المحتوى الرئيسى

سمير الحجاوي يكتب :امنعوا تجارة البشر

04/02 16:04

يعاني ثلث البشرية من ظاهرة الاتجار بالبشر، فهل يعقل هذا؟ وهل يمكن تصور أن 2.5 مليار إنسان في مختلف أنحاء العالم يمكن اعتبارهم ضحايا العبودية والاتجار بالجنس والدعارة والسخرة والعمل القسري والاتجار بالعقيدة الدينية "المريدين"..

والأطفال والتسول وتجارة الأعضاء والصور المذلة للضحايا وتهريب البشر والهجرة غير الشرعية وتجارة الأعضاء البشرية والمرضى ومجهولي النسب واللقطاء ومستعبدي السحر وأخيرا الرق بمعناه الحقيقي أي امتلاك إنسان لإنسان آخر مثل أي سلعة أخرى.

هذه المعطيات الصادمة يمكن تكثيفها لتسليط الضوء عليها لتبيان حجم المشكلة عالميا، حيث تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن 27 مليون شخص يعتبرون ضحايا مباشرين لعمليات الاتجار بالبشر منهم 15 مليون طفل، وإن حركة التجارة العالمية بالبشر تشمل تقريبا كل دول العالم وتقول الإحصاءات إن 127 دولة تعتبر من الدول المصدرة لتجارة البشر، في حين تعتبر 98 من دول المرور، أما دول المقصد أو "أسواق النخاسة الحديثة" فتشمل 137 دولة، وهذا يعني أن العالم كله تقريبا متورط في هذه "التجارة السوداء".، ويبلغ حجم سوق تجارة البشر أكثر من 36 مليار دولار سنويا.

أما الوضع في العالم العربي فهو غائم وعائم ومبهم، إذ لا يوجد أرقام موثوقة أو معلومات يمكن الاستناد إليها عند الحديث عن قضية "الاتجار بالبشر" التي يلفها الكثير من الغموض لأسباب عديدة أهمها، ثقافة العيب والخوف من الفضيحة ومنع بعض الحكومات التطرق إلى هذا الموضوع، وعدم إيلاء وسائل الإعلام العربية الاهتمام الكافي لجرائم الاتجار بالبشر.

هذا الواقع المرير كان على طاولة البحث في الورشة التي نظمتها المؤسسة القطرية لمكافحة الاتجار بالبشر بعنوان:"الاتجار بالبشر في وسائل الإعلام"، والمقصود بالطبع وسائل الإعلام العربية، التي شارك فيها عدد من المختصين والإعلاميين المهتمين بقضايا حقوق الإنسان والاتجار بالبشر، وقدموا حولها أوراقا علمية تسبر غور هذه الظاهرة ومدى انتشارها في الوطن العربي والتعامل الإعلامي معها، وللأسف الشديد فإن تناول وسائل الإعلام العربية من صحافة وتلفزة وإذاعة وغيرها، قليل وغير عميق ومتقطع باستثناء بعض الحالات النادرة هنا وهناك، والتعامل مع هذه القضية بوصفها من القضايا المهمشة في وطننا العربي.

الانطباع الأول يقود إلى أن ظاهرة الاتجار بالبشر في العالم العربي غير متفشية كما هو الحال في أمريكا وأوروبا وآسيا وإفريقيا، وليست متأصلة في العقل العربي أو الثقافة العربية، ولم تكن سلوكا أو ممارسة دائمة، لكن هذا الرأي يعيبه عدم الاستناد إلى معلومات حقيقية عن حجم ظاهرة الاتجار بالبشر في العالم العربي، مما يدفعني إلى القول إن الظاهرة ربما تكون أوسع مما نتصور إذا تحدثنا عن السياحة الجنسية والدعارة وعمالة الأطفال، ونظام الكفالة في دول الخليج العربية، إضافة إلى وجود عبيد في اليمن وموريتانيا.

وهنا تنقلب الصورة لتصبح بعض الدول العربية من الدول المتورطة بتجارة البشر حسب "تعريف الأمم المتحدة"، ووفقا لتقرير أعده مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات ومنع الجريمة فإن المغرب والإمارات ومصر تتصدر قائمة الدول العربية التي تتفشى فيها ظاهرة الاتجار بالبشر.

لا يمكن السكوت على هذه الظاهرة، رغم انشغال الإنسان العربي بهموم القتال من أجل الحرية والبحث عن لقمة العيش ومقاومة الاستبداد والطغيان ومواجهة الأنظمة الدكتاتورية، وهو ما انفجر على شكل ثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، فتجارة البشر تتفشى في البيئات غير المستقرة، حيث يكون الأطفال والنساء الحلقة الأضعف فيها، وهذا يحتم على وسائل الإعلام أن تتعامل مع ظاهرة تجارة البشر بجدية واهتمام وأولوية، فالشعوب العربية ثارت من أجل حريتها وكرامتها وليس من أجل استعباد أطفالها ونسائها وبيع أعضائهم في سوق النخاسة الدولية.

ولابد من الإشارة إلى أن كثيرا من الدول العربية ومنها قطر سنت قوانين جيدة لمكافحة الاتجار بالبشر، لكن العبرة تبقى دائما بالتطبيق العملي وليس بكتابة النصوص، ولاشك أن "المؤسسة القطرية لمكافحة الاتجار بالبشر" تستحق الثناء على الجهود التي تبذلها في سبيل التصدي لهذه الظاهرة، وهي تحتاج من الإعلام كل الدعم والمساندة.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل