المحتوى الرئيسى

إبراهيم الهاشمي يكتب :الربيع العربي أم الربيع الإخواني؟

04/03 16:40

سمّي ما حدث في الوطن العربي من أحداث في السنوات الأخيرة بالربيع العربي، وهنا لا بد من البحث عن معنى الربيع ومن ثم العربي لتقدير مدى مطابقة الوصف بالموصوف،

لذا دعونا نَعُدْ إلى قواميس اللغة لنجلو المعنى الحقيقي للمفردات ثم نرى مدى مطابقة الوصف للأحداث .

فحسبما جاء في كتاب “قاموس المعاني” فإن الربيع جمع أربعة، رباع، أربعاء (ر ب ع)، فيقال حل فصل الربيع وهو فصل من الفصول الأربعة على مدار السنة يمتد من 21 مارس/آذار إلى 21 يونيو/حزيران، وربيع الأول هو الشهر الثالث من السنة الهجرية وربيع الثاني هو الشهر الرابع من السنة الهجرية، ويقال “يقضم الغنم الربيع: الرجيع، الرجيع ما ينبت في فصل الربيع من عشب وكلأ، ويقال “أينما وليت وجهك تجد زهرة الربيع، وهي زهرة بيضاء أو وردية، وسطها أصفر اللون تكثر في الحقول والبساتين . ويقال “ربيع العمر” والمقصود قوة الشباب وفتوته، أما “ربيع” كاسم علم مذكر فهو يدل على فصل الربيع، موسم المطر، الخصب، وقد يكون الغلام ولد في هذا الفصل، أو سمي به على التفاؤل بحلول الخير عليه وعلى ذويه، أو يدل على أن الوليد جاء رابعاً بعد ثلاثة، مثل رابعة، والربيع المطر، الحظ من الماء للأرض، العشب الأخضر .

والربيع “الفلك” ثاني فصول السنة، يأتي بعد الشتاء، ويليه الصيف، وفيه يعتدل المناخ ويورق الشجر وتتفتح الأزهار . ويقال نفس الربيع طيبة، ويقال “أنبت الربيع الزهر” كناية عن المطر، ويقال كسا الربيع الأرض خضرة” .

ونكتفي بهذا القدر عن معاني الربيع التي تدل في جلها على البهجة والخضرة واعتدال الجو والصحو، وأن الربيع أجمل فصول السنة الطبيعية مناخاً وفيه يزهر النبات ويورق وتزين الأرض بنتاجها .

أما معنى كلمة العرب، فقد ورد في قاموس لسان العرب التعريف الآتي “العُرْبُ والعَربُ جيل من الناس معروف، خلاف العجم وهما واحد، مثل العُجم والعَجم، مؤنث، وتصغيره بغير هاء نادر . وللجوهري: العُريبُ تصغير العَرَبِ، والعرب العاربة هم الخلص منهم، ويقال عربٌ عاربةٌ وعرباءُ: صُرحاءُ . ومتعربة ومستعربة: دخلاء، ليسوا بخلص . والعربي منسوب إلى العرب، وإن لم يكن بدوياً . والأعرابي: البدوي، وهم الأعراب، والأعاريب: جمع الأعراب” .

وقد وردت للكاتب مثنى الشلال في مجلة الحوار المتمدن العدد 2420 الصادر في 30-9-2008 دراسة تحت عنوان “معنى كلمة العرب وتاريخها” يقول فيها: “في حقيقة الأمر، إن علماء اللغة اختلفوا في تفسير معنى الكلمة ومصدر اشتقاقها، وهناك تفسيرات لغوية وبحوث كثيرة في هذا الموضوع لكن سوف أتكلم عن أبرزها وبإيجاز .

إن عدداً لا يستهان به من العلماء يعتقد أن كلمة “عرب” مشتقة من أصل سامي قديم، ويفسرون ذلك بأن سكان وادي الرافدين هم الذين أطلقوا هذا الاسم على سكان البادية الواقعة إلى غرب بلادهم وهي بادية العراق، المسماة عندهم بأرض عريبي .

كذلك ذكر عبدالملك بن قريب الأصمعي المتوفى سنة 217 هجرية أن العربية منسوبة إلى يعرب بن قحطان (وهو أول من سجع بالعربية ونطق بفصاحتها وأوجزها)، والعربية منسوبة إليه وهي مشتقة من اسمه .

ويذكر البعض أن لفظة “عرب” مشتقة من الفعل يُعْرِب أي يفصح في الحديث، وأصبح يدل على العرب لفصاحتهم في اللسان، ويرى آخرون أن العكس هو الصحيح، أي فعل يعرب هو الذي اشتق من لفظة عرب، فعندما يعبر المرء عن أفكاره باللسان العربي فإنه يعرب عن رأيه، وقال إسحق بن فرج إن قريشاً أقامت بعربة (مكة) فتنحت عنها وانتشر العرب في جزيرتها، فنسبوا كلهم إلى عربة لأن أباهم إسماعيل نشأ هناك وفيها تكلم العربية .

ويرى باحثون آخرون أن الكلمة اشتقت من الكلمة العبرية “أرابا” وتعني الأرض الداكنة أو المغطاة بالكلأ، وهذا المعنى يشير إلى حالة هؤلاء القوم الاجتماعية القائمة على التنقل والسعي إلى موارد العشب . أو ذكر بعضهم أنها تعود إلى الكلمة العبرية الأخرى وهي “أرب” والتي تعني الحرية وعدم الخضوع لنظام ما، أو تعود إلى الكلمة الأخرى العبرية “عرابة” وتعني الجفاف وحافة الصحراء والأرض المحروقة، ومنها كانت تسمية وادي العربة الممتد من البحر الميت إلى خليج العقبة، أو تعود إلى كلمة عبرية أخرى هي “عابار” وتعني التنقل والتحرك من موضع إلى آخر .

ثم يضيف: “وهذه الكلمة وتعلقها بالجنس العربي لم تأت بوضوح إلا في القرآن وذلك يعتبر أول مصدر لَفَظَ كلمة العرب للتعبير عن القومية والجنس العربي بوضوح، حيث وردت فيه صيغة أعراب عشر مرات وكلمة عربي 11 مرة، منها عشر مرات نعتاً للغة التي نزل بها القرآن الكريم واضحة بينة، ثم استخدمت مرة واحدة لتنعت شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

وفي الواقع، إن الشعر العربي الجاهلي الذي وصل إلينا يخلو من وجود صيغة “عرب”، للتعبير عن هذا المعنى القومي للجنس العربي، وذلك حسب ما أعتقد، لاستغراق عرب الجاهلية بالنزاعات الداخلية والحروب” .

ولو حاولنا الربط بين الربيع كمعنى لغوي وما سمي “بالربيع العربي” كوضع سياسي وحدث اجتماعي زلزل عدة كيانات سياسية عربية بدءاً من تونس ثم مصر ثم ليبيا ومازال يتفاعل في سوريا، ولا نعلم إلى أين سيصل مداه . وهنا لا بد أن نأخذ في الاعتبار نتائج هذا الربيع العربي وما آلت إليه حالة الشعوب العربية في تلك الأقطار التي مر بها، وهنا أيضاً لا بد من التأكيد أن الأنظمة التي كانت قائمة في تلك الأقطار لم تكن بالطموح المأمول لدى شعوبها، ولم تقدم لهم إلا العسف والتخلف والقهر واستغلال مقدراتهم لمصلحتها ومصلحة المرتبطين بها على الرغم من الثروات الكبيرة التي في كل قطر، أي أنها لم تكن في ربيع معنوي حقيقي ولم تعرف من الربيع إلا اسمه كشهر .

لكن هل يمكننا أن نسمي ما حدث ويحدث بالربيع وكل ما حدث على جثث الأطفال والفقراء والمساكين من أبناء تلك الشعوب العربية المقهورة، فكلنا يعرف أن الثورات بدأت سلمية تطالب بالحقوق من قبل تلك الشعوب، وانتهت باغتصاب الحقوق من قبل شرذمة ركبت الثورة بعد نجاحها الذي سطّره الشعب الأعزل بدمائه، مستغلة نجاحها لتحقيق أحلام كانت تدبر في غياهب ظلامات أحزاب مدعية للإسلام . فلو عدنا إلى تونس لوجدنا أن الإخوان المسلمين هم من سيطر على السلطة على الرغم من عدم مشاركتهم فيها في البداية، وفي مصر تسلق الإخوان المسلمون الثورة وانقضوا عليها وهم من وقف موقف المتفرج عند انطلاقتها، وهو ذات ما يحدث في ليبيا، ولا نتوقع إلا ذات السيناريوهات في سوريا، والصعب على الفهم أن ما كانت تلك الجماعة تستنكره من أفعال الحكام من قبل وقمع وتنكيل وإقصاء للآخر، صارت تمارسه بعد أن ألبسته الطابع الإسلامي بليّ الكثير من مفردات سننه وشرائعه لتلائم أهواءهم وهو منها براء .

ومن خلال معرفتنا بالدول السابقة الذكر وما كانت ترزح تحته شعوبها، فللثورة سبب لكن ما المسوغ لما حدث من قبل المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين في الإمارات والحملة المنظمة التي اتبعوها لتشويه صورة دولة تعتبر من دول الرفاه في العالم، والدول الأكثر تطوراً فيها وتبزّ الكثير من مراكز الحضارة مستوى في الخدمات والرقي، حتى أصبحت قبلة لسكان الأرض لما تتمتع به من أمن وأمان، سوى الارتباط الخارجي بجماعة هدفها واضح وجلي وهو الهيمنة على الجسد العربي كله تحت ظل جماعة الإخوان المسلمين، وإن أدى ذلك إلى الكذب وليّ عنق الحقيقة وتسخير الخطاب الديني العاطفي لتحقيق ما يصبون إليه .

أي مثال يمكن أن يعطى للعالم كله والشعب العربي بالذات عن مدى صلاحية الحكم الإسلامي ونحن نرى المتلبسين بمسوحه يستغلون ويتسلقون ويضربون ويقتلون من أجل مصالحهم الذاتية ومصالح حزبهم؟ هل هي خطة عالمية لتنفير العالم من خلال الإسلام؟ هل هو الإسلام المطلوب في الحكم القائم على العدل والمساواة والسماحة .

إن ربط الربيع بما يحدث في العالم العربي وتسميته بالربيع العربي فهم مغلوط للأحداث والمسميات فهو ربيع الإخوان المسلمين فقط لا غير، وإن جاء على جثث الشعوب العربية وأطفالها وشبابها وشيوخها ومقدراتها وثرواتها ومستقبلها، فالمهم هو الحزب، وها هم يعطوننا اليقين بأنهم ضللونا على مدى عقود من الزمن عن توجهاتهم وأهدافهم، تمسحوا بالدين وسمموا عقولنا بخطابهم الديني السياسي البعيد عن الخطاب الديني الحقيقي والأهداف السامية للدين الإسلامي كما جاء به خير البرية .

ولماذا ارتبط الربيع بالعرب، وكلنا يعرف أن هناك من الشعوب في العالم من يرزح تحت قيادة حكومات أذلته وسحقت كرامته واستغلت مقدراته ومازالت، وعلى الرغم من محاولات تلك الشعوب لرفع صوتها والمطالبة بحقوقها والعنف الذي تقابل به، لم يرف جفن العالم لهم أو حتى يلتفت إليهم، ألا يستحقون ربيعاً مثل العرب؟ أم أن الربيع عندنا مرتبط بوصول الإخوان المسلمين إلى السلطة؟

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل