المحتوى الرئيسى

أمل دنقل.. «شاعر الرفض» الذي قاوم السلطان.. وهزمه السرطان (بروفايل)

05/21 02:38

ثلاثون عامًا مرت علي وفاه «الجنوبي»، امل دنقل، امير «شعراء الرفض»، الذي واجه السلطان بشجاعه، قبل ان تخذله هذه الشجاعه في مواجهه السرطان.

في قريه «القلعه» بمركز «قفط» بمحافظه «قنا»، ولد امل دنقل عام 1940. كان والده من علماء الازهر، حصل علي «اجازة العالميه» عام 1940، فاطلق اسم «امل» علي مولوده الاول تيمنًا بالنجاح الذي ادركه في ذلك العام، ولم يكد امل يبلغ العاشره من عمره حتي توفي والده، ليصبح، وهو في هذه السن، مسؤولًا عن امه وشقيقيه.

انهي امل دراسته الثانويه في قنا، ثم هبط الي القاهره ليلتحق بكليه الاداب، لكنه انقطع عن الدراسه منذ العام الاول، وعاد ادراجه الي قنا ليعمل موظفًا بالمحكمه، ثم عمل بين جمارك السويس والاسكندريه، لكنه كان دائم الفرار من قيود الوظيفه الي الشعر.

اطلق «امل» اول صيحه شعريه عام 1969 في ديوانه «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة»، وهو الديوان الذي جسد فيه الشعور العربي المحتقن عقب نكسه 1967، مستلهمًا قصه زرقاء اليمامه، السيده العربية ثاقبه البصر، التي كانت تري علي مسيره ثلاثه ايام، وحذرت قومها من قدوم العدو مستترًا خلف اغصان الشجر، فكذبوها، فحاقت بهم الهزيمه.

جئت اليك مثخنًا بالطعنات والدماء

ازحف في معاطف القتلي وفوق الجثث المكدسه

منكسر السيف، مغبر الجبين والاعضاء

اسال يا عذراء عن فمك الياقوت

وهو ما يزال ممسكًا بالرايه المنكسه

وبعد هذا الديوان تتابعت دواوينه، «تعليق علي ما حدث»، و«مقتل القمر»، و«العهد الاتي» و«اقوال جديده عن حرب البسوس». ولكن في «اوراق الغرفه 8»، اخر دواوينه، بدا انه بلغ ذروه نضجه الشعري، وفارقت قصائده ما تميز به شعره من حس سياسي، الي رصد وتسجيل وتدوين للحظات الحياه الاخيره.

عندما عقد الرئيس الراحل انور السادات معاهده السلام مع اسرائيل، كتب امل رائعته «لا تصالح»، والتي صارت وقتها اشبه بمنشور شعري سياسي يتداوله الرافضون للصلح مع اسرائيل.

هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟

تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَهً بالقصب؟

لا تصالح علي الدم.. حتي بدم

لا تصالح ولو قيل راس براسٍ

وهل تتساوي يدٌ.. سيفها كان لك

اختار امل دنقل موقعه منذ اللحظه الاولي علي يسار السلطه‏، فصار يلقّب بشاعر الرفض، رفض الظلم والديكتاتوريه ونفاق المجتمع‏، رفض الهزيمه، رفض الصلح.

تزوج امل دنقل من الكاتبه عبله الرويني التي كانت تعمل في جريده «أخبار اليوم»، حيث التقت به من اجل حوار للجريده، انتهي بزواج لم يُمهله الموت وقتًا، اذ اكتشف «امل» بعد الزواج بتسعه اشهر ان الورم الخبيث بدا يعبث في ارجاء جسده.

تصفه «عبله» بقولها: «صخري، شديد الصلابه، لا يخشي شيئًا ولا يعرف الخوف ابدًا.. لكن من السهل ايلام قلبه».

وتدلل «عبله» علي ما تقول‏:‏ «انتابتني حاله من الرقه في التعامل مع امل، لكنه نهرني عن تلك الرومانسيه مؤكدًا اننا امام موقف صعب‏. حدد الطبيب موعدًا لاجراء الجراحه ولم نكن نملك مليمًا واحدًا، اجريت العمليه وبعدها بخمسه اشهر اكتشف الطبيب ورمًا اخر، واخذ المرض ينتشر حتي كان حتميًا ان يذهب امل الي الغرفه ‏8 في معهد السرطان».

تعتقد «عبله» انها «اول بيت حقيقي لنا. فقد مكثنا فيه عامًا ونصف‏».‏

في معهد السرطان نضج «امل» شعريًا، عندما عبّر عن معاناته مع المرض، وتصوراته عن الحياه، ولحظات ما قبل الموت، في ديوانه «اوراق الغرفه 8»، بنمط مغاير عن كل ما كتب، وهو ما عبّر عنه الشاعر احمد عبد المعطي حجازي قائلاً: «انه صراع بين متكافئين.. الموت والشعر».

تاكد لـ«امل» من تجربته مع السرطان، ان الموت هو اليقين الوحيد.

تاجُ الحكيماتِ ابيضَ، ارديهُ الراهبات

لونُ الاسرّهِ، اربطهُ الشاشِ والقُطْن

كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ.

كلُّ هذا البياضِ يذكِّرني بالكَفَنْ

هو لونُ النجاه من الموتِ

ومتي القلبُ - في الخَفَقَانِ – اطْماَنْ؟

في 21 مايو 1983، حط طائر الموت بجناحيه في الغرفه رقم 8، بمعهد الاورام بالقاهره، ليعصف بورقه نضره في دوحه الشعر العربي ظلت تقاوم حتي اللحظات الاخيره.

عاني «امل» من القهر السياسي والتعتيم الاعلامي ورغم ذلك لم ينحني امام سياط القهر، ومحاوله اقصاءه عن الساحه وظل يقاوم حتي الرمق الاخير.

ندوه «ثوره الشعر.. تحيه الي امل دنقل» في «الاعلي للثقافه» الاحد\nعصير الكتب.. كثير من شعر «امل دنقل» لم ينشر.. و«نزار قباني» مُفتري عليه

«المكتبه» تحتفي بالذكري السبعين لميلاد امل دنقل بكتاب «اعشق اسكندريه»

استلهم في شعره رموز التراث العربي فضلًا عن الاساطير القديمه، ونتيجه للقمع السياسي الذي تعرض له، ظل الاصدقاء يتداولون قصائده سرًا، وعندما نشر قصيده «اغنيه الكعكه الحجريه» في مجله سنابل اغلقت المجله، وفُصِل رئيس تحريرها.

كتب «امل» قصيدته «الكعكه الحجريه» عام 1972، ممجدًا مظاهرات الطلبه في ميدان التحرير، للمطالبه بالحسم ضد اسرائيل، ومُدينًا تعرّض السلطه لها بالعنف، واعتقال المشاركين فيها وتعذيبهم.

ايها الواقِفونَ علي حافهِ المذبحهْ

سَقطَ الموتُ; وانفرطَ القلبُ كالمسبحَهْ.

(دفعتهُ كُعُوبُ البنادقِ في المركَبه!)

- اَدخلتْهُ يدُ اللهِ في التجرُبه!)

حتي تفجّر من جلدِه الدَّمُ والاجوبه!)

عِندما تهبطينَ علي سَاحهِ القَومِ, لا تَبْدئي بالسَّلامْ.

فهمُ الان يقتَسِمون صغارَك فوقَ صِحَافِ الطعام

بعد ان اشعَلوا النارَ في العشِّ..

بحثاً عن الكَنزِ في الحوصله!

وغداً تَغْتَدي مُدُنُ الالفِ عامْ.!

وقفوا في ميادينها الجهْمهِ الخَاويهْ

تعصفُ الريحُ بين وُريقاتِه الغضَّهِ الدانيه

يري بعض النقاد ان النكسة كان سببًا في تبلور تجربه امل الشعريه، ورد علي ذلك بقوله، ان «النكسه لم تفعل اكثر من انها اثبتت احساسه بانهيار المجتمع».

كان «امل» عنيدًا صلبًا متقلبًا، متعدد الصداقات‏، كانت صداقته بالشاعر نجيب سرور كما تقول «عبله» من الصداقات الصاخبه، اللا هادئه، المليئه بالشجار، اما صديقه الصدوق فكان الشاعر عبد الرحمن الابنودى، وكان يحيي الطاهر عبد الله واحدا من اقرب الاصدقاء الي قلبه ووجدانه رغم ما احتوته علاقتهما من اشتباك متواصل.

لكن عندما مات «يحيي»، قال «امل»: «يحيي خاص بي وحدي»، ثم بكي.

وعندما مات «امل»، وصفت «عبله» المشهد قائله: «كان وجهه هادئًا وهم يغلقون عينيه، وكان هدوئي مستحيلًا وانا افتح عيني، وحده السرطان كان يصرخ، ووحده الموت كان يبكي قسوته».

كان «امل» ثاقب الرؤيه. في سبتمبر 1970 كتب:

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل