المحتوى الرئيسى

على الطريقة المصرية

05/02 11:56

"يا راجل دا احنا واكلين مع بعض عيش وملح".. جمله يرددها المصريون لاثبات قوه العلاقه الانسانيه التي تربطهم.. ان تجلسا لتتناولا الطعام علي مائده واحده من طبق واحد، هو دليل الامان والرفقه.. لذلك تجد احد اسباب تشديد العقوبه في القانون الجنائي، ان يكون القتل بالسم واقع من قبل الخدم.. لان من يقدم لنا الطعام يقدم لنا الحياه، واحيانا الموت.

في ظل الخلافات بين المسلمين واليهود في المدينه، او بينهم وبين نصاري الشام علي تخوم الغساسنه، نزلت الايات لتؤكد علي اكبر مظاهر الترابط االجتماعي واحداث الموده :

(وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم . وطعامكم حل لهم).

وقال النويري في نهايه الارب، ان اخر ما تكلم به الرسول مقالته: "احفظوني في ذمتي."

ليكون النزاع امر استثنائي طارئ،  بينما الموده والمشاركه الاجتماعيه وتناول الطعام، عبر اكثر من دين، هو العمر.

لم يرد الاسلام فصلا عنصريا في المجتمعات المسلمه بين المسلمين والكتابيين.. بل جعل الكل يجتمع علي مائده طعام واحده.. ويالها من لفته.

يروي يحيي بن سعد الانطاكي في تاريخه، ان أهل الكتاب في مصر، كانوا يحتفلون باعيادهم التي شاركهم المسلمون فيها، فقد اقبل المصريون علي الاحتفال بعيد الغطاس علي اختلاف الملل والمذاهب.  يدعم ذلك ما ذكره المقريزي في الخطط جـ 1، انه عام 330 هـ شارك الخليفه الاخشيدي، محمد بن طغج، في الاحتفال بعيد الغطاس الذي كان احتفالا رائعا علي صفحه النهر، وعلي شاطئيه شارك المصريون جميعا بغض النظر عن ديانتهم.

يقول ابن الحاج في كتابه ''المدخل الي الشرع الحنيف''، انه كان لأهل الذمة اثرا واضحا في عادات المجتمع المصري.

حيث ان بعض نساء المسلمين اعتدن عدم شراء السمك او اكله يوم السبت احتراما لليهود.. كذلك عدم دخول الحمام او شراء الصابون في ذلك اليوم تاثرا ببعض العادات اليهوديه المتعلقه بحرمه يوم السبت. كما ظهر تاثرهن بالعادات المسيحيه في عدم الاشتغال بشيء ليله الاحد.

ويكمل ابن الحاج، انه في اعياد ومواسم اهل الذمه جرت عاده الناس علي ان يصنعوا اطعمه بعينها، يتهادون فيما بينهم، كما كانت بعض المدارس تغلق ابوابها في تلك المواسم وتعطل فهيا الدروس.

كذلك شارك المسلمون في بعض الاحتفالات ذات الشكل الديني لدي اهل الذمه، مثل عيد الميلاد، الذي كان المصريون يصنعون فيه نوعا من العصيده ويزعمون ان من ياكلها يتقي البرد طوال العام.

وارتبطت بعض الاطعمه والحلوي بعيد النيروز حتي اصبحت من ضروريات ذلك اليوم.. ومن هذه الاطعمه الزلابيه والهريسه، وكان الناس يتهادون بها، كما جرت العاده باكل بعض الفاكهه مثل البطيخ والخوخ.

وفي خميس العهد او "خميس العدس" كما درج الناس علي تسميته انذاك من باب الدعابه،  كان النصاري يهدون الي المسلمين انواع العدس المصفي والسمك المقلي والبيض الملون.. وكان من عاده بعض النسوه الخروج في ذلك اليوم الي الاسواق لشراء الخواتم والبخور الذي يزعمون انه يصرف العين والكسل.

وفي عيد الغطاس كان بعض المسلمين يشاركون المسيحين عاده غمس اولادهم في الماء، رغم شده البروده، بسبب ما اعتقدوه من ان ذلك يقيهم المرض في حياتهم.

ولكن احتفالات ذلك العيد تواضعت بسبب الازمات الاقتصاديه التي رزحت البلاد تحت عبثها في منتصف القرن الثامن الهجري.

وجاء في بدائع الزهور جـ1 لإبن إياس، انه اذا تاخر فيضان النيل او انخفضت مياه النهر، كان كل المصريين من اليهود والمسلمين والمسيحين يخرجون يحملون كتابهم المقدس لصلاه الاستسقاء في الصحراء يبتهلون الي الله ان يجري مياه النهر.

(اهل الذمه في مصر من الفتح الإسلامي حتي نهايه المماليك – قاسم عبده قاسم – دراسه وثائقيه.)

المصريون لديهم بوصله حساسه تجاه الاديان، ولديهم مقدره علي الانتقال السلس عبر اكثر من دين دون صراعات كبري.. وتلك الديناميكيه جعلت لهم فهما عميقا لطبيعه الدين.. الدين عمل الاهي، بينما تطبيقه وفهمه وانزاله علي الحياه امر انساني محض. وصياغه المصريين للدين كانت دوما مؤثره.

بنو اسرائيل جعلوا اليهوديه نارا فقط ولم يكن فيها جنه.. وامن المصريون باليهوديه فاضافوا لها جنه.. وعندما تحولوا الي المسيحيه وتعرضوا للظلم من قبل البيزنطيين انشاوا فكره الدير.. وهي فكره لم تكن موجوده من قبل في الشريعه المسيحيه.. معابد في الصحراء يحتمي بها رجال الدين بعيدا عن بطش السلطان.. يحفرون بئر ماء ويزرعون الارض ويفرغون للطبيعه.

وعندما انتقلنا الي الاسلام، انتقالا متدرجا عاصر اربعه قرون ، صار للقران نكهه خاصه عندما تلته حناجرهم التي غنت الالحان الي جوار ضفاف النهر.. وكانت احدي اهم القراءات هي قراءه ورش عن نافع "المصري" . حتي اشتهرت مقوله، نزل القران في مكه، وقراه المصريون.

افكار اخري انتقلت من الثقافه الي الدين، مثل السبوع والخميس والاربعين ومقامات الاولياء.

لازالت الدهشه تنتابني كلما تاملت قائمه سور القرآن لاجد سوره اسمها "الروم" وهي حضارة غربية مسيحيه في المقام الاول، بينما لا توجد سوره اسمها "العرب" او "المسلمون".

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل