المحتوى الرئيسى

إبراهيم عيسى يكتب: أمشى وراءه

05/05 10:02

عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، منع المسيحيين من رفع صلبانهم علي الكنائس، وحرمهم من دق الاجراس في صلواتهم!

نعم صحيح، اذا قررت ان تاخذ هذا الكلام من افواه وُعّاظ التطرف ودعاه بَثّ الكراهيه، لكن لو قررت ان تقرا كتب التاريخ وتعرف بنفسك اسلامك وزعاماتك الدينيه فسوف تجد حقيقه اخري، بل بمعني ادق ستجد الحقيقه التي لا اخري لها!

لن نتحدث عن عدل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل سنصبّ صبًّا في نقطه مفصليه في عدله، هي تعامله مع أهل الذمة، ودعني اقُلْ لك انني اتعامل مع هذا التعبير «اهل الذمه» باعتباره تعبيرا تاريخيا، بمعني انه انتهي عمليا في البلاد التي حكمها المسلمون بمجرد ان شارك المسيحيون واليهود في جيوش الدفاع عن بلاد المسلمين (صارت بلادَهم معًا اذن من هذه اللحظه)، وبسقوط الجزيه التي نعلم جميعًا (الا الذي يريد ان يتعامي عن الحقيقه) انها كانت مفروضه مقابل الحمايه العسكريه واعفاء غير المسلمين من التجنيد، وحين سقط هذا الاعفاء سقطت الجزيه ومعها مفهوم اهل الذمه، لكن يبقي التعامل الذي يفرضه الحكم الإسلامي في حينه مع غير المسلمين، وهل تشوبه علامات فوقيه وعنصريه وتمييز ديني ام ان الاسلام في جوهره لا يقبل اصلا التمييز الديني، ولا يمكن لمسلم عاقل راشد قارئ لتاريخ امته وَفِقْه دينه ان يتصور للحظه ان الاسلام يميِّز بين مواطني دولته حَسَب الدين.

تعالَ الي عمر بن الخطاب نفسه، وهو نموذج العدل الساطع في تاريخنا الاسلامي، بل لعله الحاكم المسلم الوحيد من بعد النبي، صلي الله عليه واله وسلم، الذي يتحدث المسلمون علي مدي اكثر من الف واربعمئه سنه عن عدله، فلا احد اخر اطلاقا -وهذا للغرابه وللتامل- صار مضرب المثل في العدل مع استثناء وحيد نادر ظهر كالوميض في التاريخ هو عمر بن عبد العزيز. السؤال هنا: هل الفاروق عمر مارس تمييزًا دينيًّا يستند اليه الغلاه والمتطرفون في دعوتهم الي التعامل مع المسيحي باعتباره اهل ذمه؟

لا شك ان منع بناء اماكن عباده جديده وبيع الخمر واظهار الصليب ودق الناقوس والتعميد هو تدخل ديني، لكن لنتامل بجديه الكلمات التي كانت في المعاهدات العُمَريه (ساعتمد هنا علي «موسوعه الفاروق» لشمس العلماء شبلي النعماني طبعه المجلس الاعلي للثقافه). بالنسبه الي الصليب مثلا كان فيها هذا الشرط «ولا يعرفون في نادي اهل الاسلام صليبًا»، فالمفهوم عدم تعليق صلبان في اماكن المسلمين لا المنع المطلق لصلبان كنائس المسيحيين او بيوتهم، وورد هذا في ما يتعلق بالناقوس (الجرس): «يضربون نواقيسهم في اي ساعه شاؤوا من ليل او نهار الا في اوقات الصلاه»، اي ان الاباحه كامله الا ساعه الاذان فقط، وجاء بالنسبه الي الخنزير «ولا يخرجون خنزيرا من منازلهم الي افنيه المسلمين»، اي ان تربيه الخنازير في البيوت او في مزارع خاصه امر مشروع في دوله المسلمين للمسيحيين، والممنوع هو وجود الخنزير في افنيه المسلمين فقط. اذن منع رفع الصليب ودق الناقوس لم يكُن منعًا عامًّا، بل كان هذا المنع في حالات خاصه، والامر الجدير بالملاحظه هو ما قيل عن امر عمر بن الخطاب بعدم تعميد اولاد بني تغلب ليصبحوا نَصارَي، لكن الطبري اورد واقعه بني تغلب فذكر هذه الكلمات ضمن شروط الصلح: «علي ان لا يُنصِّروا وليدًا ممن اسلم اباؤهم»، وذكر هذه الكلمات في موضع اخر: «ان لا يُنصِّروا اولادهم اذا اسلم اباؤهم». نحن نتحدث عن منع تعميد ابناء مسيحيين اسلم اباؤهم لا عن منع التعميد علي اطلاقه.

ويستند كثيرون الي معاهده بيت المقدس التي كُتبت كلماتها في حضور عمر، رضي الله عنه، دليلا علي احترام الاسلام لغير المسلمين، وقيل فيها مثلا: «هذا ما اعطي عبد الله عمرُ اميرُ المؤمنين اهلَ ايلياء من الامان، اعطاهم امانا لانفسهم واموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر مِلّتها انه لا تُسكَن كنائسهم ولا تُهدَم ولا يُنتقَص منها ولا من حَيِّزها ولا من صلبانهم ولا من شيء من اموالهم ولا يُكرَهون علي دينهم ولا يضارّ احد منهم»، وهذا كلام مهمّ ودقيق ومثاليّ، لكننا يجب ان نلتفت الي نقطه مهمه هنا، هي ان هذه معاهده بين فاتح او غازي ارض واهل البلد، واذا كانت هذه معامله مع شعب فتح غرباء بلده وحكموه، فماذا تتوقع من معامله مع شعب تَوحَّد وصار محتلُّه محرِّرَه، وطارئُه اصيلَه، ورعيتُه مواطنين، ومسلموه ومسيحيوه مجندين في جيش واحد؟

يكفي -ان كان لك في عمر بن الخطاب مثل ونموذج وقدوه- انه عاش ما عاش من عمره وحُكمه ولديه غلام مسيحي، حاوَل ان يحببه ويرغّبه في قبول الاسلام ويدخل في دين اميره، لكن الغلام ابَي ورفض تماما وظل متمسكا بالمسيحية، فكان عمر حتي مات ينصرف عن حوار غلامه وهو يقول: «لا اكراهَ في الدِّين».

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل