المحتوى الرئيسى

الوعي الناقص

04/28 12:00

هو اعظم افات اوطاننا قاطبه، طالما امرض جسدها فاقعده عن الفعل الواعي المريد، ليكون مصيرنا كيفما اتفق، ومسبباته طفيليات، افكارهم واحاديثهم افعوانيه، يلتهم بعضها بعضا، ليغورالمعنى وتهترا الكلمات، فلا تفيد شيئا.

وهذه الافه، الوعي الناقص، امرضت المجتمع جميعا، فلم تستثن فئه او جماعه او طبقه، فمثقفون (طفيليات)، عقولهم في احسن الاحوال هي من تلك النوعيه "المملوءه جدا"، في مقابل "العقول المصنوعه جيدا"(1)، التي كانت دومنا لاعدائنا فطوعوها لتطويعنا وتسيدوا؛ فلا رؤيه كليه تُستوعب بها الظرفيه التاريخيه،  وتطرح علي الحاضر اسئله المستقبل. ما اشبههم بطفل لا يدرك المرحله التي تلفه الا بعد تجاوزها، لينحصر فعله في دائره رد الفعل الساذج، ويبقي مصيرنا رهنا بين اصبعي اعدائنا او الفوضى الخلاقة، ان شاء لها ان تخلق.

تناسوا سلطتهم الاخلاقيه لمصلحه ـ ما اسماه المفكر جوليان بندا ـ "تنظيم العواطف الجماعيه"، العواطف الطائفيه، والايديولوجيه (الموهومه)، ليصبح الواحد منهم ـ بوصف الروائي الفرنسي بول نيزان ـ كلب حراسه، لا اكثر. اوغلوا في استعمال الحيل لاقناعنا بخصب افكارهم ، فلم تُخف حيلهم عقمهم البادي لكل احد، رغم ذلك مازالت وجوههم الكالحه تقتحم علينا حاضرنا فيعبس لمراها المستقبل.

اما جماهيرهم فادراكها يقف عند العتبه الاولي للوعي (لدي هيجل)، يلقي "الطفيليات" باقوالهم اليها، فتشتمها ثم تلتهمها في لامبالاه، ليحيك منها الارذال الوقحون (النخبه) جراتهم علي التصدر والقياده.

ولو ادركت ذاتها(2)، لو ادركت ان التاريخ لم يجد بغيرها بديلا لقياده امتها، حتي وهي تقف محنيه الظهر، مطاطاه الراس، مقيده باغلال المستعمر!، لو ادركت انه وهو المتحجر قلبه،  يتهيب ان يهضم زعامتها، وان يُعمل فيها منطقه الصارم، لعظم قدرها علي الارض وفي السماء؛ لسقطت علي هؤلاء (الذين سمموا بلادنا ببلادتهم، وابتذلو شرفها بصغارهم) من حالق فانشبت مخالبها في اجسادهم، وانتزعتهم من القمه التي يعتلونها بغير حق، والقمتهم فوهه غضبها بلا شفقه.

ويتسلل من وراء حديثنا السؤال يطلب الاجابه، ما العمل؟.

لا حاجه بنا الي ذلك الديماجوجي المبتسم في وجوهنا دوما، هذا الذي لا يجيد سوي فن التجميل، بل نحن في حاجه لذلك المتجهم الذي يشهر المبضع في وجوهنا، لتندفع يده بمهاره تستاصل الداء الخبيث. نحن في حاجه الي صاحب الفكره المتحمسه، التي لا ترتاح الا بالعمل، صاحب الروح المتطلعه الي العلا، التي لا تغفو الا علي منكبي اليقظه، الثائر علي الافكار المبتذله، والتاكيدات المتملقه، لما يريد العامه والدهماء او الحكام علي السواء.

واذا كان التماهي والتماثل هو الحاكم للمعادله السابقه، (الجماهير الغافله والنخبه الفاشله) فكيف السبيل الي التولد والتناسل؟!.

 لا يكون الارتفاع هنا بالتركيب، فلا وجود للتناقض، بل يكون عبر الاستثناء، ليس من النخبه العاجزه، حتي عن الحلم؛ لكن تنتقي الاستثناءات من جيل وافد علي السياسه، لم تمرضهم الشيخوخه ـ في بلادنا ـ بامراضها، من فساد وعقم وقله حيله، بل اسلمتهم فتونه الشباب لسلسله احلام، لا تكاد تفرغ من حلقه حتي تنتقل لاخري، ليتدفق نبوغهم الفردي ـ ان لم يسد امامه كل مجري ـ حماسه جماعيه، ويفيض علي المجتمع نهايه نهضه وتقدم، وقطعا لن يكون هؤلاء بين الذين توطنوا بارض النخبه فعاشوا في كنفهم، يرددون احاديثهم، ويعملون في خدمتهم، ويبجلونهم تبجيل المتصوفه للاله.

المحزن ان تاريخنا يزخر بمصارع هؤلاء(3)، باماتتنا لهم وهم احياء، لنحيي الاصاغر من الانصاف والاشباه، ولو قابلنا بين نتاج هؤلاء واولئك، لكانت اشبه بالمقابله بين غادات فاتنات كابهي ما تكون النساء وبين جثث متعفنه تزكم الفطره السليمه بروائحها!.

ويبقي المجتمع، نساءه تحوم فوق رؤوسهم تهمه العهر، وان احتجبوا الا عن حُرمهم وملك الموت، ورجاله قوادون وان خدموا المساجد وترهبنوا في الاديره، اولسنا اجزاءًا من الكل؛ الدوله، اولم نضبطها بالفعل الفاحش مرات ومرات، قبل "الثوره" وبعدها، وكاي بغي اما ان تنافح عن نفسها فتجهر بالانكار الوقح، او يرق صوتها باحاديث الظروف وقصر اليد والضروره و...الخ.

ويبقي الخيار ما بين المصابين بسل الروح ، الذين هم نفي للحياه؛ ووافدين جدد  تطوي الفكره دوما جناحيها داخل فعلهم لتتهشم علي ارض الواقع فلا يتعرف عليها احد.

بيد ان هناك خيار ثالث، من دونه نكون اشبه بغابه كثيفه من الاشجار، وان تعاظمت كثافتها فلا اخضوضر لها ورق ولا تساقط منها ثمر، فهي عطشي لينبوع يفجر فيها الحياه، وما هو غير الرؤيه الكليه، والمعني، يسطع سطوعًا يخطف اليه الابصار، ويسري نوره الي الارواح، فتتطلع الي مصدره، الي العلا، لتتقدم نحوه ويكون خلاصها، ودربه مرةون بمقتفي اثره، من راضوا انفسهم علي  قراءه السبيل في ضوء الرؤيه الكليه، والمعني، لتتدفق فصاحتهم كالنهر تعيد الحياه الي كل من كان لديه منها بقيه.

(1) التفرقه لرائد المقاله الحديثه في اوروبا، ميشيل دي مونتين (1533 ـ 1593).

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل