المحتوى الرئيسى

أمريكا وسوريا و سياسة السباحة مع الشيطان

05/13 18:14

" يضيف تدمير قوات النظام السوري لجسر مدينه دير الزور المعلّق، وهو جسر تاريخي يعود للعشرينيات من القرن الفائت تمّ بناؤه علي نهر الفرات في فتره الانتداب الفرنسي لسوريا ويصنّف ثاني جسر في العالم مشيّد علي هذا الطراز المعماري بعد جسر جيكلار في جنوب فرنسا، يضيف هذا الحدث مشهداً جديداً لسياسه الهدم الممنهج الذي يتّبعه النظام السوري، والذي شمل جسر دير الزور بعد ان استهدف بالاعتداء والتخريب بيوت الله والبني التحتيه والمنشات الحيويه لعامه المدن المنتفضه، وانقض موازاه لهذه الاستباحات علي البنيان البشري السوري فقتل وذبح واعتقل وعذب عشرات الالاف، واحال الملايين الي دياسبورا في دول الجوار والعالم".

بهذه الفقره تستهل الكاتبه ـ مرح البقاعي ـ تقريرًا تحليليًا ـ علي الموقع الالكتروني للجزيره نت وتستطرد الكاتبه: اما اليوم، واثر تجاوز قوات الاسد الخط الأحمر الذي رسمه حاكم البيت الابيض باراك أوباما، ولجوء سوريا الي استخدام السلاح الكيمياوي ضد المدنيين السوريين، نجد من الضروري ان نتساءل بتهكم: ما هي حدود مرونه الخط الاحمر الامريكي؟!

(حدود المرونه الامريكية): فالرئيس اوباما، الذي حاز علي جائزه نوبل للسلام والذي ينسحب باستعجال من ساحات حروب خاضها سلفه الجمهوري جورج دبليو بوش، امسي اسير لقب السلام ذاك الي درجه تجعله يتعامي عن المحرقه السوريّه التي يُضرم نارها كل يوم، وفي غير بلده سوريّه، جيش بشار الأسد ومليشياته المدرّبه علي التعذيب والاعتداء الجنسي وقنص المدنيين واقتلاع الحناجر وحرق الجثث او التمثيل بها، ولن تكون مجزره البيضا في ريف بانياس اخر هذه المجازر في حمله العنف والاستشرأس الأسدي مقابل انكماش القرار الدولي.!!

وتمضي الكاتبه: وهكذا تقف الدوله العظمي، التي حملت مبادئ الدفاع عن حقوق الإنسان في ضميرها الشعبي والدستوري، باراده اصحاب القرار فيها عاجزه عن حمايه حقوق الانسان السوري الذي يتعرّض لكارثه انسانيه هي الابشع في التاريخ المعاصر منذ احداث الحرب العالميه الثانيه ومجازرها التي ارتكبها ادولف هتلر.

فالاداره الامريكيه التي تختبئ وراء اصبعها وهي تراقب المشهد الدمويّ المنفلت في سوريا، امنياً وعسكرياً وانسانياً، ما فتئت تفتّش عن الذريعه تلو الاخري من اجل "الناي بالنفس" عن امكانيه التدخّل بهدف حمايه المدنيين الذين يواجهون عمليات تطهير عرقي من قبل نظام مدجّج بالاسلحه القتاليه الحربيه، ومدعوماً -لوجستياً وبشرياً- بالقوّتين الروسيه والايرانيه، مغتنماً حاله غض البصر التي يعتمدها المجتمع الدولي وتقاعسه المقيت عن اتخاذ اجراء حاسم لانقاذ من تبقّي حيّاً من الدياسبورا السوريّه.

ومن المطبّات الاعلاميه التي وقعت فيها الاداره الامريكيه مؤخّراً هي تلك العباره الملتبسه التي اطلقها البيت الابيض في بيانه الصحافي اثر تسرّب اخبار استعمال النظام السوري للسلاح الكيمياوي في غير موقع ضد مقاتلي المعارضه، ثم نشرت جريده نيويورك تايمز تحقيقاً مدعّماً بتسجيل مصوّر عن المصابين بالكيمياوي، تلك العباره الملتبسه مفادها ان السلاح الكيمياوي استعمل "علي نطاق محدود"!

وتتساءل: "فما هو التفسير العلمي والعسكري لاستعمال محدود لسلاح كيماوي يصنف تحت عنوان اسلحه الدمار الشامل؟ وهل تجاوزُ الخط الاحمر الاميركي يتعلّق بالكم ام بالكيف في هذه الحاله؟ ولماذا يبحث اوباما عن الذرائع لعدم التدخّل لضبط مواقع الاسلحه الكيمياويه في سوريا، والتي اكّدت مخابراته وجودها واستعمالها في المعارك الدائره، بينما سلفه بوش "اخترع" وجودها للتدخّل في العراق رغم معرفته بعدم وجود اسلحه الدمار هناك؟!

وفي مؤتمر صحافي لاوباما بعد عده ايام من اطلاق بيان البيت الابيض ذاك قال: "الاسلحه الكيمياويه استعملت فعلاً في سوريا، لكننا لسنا متاكدين اين ومتي ومن الجهه التي استعملتها"! ها هو يردّنا الي المربع الاول من جديد، ويتجاهل ضغط الصقور الجمهوريين من خصومه السياسيين العتاه، من امثال عضويّ مجلس الشيوخ جون ماكين وليندسيجغراهام، اللذين يحضّان اوباما علي الالتزام بسياسه "الخط الاحمر" والتدخّل من اجل تحييد مواقع الاسلحه الكيمياويه في سوريا ومنع انتقالها الي ايدي الجماعات المتشدّده.

وذكرت جريده واشنطن بوست ان اوباما "تراجع عن خطّه الاحمر"، واضافت حتي بعد اعلان وزير الدفاع تشاك هيغل ان واشنطن تعتقد بدرجات متفاوته من الثقه ان تلك الاسلحه استخدمت فعلاً، خرج الرئيس اوباما ليعلن انه لم يكن "يراوغ"!

ثم تقول الكاتبه تحت فقره بعنوان (السباحه مع الشيطان):" ومن السهل لقارئ الاداء السياسي الامريكي في مجريات الازمه السوريه بعد مرور عامين دمويين ونيف علي اندلاع الثوره الماجده التي بدات بمسيرات سلميه في درعا، وباعتصامات اغصان الزيتون في حمص وحماه، وبمظاهرات لحمله زهر القرنفل من شباب داريا، من السهل له ان يحدد الاستراتيجيه السياسيه لاوباما الذي ساهم برسم خريطه الطريق لها في مؤتمر جنيف المنعقد في 30/6/2012 بحضور الدول الخمس الدائمه العضويه في مجلس الامن.

وقد اكّد المؤتمر في وثيقته الختاميّه علي ضروره ايجاد حل سلمي تفاوضي في سوريا، دون ان يستثني بشار الاسد او افراد نظامه من المقرّبين من المشاركه في العمليه التفاوضيه الانتقاليه، وهما الشرطان اللذان اكّدت عليهما روسيا التي كانت ترفض التوقيع علي الوثيقه اذا لم يدخلا ضمن بنودها، هذا الي جانب الضغط الذي مارسته من اجل درء محاولات بعض الدول الغربية ادراج بند عقابي للنظام السوري في الوثيقه ينصّ علي اللجوء الي الفصل السابع لميثاق الامم المتحده.

الا ان روسيا وقعت علي يد راس دبلوماسيتها بـ"غلطه الشاطر" مما ادي الي ان يسارع النظام السوري لرفض الوثيقه "لدسّها السم في العسل" حسب رؤيته بعد ان كانت قد رفضتها المعارضه السوريه، لاسباب مختلفه عن اسباب رفض النظام لها، وتتعلّق بخلوّها من شرط تنحّي الاسد وزمرته الحاكمه الضليعه في عمليات القتل والتعذيب والتشريد للسوريين.

وتضيف الكاتبه : "وغلطه الشاطر" لافروف ـ حسب تعبيرها ـ تكمن في قبوله للغه البند الذي ينصّ علي تشكيل هيئه حكم انتقاليه، طرفاها المعارضه والنظام، وتتمتّع بصلاحيات تنفيذيه كامله حال الموافقه عليها من كلا الطرفين. اما موافقه الطرفين فتعني في هذه الحال حق النقض للطرفين ايضاً! ومع انتفاء اي احتمال بان توافق المعارضه علي مشاركه الاسد وازلامه ومرتزقته في حكومه الوحده الوطنيه الانتقاليه المرتقبه، نصل الي خروج مؤكّد للاسد ودائرته من المرحله الانتقاليه برمّتها والتدرّج بسلاسه سياسيه نحو مرحله ما بعد الاسد لتشكيل حكومه وحده وطنيه خارج دائره الطاغيه.

ويقارب نهج وثيقة جنيف ـ الي حد بعيد ـ الذهنيه السياسيه للرئيس اوباما الذي يبني سياساته الخارجية، ولا سيما تلك المتعلّقه بالشرق الاوسط، علي التاني في اتخاذ القرارات والابتعاد ما امكن عن التقدّم في خطوات استباقيه تصادميه قبل استنفاد كل الوسائل الرادعه السياسيه والدبلوماسيه والاقتصاديه.

ولان اوباما يدرك تماماً ان القبضه والقدره العسكريه للنظام في تراجع مطرد، علي المستويين البشري واللوجستي، نتيجه لانشقاقات بين صفوف الضباط والجنود تعدّ بعشرات الالاف، وكذا لخسارته العديد من اسلحته القتاليه من طائرات مقاتلة ومن دبابات وصواريخ، وحاجته الماسّه الي قطع الغيار والصيانه لما نجا من عتاده نتيجه الحرب اليوميه المتواصله التي يشنها علي عشرات الجبهات في المدن والبلدات السوريه دونما هواده.

وتقول الكاتبه:ان الرئيس اوباما- يري ان وثيقه جنيف تحمل نقله سياسيه للشعب السوري من حكم العائله الواحده الي دوله القانون والتعدّديه من جهه، ومن جهه اخري تساهم ما امكن في الحفاظ علي مؤسسات الدوله من الانهيار الكامل مما يشرّع ابواب تلك المؤسسات للسيطره عليها من قبل الجماعات القتاليه "المتشدّده" التي تملك السلاح والتصميم والعقيده لاعلان دمشق عاصمه الخلافه الاسلاميه.

(العداله الثورىه):ومن اللافت ان الراي العام الامريكي لم يظهر حماساً يذكر لاي شكل من اشكال التدخّل المباشر في الشان السوري، وبدا مؤيّداً لسياسه رئيسه في انتهاج الدبلوماسيه والضغط المتواصل علي النظام والمطالبه الشفويه لبشار الاسد بالتنحي او بتوجيه الوعيد ورفع عصا العقوبات من اجل حضّه علي وقف اعتدائه علي الشعب المكلوم.

كما ان وسائل الاعلام الامريكيه لم تغطِّ الاحداث في سوريا بالزخم المفروض ان تواكب به الانتهاك الاستثنائي لحياه وامن المدنيين الذي يمارسه جيش النظام ومليشياته بحديّ الحديد والنار، و"بالبلطات" حين يحتاج الامر لمزيد من الترهيب.

وتواصل الكاتبه : وبالطبع هناك اسباب لهذا الموقف الشعبي والاعلامي الامريكي المتواضع من الماساه السوريّه، اهمها ان المعارضه السوريّه التي من المفترض ان تكون الناقل الاعلامي لصوت الثوار وهمزه الوصل بينهم وبين العالم، تحركت علي نطاق ضيق وفردي لا يتعدّي بعض الشخصيات التي تتمتّع بمصداقيه وخبره دوليه ممن قدّمت رساله الثوره بشكل موضوعي براغماتي وانساني بعيداً عن التهويل والصراخ والندب الاجوف الذي لا يفهم لغته الغرب، وكذا فشل المعارضه في تشكيل قوه ضاغطه (لوبي) في عواصم القرار العالميه من اجل محاكاه المؤسسات الحكوميه من جهه، والراي العام الشعبي من جهه اخري، وحشد الدعمين الرسمي والعام لاتخاذ قرارات حاسمه بمساعده الشعب السوري علي اسقاط النظام.

وهناك عامل اخر يتعلّق بالراي العام الامريكي علي وجه الخصوص الذي يركن الي رئيس اخرجه من اتون حرب ضروس في العراق شكّلت احدي العقد التاريخيه في ضميره الجمعي بعد عقده فيتنام. هذا اضافه الي الوضع الاقتصادي المتارجح، مما جعل رجل الشارع يؤيد سياسات حكومته في الابتعاد عن المغامرات العسكريه المكلفه والالتفات الي تسريع دوره الاقتصاد في الداخل، وتحويل دفّه العلاقات مع الخارج باتجاه الشرق الأدنى حيث الصعود الصيني المنافس علي المستويات العلميه والاقتصاديه والسياسيه كافه وكذا التغوّل الكوري الشمالي العسكري وتهديداته للامن القومي الامريكي، وذلك بعد ان كان الشرق الاوسط في عمق الاستراتيجيه السياسيه للبيت الابيض ومن ورائه الخارجيه الامريكيه.

وتشير الكاتبه في تقريرها الي انه في الاول من مايو الجاري وصلت اول شحنة امداد امريكي مباشر وغير قتالي للجيش السوري الحرّ حملت مواد طبيه وسلالا غذائيه وملابس واقيه، وستصل شحنات مماثله تباعاً لتساعد مقاتلي المعارضه علي تضميد جراحهم وحمايه صدورهم من شظايا السكود والبراميل المتفجّره التي يمطرهم بها النظام منذ عامين وصولاً الي العام 2014 حيث انتهاء الفتره الرئاسيه لبشار الاسد!

وتختتم بالقول: فصل المقال يكمن في حتميّه العداله الانسانيه التي ستلاحق الاسد سواء امتثل لوثيقه جنيف او تنحّي طوعاً او هرب من باب قصره الخلفي، لن تسقط عنه تهم ممارسه ارهاب الدوله والقتل العمد للمدنيين وتعريض الامن والاستقرار العالميين للخطر ما دام حيّاً، وسيُقَدّم وشركاؤه في الجريمه الي محاكم وطنيه عادله بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مقدّمتها الاباده الجماعيه.

لكن شحنه امداد اوباما للجيش الحرّ كان بامكانها ان توفّر الغزير من الدم السوري وان تسرّع من تقديم الاسد الي مذبح العداله لو انها استُبدلت بسلاح نوعي لمقاتلي المعارضه المرابطين منذ اشهر علي أبواب دمشق لا يعوقهم من دخولها سوي شحّ السلاح. وحينها فقط يكون المخرج الاوحد لبشار الاسد من قبضه العداله الثوريه طلقه واحده في الراس.!!"

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل