المحتوى الرئيسى

اليهود العرب في إسرائيل بين التهميش والاندماج

04/23 19:05

يهود عرب يلعبون النرد علي مقهي العراقيين في القدس

يتوقف عالم الاجتماع الاسرائيلي ايهودا شينهاف ملياً امام لوحه معلقه علي احد جدران مكتبته المزدحمه بمئات الكتب: خطاب قديم بخط عربي متميز، وبجواره المغلف الذي احتواه، محفوظان داخل برواز زجاجي.

يقول البروفيسور شينهاف: "هذا واحد من الخطابات المتبادله بين ابي وامي عندما كان والدي يغيب مطولا عن البيت".

يمتلا الخطاب بالتفاصيل والسلامات لافراد العائله واحوالها الماليه والمعيشيه، لكن المغلف الذي احتواه عليه خاتم الرقابه العسكريه الاسرائيليه.

كان والد شينهاف يعمل في المخابرات الإسرائيلية، وهو القطاع الذي وظفت فيه اسرائيل عند نشاتها عددا كبيرا من اليهود العرب، لتستفيد من لغتهم واشكالهم في اختراق "محيط الاعداء". والمشكله في راي شينهاف هو التناقض الذي عاملت به اسرائيل اليهود القادمين من البلاد العربية "كانت تمحو ثقافتهم العربيه باضطراد لصالح فكره الاندماج وفي الوقت نفسه تستخدم "عروبتهم كمسوّغ للاعتراف بهم في اجهزه الدوله الامنيه".

سؤال الهويه كان الاكثر الحاحا لاجيال من اليهود العرب. يقول شينهاف: "كان المساله الاهم في محيط البيت وخارجه، كطفل في العاشره مثلا، اهلك قدموا اصلا من العراق، يتحدثون باللغة العربية، وانت تخجل من اللغه العربيه ومن الاصدقاء ومن المعلمين بالمدرسه لان الثقافه المهيمنه كانت الثقافه الاشكنازيه".

ربما تغيرت الصوره قليلا مع تحسن الوضع السياسي والاجتماعي لليهود العرب، وظهور ثقافتهم الاصليه في الموسيقي والطعام دون خجل، رغم ذلك فالاحصاءات الرسميه تشير الي انهم يحلون ثالثا في قطاعات التعليم مثلا بعد الاشكيناز والمهاجرين الروس الذين وفدوا لاسرائيل في التسعينيات.

تتباين الروايات التاريخيه بشان حياه اليهود العرب في اسرائيل بين التهميش والاندماج، لكن الثابت فيها ان غالبيتهم لم يرتبطوا بالفكره الصهيونيه قبل قيام اسرائيل.

كان اليهود اليمنيون اول القادمين الي فلسطين التاريخية في القرن التاسع عشر كبديل للعمال العرب في مزارع اليهود الاوروبيين. ففي قريه يرحيف القريبه من كفر سابا عاشت اجيال من عائله ديالي. ايلي هو كبير العائله في الوقت الراهن. يتحدث في لهجه عربية فلسطينية عن علاقته الحميمه بجيرانه في القري العربيه داخل الخط الاخضر، لكن ابنه عمه كارفاني ، تشكو من "اللصوص العرب" الذين يهاجمون القريه وتقول انها لن تحزن كثيرا لو رحلوا.

ايلي ديالي كبير عائله يهوديه يمنيه

كن يرحيف نفسها كانت وحتي احتلال اسرائيل للضفه الغربيه في 1967، منطقه عسكريه في خط المواجهه مع الجيش الاردني، يتحدث ايلي عن الحياه فيها فيقول "كنا نعيش وسط القمل، المكان كان مليئا بالثعابين، والقادمون من اليمن كانوا لا يعرفون شيئا، عملنا وزرعنا وربينا الابقار حتي تحسنت الاوضاع".

جاءت اسره ايلي الي اسرائيل في عام تسعه واربعين. يستعيد ايلي شريط الذكريات مع والدته التي تقترب من المئه، عن رحله العائله من اليمن فترد بلهجتها الاصليه " اليمن كان مليح مليح، الامام يحيي مليح، كنا نطحن ونعجن ونعيش" .

لن تجد روايه مؤكده عن اسباب هجره اليهود العرب من بلدانهم الي اسرائيل، فهناك خطاب تصحيحي لمؤرخين يهود يري ان اسرائيل كانت المستفيد الاكبر من تلك الهجره بل وحرصت علي نزوح اليهود العرب كاحتياطي سكاني، وهناك من يري انهم اجبروا علي الهجره اثر التضييق عليهم مع تصاعد الصراع العربي الفلسطيني.

لكن الثابت فعليا ان الفقراء من اليهود العرب جاءوا الي اسرائيل بتمويل من الوكاله اليهوديه، وكان عليهم ان يقطنوا مناطق الاطراف او مناطق المواجهه مع الدول العربية او في منازل فر منها سكانها العرب، فيما نزحت الطبقه الوسطي والاغنياء منهم الي مهاجر اخري في اوروبا واميركا واستراليا وغرب افريقيا.

يتراس السفير الاسرائيلي السابق، ايلي افيدار، غرفه صناعه الماس في تل ابيب، عمل في الموساد وكسفير لدي قطر والاتحاد الاوروبي، هاجرت اسرته التي كانت تحمل الجنسيه اليونانيه من مصر عام 1967 في اعقاب حرب يونيو/ حزيران. سالته صراحه كيف بقيت اسرته في مصر حتي ذلك التاريخ رغم ما يتردد عن اضطهاد عبد الناصر لليهود؟

يرد في عامية مصرية لم تتغير "كان ابي مديرا في شيكوريل، كنا مبسوطين في مصر .. مكنش في اي مشكله في مصر ، بس بعد حرب سبعه وستين كان فيه مظاهرات تطالب بذبح اليهود "، لكن هل رغبت مصر في تهجير يهودها؟ يرد افيدار " لم يقل احد انها استهدفت اليهود، لن تجد كتاب تاريخ واحد يقول ذلك، لكن حصلت كراهيه لليهود بعد حرب ثمانيه واربعين، وتجددت مع حرب سبعه وستين، كنا العائله الوحيدة التي جاءت لاسرائيل لان اقاربنا كانوا هنا، لكن معظم اليهود المصريين الذين جاءوا الي اسرائيل هاجروا بعد ثمانيه واربعين، وهؤلاء كانوا فقراء او صهاينه".

تصطدم روايه السفير افيدار بروايه اخري لرئيسه النادي المصري في تل ابيب ليفانا زامير، التي حكت لي مطولا عن الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في مصر حتي اجبروا علي الرحيل. " كان عمري عشر سنوات في 14 مايو ثمانيه واربعين عندما اعلن ديفيد بن غوريون قيام اسرائيل، وفي منتصف الليل هجم عشره ضباط مصريين علي فيلتنا في حلوان واعتقلوا عمي حبيب نيدال، لم يكن عمي صهيونيا ، كان يملك مطبعه لكن الملك فاروق اعتقل 600 يهودي عندما اندلعت الحرب ليبادلهم فيما بعد باي اسري".

تحكي ليفانا كيف اغلقت مطبعتهم "بالشمع الاحمر" وصدرت قوانين بمصادره املاك الصهاينه، وعندما خرج عمها من السجن بعد عام ونصف كان الشرط الوحيد ، مغادره مصر بلا رجعه.

تركت عائله ليفانا مصر الي فرنسا التي فضل والدها البقاء فيها ، لكن امها اصرت علي الذهاب الي اسرائيل لما تعرض له ابناؤها من اهانات عنصريه. استقرت العائله في خيمه بطبريه "كانت امي تبكي كل ليله، لاننا لم نتعود هذا النوع من المعاناه، وكنت اخجل من التحدث بالعربية واقول انني فرنسيه، كانت اسرائيل بلد الاشكيناز فهم من اسسوها فعلا".

بيهار : سؤال الهويه يؤرقني

علي المقهي العراقي في سوق محانيه يهودا، التقيت الشاعر الاسرائيلي الموج بيهار، يلقي اللاعبون بالنرد علي الطاوله ويتحدون بعضهم بعربية عراقية، لا يخجلون منها، يتناولون الاطعمه العراقيه ومشروب العرق، لكن بيهار يحدثني عن اندثار تراث اليهود العرب، وهو اخطر ما في القضيه برايه.

استيقظ الموج بيهار علي سؤال الهويه اثر تجربه شخصيه، فقد نسيت جدته التي جاءت من العراق اللغة العبرية في اخر حياتها وصارت تتحدث بالعربيه فقط، كان يحب جدته ويحب التواصل معها، يقول لي: بالطبع كانت هناك محاوله علي مدي العقود الماضيه لمحو الثقافه العربيه بشكل كامل لدي يهود العالم العربى، لكن هذه المحاوله لم تنجح بالكامل، كان جدي وجدتي يتحدثان بالعربيه لكن امي كانت تنهرهما، كانت المدارس ترسل المدرسين الي البيوت وتطالب اليهود العرب بالتوقف عن التحدث بالعربيه.

ويري الموج ان ما تعرض للاندثار ليس التجمعات اليهوديه العربيه فقط ، ولكن التراث العربي لليهوديه، ذلك التراث الذي احتوته كتب الصلاه والاشعار في المعابد علي مدي قرون طويله لكنه ليس موجودا الان، لان "الخطاب الصهيوني القائل بان اليهود لا يمكن ان يكونوا عربا والعرب لا يمكن ان يكونوا يهودا، لقي قبولا لدي الجانبين الاسرائيلي والعربي ، باستثناء دوله كالمغرب".

في سبتمبر/ ايلول من العام الماضي، رعت الخارجيه الاسرائيليه مؤتمرا دوليا في الامم المتحده بعنوان العداله للاجئين اليهود من الدول العربيه، حمل المؤتمر في بياته الختامي الجامعة العربية مسؤوليه خروج اليهود من الدول العربيه، وطالب بتعويضات لهم لا تقل عما يطالب به اللاجئون الفلسطينيون. بعد ذلك بشهور ثار جدل في مصر اثر دعوه اطلقها القيادي الاخواني عصام العريان تطالب اليهود العرب بالعوده لبلدانهم واستعاده ممتلكاتهم.

علي شاطئ البحر في مدينه بات يام التي قطنتها جاليه مصريه كبيره ذات يوم، التقيت المصريين مجددا، معظمهم قدموا من الاسكندريه، سالتهم ، لماذا لا تعودون؟ قالوا بلدنا اسرائيل ولا نعرف بلدا اخر.

سالت ايلي افيدار، قال: " لا يزال لدي يهود مصر تفكير ايجابي عن مصر، لكن المشكله انهم عندما يستمعون في الاذاعات ويشاهدون في التليفزيونات ما يقال عن اليهود وحتي عن يهود مصر ، الواحد بيكون عايز ينسي انو اتولد في مصر".

اما ليفانا زامير ، التي شاركت في المؤتمر فلها راي اخر، فهي تري ان مصر ليست مستعده الان لافكار من هذا النوع، "مصر اللي اتولدنا فيها وبنيناها، وعشنا فيها عز ، يهود مصر بنوا اول بنوك واعمال ، بنك موصيري وبنك قطاوي.. مصر دي اختفت، مش موجوده".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل