الإسلام وأصول الحكم

< لقد لخص الاسلام طريقه الحكم المثلي للمسلمين في قوله تعالي: «وامرهم شوري بينهم» (الشوري 38) وهذه الايه علي ايجازها يمكن ان تكون الاساس لحكم شوري معتدل يعتمد اساسا علي حرية الرأي.

< ان الرسول «صلي الله عليه وسلم» لم يضع اطارا محددا لشكل الحكم في الدولة الإسلامية ولكن سنته الكريمه وسيرته العطره هما النبراس لكل حاكم عادل مستنير.

< فقد كان الرسول «صلي الله عليه وسلم» يشاور اصحابه في الامر علي الرغم من انه كان قائدا ملهما مؤيدا بالوحي والملائكه ولكنه كان يقدس حرمه النفس البشريه.

< ويعتبر ان الحكم الشوري القائم علي حريه الراي مظهرا لاحترام حريه الناس التي منحهم اياها الحق سبحانه وتعالي في قوله تعالي «ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها» (الشمس: 7- 10).

< وقد ادرك السلف الصالح هذه المسلمه الالهيه فسعوا الي تنظيم قاعده احكامهم علي اساس الشوري وحريه الراي.

< فقد اثر عن عمر بن الخطاب بعد ان بايعه المسلمون قوله «من راي في اعوجاجا فليقومه» فقام واحد من الناس وقال له «لو راينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا» فقال عمر «الحمد لله الذي جعل في هذه الامه من يقِّوم اعوجاج عمر بسيفه».

< وهذه الروايه المشهوره تقودنا بالتالي الي المدلول الحقيقي للبيعه التي تعتبر اساس الحكم في النظام الاسلامي فان البيعه لا تعني الولاء المطلق لشخص ولكنها تعني الولاء له في اطار المنهج القراني الذي يمكن تلخيصه في قوله تعالي «فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر» (أل عمران: 159).

< يعتقد كثير من الناس ان الجماعة الإسلامية التي مثلتها دول الخلافة المتعاقبه امويه او عباسيه او عثمانيه هي الطريقة المثلي للحكم الاسلامي.

< ولكن ابلغ رد علي هذا الاعتقاد الخاطئ هو قول الرسول «صلي الله عليه وسلم» في الحديث الصحيح (انها ستكون خلافه راشده من بعدي ثلاثين سنه ثم ياتي بعد ذلك ملك عضوض).

< فان الجامعه الإسلاميه الصحيحه لم تستمر سوي ثلاثين سنه بعد وفاه الرسول «صلي الله عليه وسلم» ثم غلبت النواميس الطبيعيه بعد ذلك علي طبيعه الحكم في بلاد الاسلام حتي صارت البيعه في حقيقتها اقرارا بالولاء لحاكم ظالم بعيد عن شرع الله.

< ادرك قاده المدرسة الإسلامية الاحيائيه هذه الحقائق المصيريه ومن ثم سعوا الي تنظيم الحكم في بلاد الاسلام علي اساس من المشاركه الشعبيه.

< وقد ادرك قاده النهضه الاسلاميه ان الديمقراطيه هي افضل وسيله اجرائيه لممارسه الحريه المنشوده.

< وقد كان جمال الدين الأفغاني وهو ابرز قاده هذا التوجه الاصلاحي الذي دعا الي اقامه حكومات نيابيه في كل دول الاسلام لانه ادرك ان الديمقراطيه القائمه علي اساس ليبرالي هي صمام الامان ضد استبداد الداخل واطماع الخارج الذي اخذ صورا مختلفه منذ حمله بونابرت علي مصر عام 1798 حتي حمله حلف الاطلسي الحاليه علي ليبيا التي كانت النتيجه المباشره لغياب الديمقراطيه وحكم الشوري السليم.

< لقد كان سعد زغلول زعيم الوفد ابرز تلامذه جمال الدين الافغاني وقد ادرك سعد زغلول ان الليبراليه هي انسب الاشكال المعاصره للحكم الشوري الاسلامي.