المحتوى الرئيسى

عدنان سليم أبو هليل يكتب :المبادرة القطرية بين قبول حماس وتردد فتح

04/04 15:48

في مؤتمر القمة العربية الأخير اقترح سمو أمير قطر عقد قمة عربية مصغرة في القاهرة في أقرب فرصة ممكنة برئاسة مصر الشقيقة وبمشاركة من يرغب من الدول العربية إلى جانب قيادتي « فتح » و« حماس »،

ورأى سموه أن تكون مهمة هذه القمة تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وفقاً لخطوات عملية تنفيذية وجدول زمني محدد، وعلى أساس اتفاقي القاهرة 2011 والدوحة 2012 ».. ودعا سموه أن يشمل هذا اللقاء الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية من المستقلين للإشراف على الانتخابات التشريعية والرئاسية والاتفاق على موعد إجراء تلك الانتخابات ضمن فترة زمنية محددة وأن " من يتخلف أو يعرقل فسيتحمل مسؤوليته أمام الله والوطن والتاريخ ".

وأقول: إن دعوة سمو الأمير هذه إنما تأتي انسجاما واتساقا مع مواقفه العروبية والأخلاقية المستمرة من الشعب ومن الهمّ الفلسطيني، واستشعارا من سموه بخطورة استمرار الانقسام وانعكاسات ذلك على القضية ومستقبلها.. وبالتدقيق في هذه المبادرة وفيما ورد بها من محددات نجدها قد حملت كل أسباب نجاحها بقدر ما نفت كل أسباب ومداخل الاعتراض عليها أو التلكؤ من أي طرف في قبولها ؛ فالمبادرة أبقت لمصر دورها وقيادتها حتى لا يزعم أحد أن قطر تحاول الالتفاف على دور مصر، والمبادرة أفسحت المجال لمن يشاء أن يشارك فيها من الزعماء حتى لا يتذرع أحد بأنها احتكارية أو يثير من حولها الشكوك والشبهات، والمبادرة جعلت مرتكز المؤتمر على الاتفاقات السابقة في القاهرة ثم في الدوحة.. حتى لا يتذرع أحد بأن الاتفاقات السابقة تكفي أما حركة حماس وعلى لسان متحدثيها الرسميين كالدكتور سامي أبو زهري فقد أعلنت فورا وبدون تردد ولا تلكؤ قبولها بالمبادرة، فيما ترددت حركة فتح فمرة قبلتها على لسان الرئيس محمود عباس أمام مؤتمر القمة العربية الأخير، وبعد يومين رفضتها على لسان عزام الأحمد ونمر حماد بذريعة أن الاجتماع مع حماس في قمة عربية ينتقص من التمثيل الرسمي للرئيس عباس، ثم عادت وقبلتها مشروطة بالمحافظة على ميزة عباس في المؤتمر كرئيس لا كمدعو على قدم المساواة مع ممثلي حماس.. وراحت تطلق – كما نرى - متحدثيها ورموزها يسوقون على المبادرة أطنان الاعتراضات والتشككات والشروط والملاحظات.. وأقول:

واضح أن المبادرة القطرية قد حشرت حركة فتح في الزاوية وكشفت إلى حد بعيد موقفها الحقيقي من المصالحة والتخوف من عقابيلها.. ولقطع الجدال حول هذه الحقيقة التي يعرفها الشعب الفلسطيني أُذكّر بجملة الحقائق الآتية التي رصدها الشعب الفلسطيني منذ الانقسام ؛ 1- المصالحة كانت دائما مطلبا لحماس فيما كانت فتح ترفضها ونتذكر كيف ظلت سنتين بعد الانقسام تقول لا مصالحة مع الانقلابيين.. 2- الأربع مرات التي قبلت فيها فتح بالمصالحة كانت في كل مرة قد خسرت رهانا ما كانت تراهن عليه ضد حماس أو كانت تناور إعلاميا لنفي تهمة.. فالانطلاقة الأولى كانت بعد حرب الفرقان في 2009 وبعد أن سقط رهان هزيمة حكومة حماس وإخراجها من اللعبة السياسية بالقوة الصهيونية، والانطلاقة الثانية كانت في مطلع 2011 بعد سقوط نظام حسني الذي سقط معه الرهان على حيفه وجوره وانحيازه وتحكماته فيما سمي (الوثيقة المصرية)، والانطلاقة الثالثة كانت في أواخر العام 2011 بعد صفقة شاليط التي حققت من خلالها حماس رواجا منقطع النظير أمالت به الكفة الوطنية والثورية لصالحها فجاءت تلك الانطلاقة كمناورة من فتح لاستغفال الرأي العام وللدخول في طرف صورة ذلك الانتصار.. أما الجولة الحالية والأخيرة فهي التي انطلقت بعد حرب (حجارة السجيل) وبعد قصف حماس تل أبيب ومستوطنات الضفة وفرضت شروطها لإنهاء الحرب ما فهم محاولة من فتح لامتصاص النقمة الشعبية على موقفها السلبي من حماس.. 3- بعد كل نجاح في جمع الفرقاء للمصالحة كانت تستجد مشكلتان وكلاهما من جهة فتح؛ الأولى: إطلاق العدو وأمريكا إغراءات وتطميعات بمفاوضات مجدية واعتقاد السلطة وفتح بأنها ستكون مختلفة عما سبق لعشرين سنة فتتعثر المصالحة، والثانية: انطلاق حملات الاعتقال والملاحقة الأمنية ضد حماس وتصريحات عدوانية تبدد ما سبق أن تحصل.. 4- لا بد من الإقرار بأن المصالحة بالنسبة لفتح والسلطة ليست حلا لا بالنسبة لوضعها الداخلي ولا بالنسبة لالتزاماتها مع العدو بل هي مشكلة حقيقية لا تستطيع حلها وسلعة غالية جدا لا تملك دفع ثمنها؛ فالسلطة مكبلة باتفاقات ملزمة لا تستطيع تغييرها، وهي تحت الاحتلال المباشر وقياداتها من الرئيس إلى أصغر موظف فيها يعترفون بأنهم لا يستطيعون التنقل بين مدينتين إلا بإذن (إسرائيلي) بينما تتشكل أجهزة أمنها من فئة ما يسمى بـ" الفلسطيني الجديد " الذين صنعهم الجنرال الأمريكي (كيث دايتون) والذين يسيطر عليهم ويحركهم (سلام فياض) الذي لا تملك حركة فتح عليه حولا ولا طولا، وبينها وبينه – خصوصا هذه الأيام - ما صنع الحداد.. هذا كله فضلا عن أن تنظيم فتح مكشوف وأن من السهولة الوصول لقياداته إضرارا واستهدافا.. أقول: إذا أرادت فتح أن تنفي هذه الحقيقة فإن عليها أن تجيب على ثلاثة أسئلة بعيدا عن كل التهويشات الإعلامية؛ الأول: هل تستطيع أن تفرض على أجهزة سلام فياض وعلى العدو دمج قوات حماس في بنيتها التنظيمية والإدارية؟ والثاني: هل تستطيع أن تغطي قصف تل أبيب لو فكرت حماس في ذلك بعد المصالحة؟ والثالث: هل تستطيع أن تعيد لحماس مؤسساتها الخيرية والمجتمعية وأموالها المصادرة؟ فإن كان الجواب في المرات الثلاث (لا) فالحقيقة بكل موضوعية وبساطة أنها أو أنهما (حركة فتح والسلطة) لا تريدان المصالحة ولا تستطيعان دفع ثمنها وإنما تريدان جهودا إعلامية مقطعة ودعاوى للوحدة الوطنية غير ناضجة ولا ملزمة.. 5- في المقابل فإن حماس قادرة على دفع ثمن المصالحة؛ فهي قادرة على دمج فتح في أجهزتها الأمنية إن أرادت، وقادرة على إدخالهم لغزة إن أرادت، وقادرة على تغطيتهم عسكريا وأمنيا وسياسيا إن أرادت، وهي لا تخشى انتفاضة ثالثة بل ترغب فيها وتعمل على إطلاقها أيضا.. لهذا كله وإضافة لما تتحمله من جهود ونفقات ومعالجات في إدارة غزة وما تتعرض له من حصار يمكن أن تفككه المصالحة؛ فهي ترغب فيها وتعمل على استثمار وتكبير أي فرصة لها، ولذلك أيضا سارعت لقبول المبادرة القطرية.

آخر القول: لقد وضعت المبادرة القطرية النقاط على الحروف وعلى أشقاء الشعب الفلسطيني وأصدقائه أن يصروا عليها.. ونتمنى من حركة فتح أن تقبلها وأن تتوقف عن التلكؤ في قبولها وعن محاولة قصقصتها وتحريفها والتملص من إلزاميتها - كما تفعل حتى الآن وللأسف.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل