المحتوى الرئيسى

أصغر فرهادي من ضيق صدر إيران إلى رحابة فرنسا

05/23 13:17

مسيرته ليست بالقصيره، استطاع خلالها ان يدفع الاخرين لاحترام اسمه وفنه الي حد بعيد، قد يتناول في افلامه قصص بسيطه تشعر من فرط بساطتها انك اختبرتها من قبل، لكنه ومع ذلك ينسجها علي الشاشه بشكل عميق للغايه، يربطها بظواهر واحداث وتطورات في مجتمعه المُنغلق الي حد ما، ليضعك، انت، الغريب عن البيئه الايرانيه، تماماً في قلب الموقف والملابسات، يعتمد في ذلك علي الاسره مكوناً اساسياً لقصصه، وعن ذلك يقول "ليس هُناك تجربه كونيه اكثر من العائله"، ويبدو مُقتنعاً تماماً من ان الغوص في الانسانيات يُقربه اكثر من جمهوره "احتاج ان اشعر انني قريب من الجمهور".

هذا العام اختار المُخرج الايراني اصغر فرهادي ان يهرب من ايران ضيقه الافق التي اصبحت التيارات المتحفظه الرجعيه فيها ذات سطوه كبيره، كما اشار هو نفسه الي ذلك بشكل غير مُباشر في فيلمه الاخير انفصال نادر وسيمين، اختار ان يهرب الي رحابه صدر فرنسا، التي اظهرت حميميه وترحاب كبير من جانبها بالمُخرج صاحب الـ 41 عاماً، وذلك بعدما اُختير فيلمه الجديد The Past او "Le passé" للمشاركه بالدوره الـ66 من مهرجان كان السينمائي الدولي، ومنها يتنافس فرهادي مع مُخرجين امثال رومان بولانسكي، الكسندر باين، الاخوين كوين، نيكولاس ويندينج ريفن وجيم جارموش املاً في الوصول الي السعفة الذهبية.

فرهادي الذي تناول في فيلمه الاخير حكايه طلاق عاديه تحدث في مئات البيوت، لن تنتظر منه في فيلمه الجديد ان يتحول عن بساطه قصصه التي يسردها باريحيه شديده علي الشاشه، بل انه يُصر علي ما يبدو ان يستمر في تركيزه علي قضيه الطلاق وتاثير ذلك علي الابناء، فيحكي في فيلمه المُنافس علي السعفه الذهبيه عن الزوج اﻹيراني الذي يُقرر العوده الي فرنسا بعد غياب اربعه اعوام من اجل انهاء اجراءات الطلاق من زوجته الفرنسيه، التي ترغب في الزواج من اخر، يتتبع فرهادي في فيلمه الشخصيات الثلاثه، والتعقيدات والمشاعر التي تمر بها كل شخصية، كما يُعطي لمشاعر اﻷبناء في فيلمه مساحه واسعه، تماماً كما فعل في فيلمه اﻷخير.

تبدو حكايه الفيلم عاديه للغايه، لا تختلف كثيراً في بساطتها عن حكايه ايلي التي تختفي بشكل مُفاجيء بعدما كانت تقضي احدي العُطلات برفقه الاصدقاء علي البحر، او تلك الحكايه التي نراها من خلال عيون خادمه شابه عن خيانه زوج لزوجته والتوترات التي تجد الزوجه نفسها فيها، او تلك المُتعلقه بانفصال نادر وسمين، ربما يواجه فرهادي مُشكله وحيده كتلك التي واجهت المُخرج الايراني الكبير عباس كياروستامي والذي راي البعض ان افلامه التي قدمها خارج بيئته الايرانيه كانت اقل بكثير من تلك التي قدمها في ايران، لكن تصريحات فرهادي نفسه في المؤتمر الصحفي الذي اُقيم علي هامش فعاليات المهرجان لمناقشه فيلمه تجعله يبدو واثقاً اكثر من قدرته علي التكيف وعدم الوقوع في الفخ الذي سبقه اليه كياروستامي، "يمكنني ان اعمل في جميع انحاء العالم، لكنني ساظل صانع أفلام ايراني"، ويؤكد ذلك اقتناع فرهادي بانه من الصعب ان يحمل اي فيلم جنسيه لبلد ما "الاهم هو ايجاد روابط بين المشاهد والفيلم".

وعلي الرغم من غزاره الانتاج السينمائي والدرامي في ايران الا انه دائماً ما توجد قيود تحد من قدره المُخرجين الايرانيين، بالاخص في ظل نظام يحكم بمرجعيه دينيه، وهو ما يدفع الكثير من المُخرجين للفرار من هذا المناخ الخانق، فرهادي نفسه تعرض لنقد وهجوم كبيران العام قبل الماضي بسبب فيلمه انفصال نادر وسمين، حيث رات الحكومه الايرانيه اينذاك ان الفيلم يُظهر الدوله بمظهر غير لائق، كما ابدت اجهزه الدوله وقتها استغرابها من تلك الحفاوه التي قُوبل بها الفيلم، وهو موقف غريب بعض الشيء عندما تعلم ان الفيلم كان قد حصد لتوه جائزه الدُب الذهبي من مهرجان برلين وفي طريقه لحصد جائزة الاوسكار كافضل فيلم بلغه اجنبيه.

فرهادي لم يتعرض وحده لمضايقات النظام الحاكم في ايران، فقد تابعنا جميعاً الازمه الاخيره للمُخرج جعفر بناهي، والذي اضطر لصناعه فيلمه الاخير بُرده في مساحه لا تتعدي امتار قليله، ورغم التوسلات التي ارسلتها اداره مهرجان برلين الي الحكومه الايرانيه للسماح لجعفر بحضور فعاليات المهرجان وحضور العرض الخاص لفيلمه الذي نافس علي جائزه الدُب الذهبي، الا ان ذلك قوبل برفض عنيف وسط اصرار الحكومه الايرانيه علي فرض الاقامه الجبريه علي المُخرج الكبير، وعلي الرغم من هذه القيود التي يؤكد فرهادي انه مع خروجه من ايران يتخفف منها بالفعل، الا انه يعمل مع ذلك بالنظر الي مرجعياته الخاصه، فهو يري ان الرقابه الذاتيه التي يفرضها علي نفسه اهم واخطر من تلك التي تفرضها عليه المؤسسات.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل