقرير العينة النهائى يؤكد أنها غير مطابقة.

في رحلتنا وصلنا إلى الأقصر، قادمين من إدفو لنبيت ليلتنا وسط عبق التاريخ الفرعونى، وحضارة الأجداد، ثم بدأنا في الصباح متجهين إلى مصنع سكر أرمنت الذى يعتبر واحدا من أهم مصادر التلوث على النيل، في المدينة السياحية.

وعلمنا من الأهالي في المنطقة أن المصنع له صرف موجود أسفل مياه النيل، ويتم ضخ المياه الساخنة وغسيل الماكينات في النيل، وتأكدنا أنه تم تحرير العديد من المخالفات عن طريق حماية النيل، بعد ورود تقارير شؤون البيئة، التى أدانت المصنع.

ومنذ عدة شهور، وبالتحديد في نوفمبر 2012، تم التحقيق مع محمد محمود مكى، مدير مصنع سكر أرمنت، وأسامة ثروت توفيق، مدير إدارة الرصد البيئى بالمصنع، وأفرج عنهما بكفالة مالية، بعد التحقيق معهما بمعرفة نيابة أرمنت، بسبب تسرب بقعة زيتية جديدة إلى نهر النيل، واتهام المصنع بالصرف على نهر النيل، من خلال صرف مخلفات غسيل وتنظيف الماكينات المختلطة بالزيت، ما أدى إلى تلوث مياه النيل.

اتجهنا عبر القطار، إلى قوص وبدأنا كالعادة في البحث عن مصنعى السكر ولب الورق، اللذين يقفان على النيل، يصرفان مخلفاتهما من الصرف الصناعى، الذى تدعى بعض التقارير الحكومية أنه معالج، وتطالب حماية النيل بإيقافه نهائيا لكن المصنعين مازالا يصرفان الماء الساخن، على النيل مباشرة.

أكملنا مشوارنا إلى مدينة أخرى في محافظة قنا، هى دشنا، التى فاجأتنا بما لا يسر وهو إطلاق الصرف في ترعة دشنا، المجاورة لمحطة السكك الحديدية، والتى تظهر آثارها لمن يأخذ قراره ويتجه للموقع المقابل لمصنع لب الورق، قبل الكمين بأمتار قليلة، وبالرغم من ذلك اتجهنا إلى النهر واستأجرنا لنشا، اتجه بنا إلى النهر لنجد خرطوما كبيرا، يلقى بمياهه قادما من مصنع السكر إلى مجرى النهر.

المحطة التالية لنا كانت في مدينة الألومونيوم، مدينة نجع حمادى، التى تضاربت التقارير حول توفيق مصنع الألومونيوم أوضاعه، لكن الحقيقة أن المصنع يصرف مياهه على النيل، لكننا ظللنا ندور حول قلعة الألومونيوم التى وضعت سورا وسياجا كان من الصعب الاقتراب منه، رغم محاولاتنا كشف الحقيقة، والتأكد مما إذا كانت مصانع السكر والألومونيوم التزمت بالاشتراطات أم لا.

والحقيقة أن التضارب بين تقارير البيئة وحماية النيل، يؤكد أن التلوث مازال صادرا من مصنع سكر نجع حمادى، على الجانب الغربى، الذى وصلنا إليه واخترقنا الحواجز السلكية الموجودة، على النيل، لنقترب من امتداد المصنع الذى يصدر كميات ضخمة من الملوثات الهوائية، والغبار الأسود في الهواء، بالإضافة إلى تأكيد تقرير الرى الذى يطالب بعدم صرف تبريد السكر على النيل.

وتصادف أن شاهدنا في مرسى المصنع، "صندلا" متصلا بأنبوب يأتي من المصنع تتسرب منه كميات غير قليلة، في النهر وسط تأكيدات العمال بأنه عسل وتأكيدات الأهالى بأنه سولار.

مؤتمر طبي: القاهرة ثالث أكثر مدن العالم في تلوث الهواء

إخلاء المدينة الجامعية للبنين في بورسعيد بسبب تلوث مياه الشرب

«الري»: خطة لمواجهة مشاكل الصرف الصحي وتلوث المجاري المائية

في الطريق من نجع حمادى إلى سوهاج، قمنا بالمرور على مصنع سكر جرجا، الذى يعد أحد مصادر التلوث لنهر النيل بالمحافظة، يرافقنا الصعيدى الحاج مظهر أبوعيسى، من كبار المزارعين ونقيبهم في قطاع الصعيد، الذى ساعدنا في الانتقال الى النيل ومتابعة المصنع، الذى تؤكد تقارير حماية النيل شدة تلويثه للنيل، وهو ما أثبتته تقارير الصحة في محافظة سوهاج، التى تؤكد عدم مطابقة المياه أمام المصنع للمواصفات، وإضرارها بصحة الإنسان.

وأكد لنا رفعت نجيب، رئيس حماية النيل في سوهاج، أنه قدم مذكرة لمحافظ سوهاج بضرورة إيقاف صرف المصنع على النيل، ويقع المصنع على مساحة 406 كيلو من خزان أسوان، ويلقى كميات من المياه في النيل.

اتجهنا إلى سوهاج، لنقضى الليلة في إحدى العائمات التى أخذت من النيل مستقرا بجوار كوبرى سوهاج، وفي الصباح الباكر كان قرارانا بأن نتجه بالقطار إلى أسيوط وتحديدا إلى منقباد، حيث مصنع السماد بمنقباد في البر الشرقى، على بعد 552 كيلو مترا من خزان أسوان، واكتشفنا أنه أيضا له دور كبير في تلويث النيل حيث يلقى بمياه صرف تدعى إدارة المصنع أنها معالجة.

في المقابل، أكدت تقارير أنه عند التحليل الدورى لمياه نهر النيل من جهة الوجه القبلي، محافظة أسيوط، تبين أن المياه الخارجة من صرف ماسورة مصنع الأسمدة ومحطة كهرباء الوليدية ومحطة كهرباء الحمراء، ترتفع بها الأمونيا عن الحدود الملائمة، بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة، ما يؤثر سلبا على الكائنات المائية.

بالإضافة إلى أن انخفاض عمق نهر النيل أمام مصنع الأسمدة، وضيق عرض النهر أمام المصنع، ناتج عن الإطماء الذى تسبب فيه الصرف الصناعى للمصنع ما يؤكد استمرار تلويث النيل.

اتجهنا في طريقنا نحو الشمال إلى المحطة التالية، وهى محافظة المنيا، عروس الصعيد، كما يحلو للبعض تسميتها، وتحديدا إلى مصنع سكر أبوقرقاص، والذى أكد تقرير للرى تلويث المصنع لمياه النيل، بإلقائه أيضا مخلفات مياه التبريد وأثناء أعمال الصيانة إلقاء كميات لا بأس بها من السولار وعادم الماكينات.

عدنا إلى القاهرة الكبرى وتحديدا في محافظة الجيزة، وقابلتنا محطة كهرباء الكريمات، التى تلقى بصرفها على النيل، وهى في البر الشرقى في مركز أطفيح ومثيلاتها في سقيل بالوراق، نموذج صارخ لمنشآت تلقى بمخلفاتها في المجرى النهرى بينما يوجد مصنع الزيوت والصابون الموجود مباشرة على النيل، بجوار قرية المساندة بالعياط في البر الغربى، ويلقى بمخلفاته في النيل.

وقبله وعلى مسافة من مساكن المدينة تصرف مدينة العياط التى يوجد بها أكثر من 200 ألف نسمة مخلفاتها في النيل عبر مصرف يتم تجميع مخلفات الصرف فيه ويتسلل من خلال المرور خارج الكتلة السكنية، عند قرية كفر شحاتة، ليلقى بالمئات من الأطنان من المياه الملوثة في النيل.

وفي مدينة الحوامدية توجد عدة نقاط صناعية على النيل، حيث يلقى مصنع الكيماويات بمخلفاته، بينما بعده بقليل وعلى نفس البر، يوجد مصنع السكر والصناعات التكاملية، الذى من الصعب الدخول إلى محيطه، لكن إدارته تقول إنها أوقفت الصرف على النيل، بينما تؤكد المعلومات وجود صرف 3 مصانع على النيل تصرف مياهها فقط بينما كان لأحد المصانع الخاصة والتى تنتج الزجاج، دورا في تلويث النيل في منطقة منيل شيحة، على حد قول مصادر مسؤولة.

والجيزة يخترقها النيل بمجراه ويناله من جزرها المأهولة بالسكان التى تصرف مباشرة عليه صرفا صحيا، الضرر الكبير، وضاعف متاعبه ما يصله من مصارف المحافظة السياحية، إذ تقدم للنيل أسوأ الملوثات، حتى إن دراسة أجراها معهد البيئة بمركز البحوث الزراعية، كشفت أن سبب ظهور أسماك نافقة وطافية على سطح ترعة المريوطية بالجيزة، كان سببه الاختناق ونقص كمية الأكسجين.

وأثبتت الدراسة تلوث شديد في مصرف المحيط الذى يصب في ترعة المريوطية والذى يتقبل مخلفات مصنع السكر بالحوامدية، كما أوضحت الدراسة ان المصرف يستقبل مخلفات محطة الصرف الصحى، بالإضافة إلى أن الأهالى يلقون الصرف الصحى غير المعالج مباشرة، عبر سيارات الصرف الصحى، في مصرف المحيط، الذى يصب في ترعة المريوطية.

وتبين تقارير المركز ارتفاع نسبة الأمونيا وتعدى نسبتها للحدود الآمنة في نقطة التقاء من مصرف المحيط، ومصنع كاتو، بترعة المريوطية دون معالجة، وهو ما تسبب في خطورة كبيرة على المياه العذبة والأسماك.

ويبدو أن الجيزة التى تعتبر مزارا سياحيا وجزءا من القاهرة الكبرى، لم تقبل أن تظل بعيدة عن التلوث، حيث اتجهنا مع فرع رشيد، بعد منطقة القناطر الخيرية لنجد على النيل وعلى عكس المتبع، أن المياه تنطلق من النيل إلى الأراضى الزراعية، بشلال من المياه العفنة والناتجة عن الصرف الصحى، الذى تدعى الدولة أنه معالج، تصب في نهر النيل.

وتقف قرية الرهاوى، التابعة لكفر حجازى، شاهدة على وحش هادر يلقى بمئات الآلاف من أطنان المياه السوداء المحملة بالقمامة والصرف الصحى والصناعى في النيل، حاملة ما جاء به الرشاح الذى يبدأ من بنى سويف، مار بفيصل والهرم ومتصل بترعة المريوطية، ومنها إلى ناهيا وأبورواش والمنصورية ونكلا، منتهيا به الحال إلى مصرف الرهاوى، الذى يقدم الموت في فرع رشيد، حاملا معه مخلفات المصانع والصرف الصحى للقرى في الجيزة وأكتوبر، وملقيا بكوارثه في مياه فرع رشيد.

وتؤكد دراسة لمعهد البيئة بمركز البحوث الزراعية، أن أسباب نفوق الأسماك بكميات كبيرة في نهر النيل، ترجع إلى ارتفاع نسبة التلوث في مياه النهر، بسبب صرف مخلفات مصرف الرهاوى، الخاص بمصانع الجيزة في مياه النهر، كما يتم صرف العديد من مخلفات المنازل، والمساجد المنتشرة على طول مجرى النهر في مياه النهر، حيث يؤدى ارتفاع درجة الحرارة، إلى زيادة نسبة الأمونيا، التى تتحول في المياه إلى نترات تؤدى إلى تكسير كرات الدم الحمراء في الأسماك، واختناقها ونفوقها على الفور، إلى جانب تلوث المياه.

في طريقنا للبحث عن التلوث في مجرى النهر، في محافظة الغربية، نجد أن صرف الشركة المالية الصناعية، يصب في النيل مباشرة وهى تنتج أسمدة فوسفاتية وكذلك مصنع الزيوت والصابون (بكفر الزيات) مما يؤدى لزيادة التلوث في النيل وأحداث تأثير سلبى على الأسماك في نهر النيل، بسبب زيادة الصرف الصناعى لهما دون معالجة، ما يشكل خطرا على مجرى نهر النيل.

الغربية التى تطل على فرعى رشيد ودمياط على نهر النيل، تسببت في تلوث الفرعين، ففرع دمياط هو المصدر الوحيد لتغذية محطات مياه الشرب في محافظات الدلتا ومنها الدقهلية، إلا أن تقارير صادرة من حماية النيل ومياه الشرب وشؤون البيئة، بإقليم شرق الدلتا، كشفت أن اسباب ارتفاع نسبة التلوث بمياه النيل فرع دمياط، ترجع إلى صرف مياه مصرف «عمر بك»، الواقع على نهر النيل مباشرة، والذى عندما وصلنا إليه على النيل، رأينا موقعا صعبا ومشهدا مرعبا للمصرف الذى يصب في النيل، حيث فوجئنا بملوثات قام بتجميعها المصرف، شملت مياه الصرف الزراعى لمساحة ٤٣ ألف فدان، معظمها تابع لمحافظة الغربية، تأتى للنيل محملة بالمبيدات الحشرية والفطرية، بالإضافة لمياه الصرف الصناعى والصحى الناتج من صرف محطة صرف صحى سمنود، ومحطة صرف صحى ميت بدر حلاوة ومصنع للرخام في سمنود ومياه الصرف الصناعى لمعاطن الكتان بزفتى.

ويلقى مصرف عمر بك بمياهه مباشرة على فرع دمياط عند منطقة منية سمنود بمعدل صرف ١٢ ألفا و٦٠٠ متر مكعب في الساعة، وتبعد هذه النقطة عن أكبر محطة لتنقية مياه الشرب في الدقهلية بنحو ١٥ كيلو مترا فقط، حيث ترد المياه إلى محطة التنقية محملة بآثار الصرف الصحى والصناعى، وتؤكد تلوث مياه النيل في فرع دمياط، الذى يبدأ من قناطر الدلتا وينتهى عند سد فارسكور، بطول ٢٢٠ كيلو متراً.

ومازال التلوث مستمرا، من خلال محطة رفع المحلة الكبرى «محطة الناصرية»، التى تعمل من خلال ٤ وحدات رفع، طاقة الواحدة منها ٣٠٥ آلاف متر مكعب في اليوم، وهذه الطاقة تفوق إجمالى إنتاجية محطات مياه الشرب في محافظة الدقهلية، في حالة تشغيل وحدتى رفع فقط، وهذا يمثل نسبة عالية من تلوث مياه نهر النيل فرع دمياط، لما تحويه من ملوثات بجميع أنواعها.

ولاحظنا أن فرع النيل بدمياط يتلقى الملوثات من محطة الكهرباء والمصارف والمصانع الملاصقة له، فضلاً عن المنطقة الصناعية التى تنقل مخلفاتها عبر المصرف رقم ٦ من دمياط إلى دمياط الجديدة.

وكشفت دراسة أجرتها وزارة شؤون البيئة، بالاشتراك مع مشروع دعم التقييم والإدارة «سيم»، عن أن التلوث أثر سلبياً على المياه والأسماك والمجتمعات القائمة على ضفتى النهر، بسبب عدم التخطيط ووصول مياه الصرف الصحى والمخلفات الصلبة التى تتدفق من المدن والقرى والمنتجعات السياحية إلى النهر، دون مرورها على محطات المعالجة.

كان المنظر غريبا وعجيبا في فرعى رشيد ودمياط، حيث تعترض المجرى المائى أقفاص سمكية في المنطقة الواقعى من دسوق إلى فوه، ورصدنا وجود مئات الأقفاص وسرنا معها في الطريق من شبراخيت إلى دسوق وفوه في سرية، خوفا من بطش أصحاب المزارع السمكية، ويمكن لمن يقف فوق كوبرى دسوق أن يشاهد منظرا محزنا، هو انسداد المجرى المائى بورد النيل من منطقة جزيرة أدييه التى انفصلت عن العالم بسبب تغطية ورد النيل أو القراع، كما يسميه الصيادون الذين بدا منظر قواربهم وهى ملقاة بين ورد النيل مأساة.

ويبدو أن النيل يلقى كل الإهمال بالإضافة للتلوث حيث رصدنا في فرعى رشيد ودمياط الأقفاص السمكية، التى يظهر تغولها في النيل، واحتلالها للمجرى النهرى سواء في قلب المجرى المائى في مناطق من شبراخيت مرورا بمنية سلامة، وانتهاء بالمنطقة الممتده من دسوق إلى فوه، حيث يمكن لمن يقف فوق كوبرى فوه الجديد أن يرى الأقفاص تغلق فرع رشيد.

ويؤكد تقرير الإدارة المركزية لصحة البيئة بوزارة الصحة، عن شهر فبراير 2013، والتى اطلعت عليه «المصرى اليوم»، أن عينات التحاليل التى أخذت من عدة مواقع أن هذه العينات غير مطابقة، وأسبابها المصايد والصرف على النهر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل