المحتوى الرئيسى

شخصيات سياسية وفكرية عاشت في فيينا

04/19 06:32

مدينه استقطبت كبار السياسيين والمفكرين في القرن العشرين

قبل قرن من الزمان، استضاف احد الاحياء في مدينه فيينا، عاصمه النمسا كلا من ادولف هتلر، وليون تروتسكي، وجوزيف تيتو، وسيغموند فرويد وجوزيف ستالين.

ففي يناير/كانون الثاني من عام 1913، ترجّل شخص ذو بشره سمراء كان يحمل جواز سفر باسم ستافروس بابادوبولوس من احد القطارات في محطه شمال فيينا، وكان يزين وجهه شارب ضخم يذكر بالفلاحين، ويحمل في يده حقيبه خشبيه.

وكتب الرجل الذي جاء بابادوبولوس لرؤيته: "كنت جالسا الي المنضده، حين طرق شخص غير معروف الباب ودخل الي المكان."

وتابع: "كان رجلا قصيرا نحيلا، تعلو بشرته القمحيه الداكنه بثور، ولم ار في نظراته ايه علامه تدل علي انه شخص ودود."

ولم يكن كاتب تلك السطور الا ليون تروتسكي، احد المفكرين الروس المنشقين عن النظام البلشفي الذي كان يتزعمه ستالين ورئيس تحرير الجريده الراديكاليه المتطرفه "برافدا" (او: الحقيقه).

كما ان الشخص الذي وصفه تروتسكي لم يكن في الحقيقه بابادوبولوس، فمنذ ولادته كان يحمل اسم يوسف فيساريونوفيتش جوغاشفيلي، وكان معروفا بين اقرانه باسم كوبا، لكنه يشتهر باسم جوزيف ستالين.

ولم يكن تروتسكي وستالين سوي اثنين من مجموعه الرجال الذين عاشوا وسط مدينه فيينا عام 1913، وكانوا مسؤولين عن صياغه جزء كبير من المصير الذي انتهي اليه القرن العشرون.

وكان الياس يغلب علي تلك المجموعه، فالثورىان ستالين وتروتسكي كانا مطاردين، بينما كان سيغموند فرويد، المحلل النفسي، مستقرا الي درجه كبيره.

وعاش فرويد، الذي كان مؤيدوه ينظرون اليه علي انه الرجل الذي نجح في سبر اغوار العقل، في شارع بيرغاسي بالمدينه ومارس مهنته هناك.

كما ان اليوغوسلافي الشاب جوزيفي بروز، والذي اشتهر فيما بعد بالزعيم اليوغوسلافي مارشال تيتو، كان يسعي وراء الحصول علي الوظيفه والمال وقضاء اوقات سعيده من خلال عمله في مصنع ديملر لصناعه السيارات في مدينه فاينر نيشتات، الواقعه جنوب فيينا.

كما اتي ادولف هتلر، ذلك الشاب ذو الاربعه والعشرين ربيعا قادما من شمال غرب النمسا، وكان قد مُنِيَ بالفشل مرتين لتحقيق حلمه في دراسه الرسم في اكاديميه فيينا للفنون الجميله. لقد عاش في نزل ميلديمانستراسي للطلبه قريبا من نهر الدانوب.

وكتب فريدريك مورتون في كتابه "ثاندر ات توايلايت او الرعد عند الشفق"، واصفا هتلر بانه كان يتجادل بطريقته المعروفه عنه مع اقرانه في امور لها علاقه بالاخلاق والعنصريه البحته، والمهمه الالمانيه، بالاضافه الي امور لها علاقه باليهود واليسوعيين والماسونيين او البنائين الاحرار.

وكان الامبراطور كبير السن فرانز جوزيف هو الحاكم في القصر الإمبراطوري هوفبيرغ، وذلك منذ توليه مقاليد الحكم عام 1848 في عام الثورات الاكبر.

وكان فرانز فيرديناند امير البيت الحاكم في النمسا، والذي كان منتظرا ان يكون خليفه للامبراطور، يقطن في قصر بلفيدير في انتظار وصوله الي العرش، والذي كان اغتياله في العام التالي سببا في اندلاع الحرب العالمية الاولى.

وكانت فيينا عام 1913 هي عاصمه الامبراطوريه النمساويه-المجريه، التي كانت تضم 15 دوله وتحكم 50 مليون من القاطنين فيها.

تقول دارديس مكنامي، رئيسه تحرير دوريه "فيينا ريفيو" الشهريه، وهي الدوريه الوحيده التي تكتب باللغة الانجليزية في النمسا، والتي عاشت في تلك المدينه لمده 17 عاما: "كانت فيينا تشهد تنوعا ثقافيا فريدا من نوعه، اذ كانت تجذب انتباه الطموحين من انحاء الامبراطوريه."

واضافت مكنامي قائله: "كان النصف من سكان المدينه هم من اهلها الاصليين ممن ولدوا فيها، فيما قدم ما يقرب من ربع سكان المدينه اليها من غرب جمهورية التشيك وشرقها؛ ولذا فقد كانت اللغة التشيكية هي اللغه المستخدمه في العديد من الاماكن الي جانب اللغة الالمانية."

واوضحت مكنامي ان شعوب الامبراطوريه كانوا يتحدثون اثنتي عشره لغه اخري، مضيفه ان ضباط جيش الإمبراطوريه النمساويه المجريه "كانوا مطالبين بان يكونوا قادرين علي اعطاء الاوامر باحدي عشره لغه اخري الي جانب الالمانيه، والتي كان لكل منها ترجمه في النشيد الوطني للامبراطوريه."

وساهم ذلك المزيج الفريد في ايجاد اسطوره "مقهي فيينا" الثقافيه الفريده، التي تشكلت من خلال جوالات القهوه التي خلفها الجيش العثماني وراءه في اعقاب فشله في الحصار الذي فرضته تركيا وانسحابه منه عام 1683.

يقول تشارلز اميرسون، صاحب كتاب "البحث عن عالم ما قبل الحرب العظمي" وزميل كبار الباحثين في مركز تشاثام للسياسات الخارجيه: "تعتبر ثقافه المقاهي وفكره النقاشات والمناظرات امرا من الامور التي كانت ولا زالت تميز جانبا من جوانب الحياه في فيينا."

وتابع قائلا: "كان المجتمع الفكري في فيينا صغيرا في الحقيقه، وكان الجميع فيه يعرف بعضهم بعضا، الامر الذي ساهم في حدوث تجاذبات بين مختلف الجبهات الفكريه،" مضيفا ان ذلك الامر كان في صالح المنشقين السياسيين ومن هم علي شاكلتهم.

ووصف اميرسون فيينا بانها كانت المدينه الاوروبيه الملائمه في ذلك الوقت لكل من كانوا يبحثون عن مخبا امن في اوروبا يمكن فيه لاولئك الهاربين ان يجدوا من يشاركونهم اهتماماتهم.

ولا يزال مقهي "كافيه لاندتمان"، المقهي الذي كان مفضلا لدي فرويد، موجودا في موقعه علي شارع "ذا رينغ"، الذي يحيط بمقاطعه اينير ستادت التاريخيه.

اما تروتسكي وهتلر، فكانا يرتادان "كافيه سنترال" الذي لا يبعد كثيرا عن "كافيه لاندتمان"، اذ كانا يستمتعان بتناول قطع الكعك وقراءه الجرائد ولعب الشطرنج، وفوق كل ذلك تبادل اطراف الحديث.

وتقول مكنامي ان احدي السمات التي اعطت اهميه لتلك المقاهي هي ان "الجميع" كانوا يرتادونها؛ لذا كان هناك ثراء مشترك في مختلف المجالات والاهتمامات. كما كانت حواجز الفكر الغربي التي ظهرت فيما بعد موجوده بشكل فضفاض غير محدد المعالم."

واضافت مكنامي انه فوق كل ذلك، كانت هناك زياده في قوه الطبقه المثقفه من اليهود، والتي كان من نتائجها مطالبتهم الامبراطور النمساوي بمنحهم حقوق المواطنه الكامله عام 1867، والمطالبه ايضا بان يسمح لهم بشكل عام بدخول المدارس والجامعات في النمسا.

وعلي الرغم من ان ذلك المجتمع كان يغلب عليه طابع الذكوريه، فان عددا من السيدات كان لهنّ ايضا تاثير فيه.

وفي هذا الاطار، كانت الما ماهلر، علي سبيل المثال، والتي كان زوجها ملحنا موسيقيا وكانت هي الاخري ملحنه، مصدر الالهام للفنان اوسكار كوكوستشكا والمهندس المعماري والتر غروبيوس.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل