المحتوى الرئيسى

العلمانية والاستبداد

05/05 11:46

تكاثرت علي مجتمعاتنا الامراض ومن بينها امراض الاستبداد.. واخطرها الاستبداد باسم الدين، وان يخرج علينا من يرتدون الجلباب ويطلقون اللحي، ويحددون ما هو صالح وما ليس بصالح، ما هو صواب وما هو خطا..

ويحكمون علي ايمان المرء من مظهره ويتحول الدين فجاه بكل ما يحتويه من مضامين ومعانٍ من قيم واخلاق، من معاملات وسلوكيات من اتساع وبراح.. الي مجرد "شكل".. منظر ليس الا.. يتم النظر الي الرجل او المراه في بلادنا بناءً علي هذا الشكل، وكلما كان الشكل اقرب لما يريدون زادت درجتك علي "مقاييس الايمان"، وكلما زاد تمسكك بهذه المعايير ارتفعت هامتك ومكانتك وسط المجتمع، ويتم تقديرك وتقديمك علي من هم افضل واعلم منك، فلا عجب ولا ضير فانت اكثرهم "ايمانا".

فمنْ يطلق لحيته اعلي درجه ممن لا يطلقها، ومنْ تتنقب اعلي درجه ممن تتحجّب، وللجلباب درجه اكبر من زي الكرافتّ والجينز، ويا ويل من يبتعد عن هذه "المعايير الايمانيه"، ويا ويل الفتاه المسلمه غير المحجبه؛ فهذا وحده كفيل بان ترسب في اختبارات القدرات الايمانيه، وان يحل للاخرين ان يخوضوا في شرفها وايمانها وعلاقتها بخالقها، ويجعلها من البدايه زوجه غير صالحه؛ لانها غير "ملتزمه".

ولكن هذه المنتقبه ترتقي الي درجات العلا علي سلم "الايمان" ويهتز لها مقياس ريختر الايماني، فهذا الملبس وحده كفيل بتصنيف فتاه علي انها "مؤمنه.. ملتزمه" بعيدا عن اخلاقها او التزامها، وعلي النقيض فان غير المحجبه هي ومن اول نظره "فاسقه.. مستهتره"!!

فكثير ممن يطلق لحيته يطلقها لاجل حظوه اجتماعيه ووقار، فشل في ان يحصل عليه بالعمل والعلم والاخلاق، فسعي للحصول عليه بالشكل وتحت رايه الدين، وكثيرات ممن يرتدين النقاب او الحجاب يرتدينه مراعاه لمتطلبات العاده ومشيا وراء القطيع، ولكن اهذا او ذاك كفيل بان يكون حكما علي تديننا وايماننا؟؟ اهناك بالاساس من له الحق ان يحكم علي ايماننا؟ ومن هو ذلك الحكم والمقيم؟ هل وضع الاسلام حكما علي الناس يقيم اداءهم في مضمار الدين يضع هذا في موقع الصالح وتلك في موقع الطالح، ولكن الاسلام الذي اعرف لا علاقه وسيطه فيه بين العبد وربه، ولا وجود فيه لكهنوت او مناصب لمقيمي دين وايمان الإفراد، بل ان القاعده الاولي التي ارساها الاسلام ان الله والله فقط.. لا ينظر الي اشكالكم وصوركم.

ولكن في مجتمعنا الان يتعين علي الفتاه كي تحظي بصوره جيده ان ترتدي النقاب او تلتزم بالحجاب.. وانا لا اتحدث عن الحكم الشرعي او وجوبه.. ولكن نظره المجتمع وتصنيفه لمن يرتديه ومن لا يفعل، فاصبح الاجبار ليس نتيجه للحكم الشرعي في ارتدائه من عدمه، بقدر ما اصبح تماشيا مع السياق العام لمجتمعنا، ولا يهتم كثيرون بالاخلاق والقيم للشاب؛ ولكنهم يحكمون علي الفرد من صورته ولحيته وملابسه، فاصبحنا مساء صباحا ننافق المجتمع علي حساب الدين؛ لان الدين في مجتمعنا تحول في نظر البعض لمجموعه من القشور والشكليات لا تعطي جوهر الدين او قيمه واسسه واساسياته اي قيمه؛ فالشكل اصبح اهم من المضمون ومن الجوهر.

لقد اضحي مجتمعنا ككل وكثير من "الفقهاء" و"العلماء" يستبدون باسم الدين، ويحددون لنا ما نفعل وما لا نفعل، ويكفّرون ويحكمون علي هذه وعلي هذا، وكاننا نخلق كهنوتا في دين انزل دون كهنوت، وكاننا نستعيد الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطي، ونستعد لمحاكم التفتيش قريبا في بلاد دخلها الاسلام ليلغي اي وسيط مستبد يتخذ من الدين وسيله للتحكم في البشر، ففي الاسلام كل شخص سيحاسب فقط عن نفسه، له ان ينصح الاخرين نعم ولكنه لن يحاسَب، يعاقَب، او يجازَي علي ايمانهم من عدمه.

ان العلمانيه ما هي الا هي حركه اجتماعيه دينيه قامت في اوروبا في العصور الوسطي رغبه في الثوره علي الكنيسه الكاثوليكيه، والتي اتت من الامور ما يدعو الي الجهل ويميت العلم، وتحولت الثوره من مجرد الثوره علي الكنيسه الي ثوره علي "الدين"، باعتبار ان هذا الدين -الذي كانت تمتلكه الكنيسه وتستعبد الافراد باسمه- هو سبب التخلف في العصور الوسطي.

وهنا يجب علينا التفريق بين الدين ومن يفسر هذا الدين -ان وجد- فالدين المسيحي ليس شرطا انه يدعو لصكوك الغفران او ما شابهها من افاعيل قامت بها الكنيسه الكاثوليكيه في عصور الظلام في اوروبا، فالعلمانيه مفهوم تشكل في اطار سياق من الاستبداد بالدين جعل المجتمع يلفظ الدين؛ لان الدين مثل بالنسبه لهذه المجتمعات خبره سيئه ترتبط بفترات الجهل والكبت والتخلف.

وهذا ما كان سائدا في اوروبا في ذلك الوقت، فالكنيسه فسرت الدين لخدمه اغراضها ومصالحها، وهذا الامر ليس في الاسلام فلا وجود لسلطه تفسير واحتكار للدين في الاسلام؛ ولكننا نجد الان ان البعض يحاول جاهدا ان يحتكر ويستبد بتفسيرات معينه خاصه به للاسلام واحكامه ويحاول الزام الجميع بها ويعتبرها هي فقط الصواب وما عداها خطا.

والان عدد من حركات واحزاب "الاسلام السياسي" تحاول فعل هذا، فهي تريد تفسير الدين لنفسها لمصالحها، فالاخوان المسلمون يعتقدون ان المراه مكانها هو المنزل ويشددون علي منع الاختلاط، فالبيت هو المقر الدائم لها والخروج للضروره القصوي، كل هذه الرؤي عن المراه تصطدم بصخره المراه وصندوق الانتخابات، فهم يفسرون ويتحدثون عن ان مشاركه المراه في الانتخابات -حتي وان شابها اختلاط- ضروره!

اوَليست تلك المراه هي نفسها التي يجب ان تذهب لصندوق الانتخابات هي سبب كل الشرور والمفاسد؟ اذن فتم احتكار التفسير من اجل اغراض معينه، فللمراه وظيفه يجب السماح لها بالذهاب و"الخروج؟" لتاديتها وغير هذا فـ"خروجها" فساد وسبب للشرور؟!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل