المحتوى الرئيسى

صلاح الدين سلطان يكتب :بين ما يصح قانونا ويبطل ديانة في نهب الأموال

05/24 13:02

قال الامام ابن قيم الجوزيه في كتابه القيم "اعلام الموقعين عن رب العالمين": "احكام الدنيا تجري علي الاسلام، واحكام الآخرة تجري علي الايمان"،

وهي تعني ان كل ما يترتب من امور تبدو صحيحه شكلا في قوانين الناس، او تستوفي الشكل الشرعي دون الجوهر الحقيقي ديانه فتكون باطله عند الله، وفي الدار الاخره، مثل من يُظهر الاسلام ويبطن الكفر فسيعامل بين المسلمين كمسلم، لكنه في الاخره سيُحشر مع الكافرين او المنافقين، وقد اظهر الاسلامَ عبد الله بن سبأ اليهودي الذي اسس الفتنه بين سيدنا علي رضي الله عنه والصحابه، وادعي بعض صفات الالوهيه للامام العابد علي رضي الله عنه، ولا يزال غلاه الشيعه من الاسماعيليه والعلويين والجعفريه يعتقدونها الي اليوم، ويقولون بقوله، ولو تركنا جانب العقيده لان الميل فيه كفر، الي الجوانب الفقهيه لان الخطا فيه اجر كما فعل الامام ابو حنيفه النعمان لما بدا حياته العلميه بعلم العقيده - وكانت تسمي الفقه الاكبر- فقال: "اترُك الفقه الاكبر الي الفقه الاصغر"، لان الفقه الاكبر الخطا فيه كفر، اما الفقه الاصغر الخطا فيه اجر، وهذا طبعا مشروط بعدم القصد الي الخطا.

ما يشغلني هنا هو ما يبدو انه صحيح قانونا في نهب الاموال، وهو باطل ديانه في الواقع المصري بعد الثوره بل دول الربيع العربي، وان شئت فقل كل دول العالم، فمثلا صيغت القوانين في الضرائب بحيث تكون فيها ثغرات تسمح بالتهرب وسمي بالتهرب القانوني، وصديقتها قوانين مجالس الادارات للشركات الكبري علي ان للساده اعضاء مجلس الاداره مكافات تزيد في السنه علي المليون او الملايين، بينما لا يزيد مرتب العمال المطحونين علي ١٥٠ جنيها، وقد قابلت عاملا لم يثبَّت في الاوقاف منذ عشر سنوات، وراتبه (95) جنيها يعني ١٢ دولارا في الشهر، بينما يري قوم ممن يمثلون مراكزهم الوظيفيه وفقا للقانون الماضي قبل الثوره، حيث يحصل رئيس مجلس الاداره علي فوق المليون مكافاه ٦ اشهر في شركه احتفظ بذكر اسمها، بينما حصل رئيس مجلس اداره هيئه عامه لها مساهمه في الشركه اياها بـ٩% في الشركه، وطبعا الهيئة مشتركه في عشرات الشركات، وتتضاعف المكافات، علي كلٍّ حصل رئيس الهيئه من شركه واحده علي مبلغ ٦٨٠ الف جنيه، وبعد الضرائب وصلت بالضبط ٥٣٩ الف جنيه علي اربع جلسات في ساعتين، يعني الساعه بستين الفا، وهو اكثر من الحد الاقصي الذي صدر به القانون في مجلس الشورى، ويتحداه كل بقايا النظام السابق، وكانهم في صراع مع الوقت؛ كي ينبهوا باقصي جهدهم قبل ان تستقر الدوله فتطبق قوانين العدالة الإجتماعية التي تجرِّم ان يحصل اي شخص في منصب كبير علي اكثر من ٢٥ ضعفا اي موظف صغير، ولهذا يلعن بقايا ومنتفعو النظام السابق الثوره والثوار والانتخابات ومرسي والشوري والاخوان والاحرار، لان الموضوع هو ان مليارات تذهب لجيوب الكبار، ويضيع معهم الصغار، وتتاكد نظريه الحوت الكبير الذي يبلع السمك الصغير في كرشه العريض، لكن هذا الترتيب و"التستيف" القانوني من ترزيه القوانين في نهب المال العام لا يصح عند الله ديانه للادله التاليه:

1. روي مسلم بسنده عن النواس بن سمعان ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: "البر حسن الخلق، والاثم ما حاك في صدرك وكرهت ان يطلع عليه الناس"، واتحدي ان يفصح رؤساء مجالس الادارات عن مكافاتهم مهما وافقهم القانون الذي وضعه الظالمون ممن جاءوا واستمروا بالتزوير.

2. ما رواه مسلم بسنده عن وابصه بن معبد الاسدي قال: اتيتُ رسولَ اللهِ صلي الله عليه وسلم فقال: "جئتَ تسالُ عن البرِّ والاثمِ؟ قال: نعم، فقال: استفتِ قلبكَ، البرُّ ما اطمانتْ اليهِ النفسُ، واطمانَ اليهِ القلبُ، والاثمُ ما حاكَ في النفسِ وتردّدَ في الصدرِ، وان افتاكَ الناسُ وافتوكَ".

ولعل الحديث يشير الي اصحاب الاجتهاد التسويغي من الشيوخ والعلماء ورجال الشؤون القانونيه الذين سوَّغوا بالحق والباطل، وافتوا بصحه معاملات كثيره، هؤلاء المسوغون معنيون هنا في الحديث: "وان افتاك الناس وافتوك"، يعني اكدوا صحه "التستيف" واحيانا التلفيق الفقهي او القانوني.

3. روي البخاري بسنده عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي صلي الله عليه وسلم رجلا من الازد، يقال له ابن اللتبيه، علي الصدقه، فلما قدم قال: "هذا لكم وهذا اهدي لي، قال: فهلا جلس في بيت ابيه او بيت امه، فيَنظُر يُهدي له ام لا؟ والذي نفسي بيده، لا ياخذ احد منه شيئا الا جاء به يوم القيامه يحمله علي رقبته، ان كان بعيرا له رغاء، او بقره لها خوار، او شاه يتعر، ثم رفع بيده حتي راينا عفره ابطيه: اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، ثلاثا"، والحديث عمده في الموضوع اذ يعالج جوانب عده اولها: تسويغ الانسان لنفسه ان ياخذ الهدايا والمكافات التي تاتيه طوعا من الناس، وهو حرام شرعا، لان الناس لا يعطونه لشخصه بل لمنصبه، وقد كان الخطاب جادا حادا شديدا قاطعا: فهلا جلس في بيت ابيه او بيت امه، فيَنظُر يُهدي له ام لا؟ ولم اجد في السنة النبوية عباره اشد من هذه في التعبير عن غضب النبي من المولعين باكل المال العام بالشبهات والحرام، ثم زاد الامر في بيان ان كل ما اخذه صاحب منصب عأم حراما فسياتي حاملا له يوم القيامه علي ظهره ورقبته وتتكلم الاموال لافته النظر الي فضائح المسؤول العام الذي سرق او نهب او استساغ ما حرم الله تعالي، لكن العباره الاخيره وهي تكرار"اللهم هل بلغت ثلاثا" ليعلم القاصي والداني مدي غضبه الله تعالي ورسوله علي كل من استساغ لنفسه ما لا يحل له من المال العام.

4. اورد ابن حجر العسقلانى في كتابه "الاصابه في تمييز الصحابه" بسند صحيح ان زيد بن أسلم عن ابيهِ قال: خرج عبد اللهِ وعبيدُ اللهِ ابنا عمرَ في جيشٍ الي العراقِ فلما قفلا مرَّا علي أبي موسى الأشعريِّ وهو اميرُ البصرهِ فرحَّبَ بهما وسهَّلَ وقال: "لو اقدرُ لكما علي امرٍ انفعُكُما به لفعلتُ، ثم قال: بلي هاهنا مالٌ من مالِ اللهِ اريدُ ان ابعثَ به الي اميرِ المؤمنينَ واُسْلِفُكُمَا فتبتاعانِ به من متاعِ العراقِ ثم تبيعانِه بالمدينهِ، فتُؤدِّيانِ راسَ المالِ الي اميرِ المؤمنين ويكونُ لكما الربحُ ففعلا وكتب الي عمرَ بنِ الخطابِ ان ياخذ منهما المال، فلما قدم علي عمرَ قال: اكُلَّ الجيشِ اسلفهم كما اسلَفَكُما، فقال: لا، فقال عمرُ: ادِّيَا المالَ ورِبْحَه..."..، والاثر فيه من الفقه والتربيه الكثير، حيث اراد ابو موسي الاشعري ان يحملا المال مضمونا الي دار الخلافه، لكن الامر عند عمر بن الخطاب واضح، فسال سؤالا يصنف في باب العداله الاجتماعيه التي لا يحبها ولا يريد ان يستوعبها انصار وبقايا النظام السابق الذين تعودوا علي الطبقيه، لكن سيدنا عمر يهدم ذلك كله بقوله: "اكلَّ الجيش اسلفهم كما اسلفكما؟" وهنا نقول: هل كل الكادحين في الشركات يحصلون علي مكافات تقترب من مكافات الساده الكبار اعضاء مجالس الادارات؟ نحن نريد هذا الفقه العمري، ويجب ان نسعي لتطبيقه علي الجميع.

ومن ثم اقول لمن بقيت فيه بقيه من خشيه الله: ادِّ المال وربحه في كل مبلغ اخذته بحكم منصبك من هدايا ومكافات فوق العاديه مما تحيك في صدرك، فان كان القلب قد عمي وصار ينهب بالجمله دون وخز الضمير فلتكن الثانيه وهي الخوف والتردد ان عرف الناس، وعندي يقين ان العمال المطحونين الذين يكافحون سنين طويله كي يصل راتبهم ومكافاتهم الي الكفاف او الكفايه لن يرحموا واحدا من رؤسائهم اذا علموا كم حصلوا علي مكافات من وراء عرقهم وكدهم، ثم من وراء ظهورهم في الحيل القانونيه، او القوانين التي فصَّلها من جاءوا بالتزوير حتي من اصوات الموتي الذين داب النظام السابق علي احيائهم يوم الانتخابات كي يصوِّتوا لهم، والله تعالي يقول عن الاخره: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * اِلَّا مَنْ اَتَي اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء: 88-89).

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل