المحتوى الرئيسى

النصيحة التونسية لأحياء منطقة الواحات المصرية

04/02 11:28

عندما أعلن الكابتن «وليد طه» عن هبوط الطائرة القادمة من القاهرة مطار «قرطاج» الدولي في تونس كانت بالنسبة لي بداية رحلة من الاكتشافات الانسانية والقراءة المفعمة بالبهجة لوجوه التونسيين الذين سبقونا في الغضب والثورة وابدعوا الشعار الذي تردد في كل الثورات العربية اللاحقة لهم في مصر وليبيا واليمن وسوريا: (الشعب يريد اسقاط النظام) استقبلني بالمطار زميلي العزيز المذيع اللامع بإذاعة تونس الثقافية «ناظم هاني»

وزوجته المذيعة اللامعة ايضاً بنفس الاذاعة اللذان حاولا بكل الحب ان يرياني تونس العاصمة فذهبا بي الي شارع «برجيبة» أي برقيبة ويذكرك بشارع قصر النيل في مصر ولكن يوجد به وزارة الداخلية التونسية وهي محاطة بالاسلاك الشائكة والمدرعات العسكرية فتذكرت أن الأوطان العربية متشابهة في الألم والتاريخ والأنظمة المستبدة، أيضاً يوجد تمثال كبير لمفكر الاجتماع العربي الشهير «ابن خلدون» ولقد ذكرت لي «مني» أن الفنان الذي صنع التمثال جعل وجهه يشبه وجهة الرئيس التونسي السابق «الحبيب بورقيبة»!، ذهبوا بي ناظم ومني الي القهوة العالية في منطقة بورسعيد وهي عبارة عن شارع ضيق يصعد لمرتفع تحيط به عدد من البيوت الأثرية ذات المشربيات الخشبية الساحرة والبيت لا يتعدي الطابقين وكل البيوت باللون الأزرق الفاتح والأبيض أما القهوة العالية فهي نموذج مصغر لقهوة الفيشاوي القاهرية العتيقة بمنطقة الحسين ويقدم بها الشاي التونسي الداكن والمشروبات الساخنة.

عندما ركبنا الأتوبيس الذي سيقلنا الي منطقة الجريد التراثية انطلقت الأغاني المصرية والسورية والتونسية تحية لضيوف المنتدي الذي أقامته الجمعية الدولية لأصدقاء الجريد تحت شعار (الجريد أرض المستقبل) علي مدار يومين وبمشاركة عدد كبير من رجال الأعمال التونسيين والأجانب وإن كان أغلبهم فرنساويين والهدف من هذا المنتدي العالمي كان بحث أفضل السبل لتطوير منطقة الجريد وجعلها من أهم المناطق السياحية الكبري في تونس ومقصداً عالمياً للاستفادة بمياهها الجوفية المعدنية للاستشفاء.

ومنطقة الجريد تقع في الجنوب الغربي من تونس وهي منطقة صحراوية ممتلئة بالواحات والنخيل وبها خمس بلديات كالمحافظات في مصر من بينها: النفطة وهي بلد القائد البربري الشهير «طارق بن زياد» الذي قاد الجيوش الاسلامية ووصل بها الي شواطئ الأندلس ليقيم حضارة عربية استمرت زهاء الثمانية قرون، أيضاً هناك بلدية حما الجريد وبلدية توزر التي اقيم فيها المنتدي وهي منطقة مشهورة بواحاتها وإنتاجها الوفير من الدقلة أي التمر وهي أيضاً عند الجغرافيين العرب قاعدة قسطيلية وقد أطلق المقدسي الاسم علي المدينة وناظرها بالبصرة وأشاد برخص أسعارها حتي بلغ حمل جمل تمرا درهمين، وذكر لها نهرا يغيب في النخيل الكثير البساتين ولذلك كان خراجها مرتفعا حسب البكري الذي وصفها بأنها مدينة كبيرة عليها سور مبني بالحجر والطوب وحولها ارباض واسعة آهلة وهي مدينة حصينة لها اربعة ابواب . ويقال ايضاً ان تسمية توزر بهذا الاسم كما قال لي احد المشاركين في المنتدي وهو من ابناء المدينة ان التسمية ترجع الي الملكة الفرعونية «توزروس» التي جاءت الي المنطقة وعمرتها وان كل الكلمات التونسية التي تبدأ بحرف التاء هي في الأصل لغة مصرية قديمة ولكن أهم ما يميز مدينة توزر أن بها ضريح الشاعر التونسي الشهير «أبو القاسم الشابي» والذي ترددت أبياته الشهيرة فوق حناجر الثوار في بلدان الربيع العربي:

إذا الشعب يوماً اراد الحياة... فلابد ان يستجيب القدر

ولابد لليل ان ينجلي... ولابد للقيد ان ينكسر

وفي تونس لا يسمون المدفن ضريحاً كما في مصر ولكن يطلقون عليه روضة وفي توزر توجد روضة الشاعر التونسي الشهير «ابو القاسم الشابي» والذي توفي صغيراً لايتجاوز عمره الخامسة والعشرين.

أيضاً من الأشياء التي تبهرك في توزر ابواب البيوت فهي علي الطراز الاندلسي كما قيل لي ان العرب الموريكسين الذين جاءوا من الاندلس بعد سقوطها علي يد «فرناندو وآيزبيلا» الي شمال افريقيا وسكنوا منطقة الجريد ونقلوا ثقافتهم وطرق حياتهم وهي تتكون من عروق الخشب المستطيلة ومحلاة بالمسامير والتي تأخذ أشكالاً تراثية غاية في الجمال والأبهة.

في البداية تحدث الدكتور «عبد الرزاق شريط» الرئيس الشرفي للجمعية الدولية لأصدقاء الجريد باللغة الفرنسية الي المشاركين من رجال الأعمال الأوروبيين يحثهم علي اقامة المشروعات الاستثمارية خاصة الجامعة الطبية ذات الصبغة الدولية والتي يستطيع طلاب العلم في كل مكان ان يأتي لهذه الجامعة ويدرس بها ويحصل علي شهادة الطب الفرنسية منها ولكن عندما انهي كلمته وعرف انني من مصر رحب بي وبابتسامة كبيرة قال لي: إن منطقة الجريد هي موطن أجداده وإنها منطقة يقال إن الفراعنة سكنوا بها زمناً كبيراً وأننا أبناء الجريد حينما نريد ان نصف المرأة الجريدية بالقوة ورباطة الجأش نقول لها: انت إمراة فرعون. وحينما سألته عن: كيف استطاع ان يربط بين السياحة والثقافة كمفهوم جديد علي جمعيات المجتمع المدني أجاب: لقد تجولت في معظم دول العالم وتوصلت ان ثقافتك المحلية هي مصدر اقتصادي كبير يمكن ان يجعل الوطن اكثر تنمية ورفاهية فكنت أول المفكرين في عمل مشروعات بمنطقة الجريد التراثية  فأقمت عام 1990 متحفاً خاصاً بي يحتوي علي كل ما يتناول الحضارة التونسية وأيضاً أقمت مشروعاً عملاقاً يسمي شقواق بمنطقة الجريد ايضاً يعطي فكرة عن التاريخ الانساني وتاريخ الاديان وكلا المشروعين كان نقطة اشعاع ثقافي كبير يجذب آلاف السياح الي منطقة الجريد ولقد أتتني الفكرة باقامة متحف عن الحضارة التونسية عندما زرت قبر أغا خان في أسوان بجنوب مصر الذي استطاع أن يفد إليه آلاف السياح لمشاهدته ونحن في هذا المنتدي الدولي الأول نريد أن نزرع الأمل في الشباب بجنوب تونس لجذب الاستثمارات إلي هذه المنطقة المهمشة فالمعروف أن الاستثمارات السياحية في تونس موجودة في الشمال والسواحل مما دفع الشباب في جنوب تونس للهجرة، وترك هذه المنطقة الأثرية الساحرة ولذلك هذا المنتدي دعوة لأبناء الجريد لكي يعودوا ويعملوا في منطقتهم محافظين علي تراثها وتاريخها فضلاً عن بذل الجهد لإحياء تاريخ القوافل الأفريقية الذي كان يمر بمنطقة الجريد كنقطة استراحة مهمة في الصحراء للوصول الي مصر ومنها لعبور البحر الأحمر للوصول بالتجارة إلي الهند في القرن الرابع حتي القرن الثاني عشر الميلادي وفي تلك الفترة شهدت منطقة الجريد انتعاشاً اقتصادياً كبيراً.

أما الشاعر والكاتب التونسي الكبير «محمد الهاشمي بلوزة» رئيس الجمعية الدولية لأصدقاء ومحبي الجريد أضاف قائلاً: إن الحمعية تأسست بهدف تحديث منطقة الجريد وتنميتها وهي تضم أبناء الجريد سواء المقيمين بها أو المقيمين بالمدن التونسية او الذين يعيشون خارج تونس كما تضم الجمعية أعضاء أجانب كثيرين يعشقون منطقة الجريد ويأتون اليها سنوياً ومنطقة الجريد هي واحة من واحات الجنوب التونسي ولها تاريخ طويل أثبتته الحفريات وكانت هناك علاقات قوية بين مصر ومنطقة الجريد قبل التاريخ الاسلامي كانت توجد هجرات مصرية فرعونية الي منطقة الجريد ولعلك تلاحظين ان هناك العديد من الطقوس التي تكاد تتطابق مع بعض المدن في صعيد مصر، وأيضاً بعد الفتح الاسلامي هاجر بنو هلال من مصر الي الجريد.

وعن دور المجتمع المدني متمثلاً في الجمعيات الأهلية في تنمية المجتمع اقتصادياً يري الشاعر والكاتب الكبير «محمد الهاشمي بلوزة»: إن المجتمع المدني بجمعياته ليس لديه تحفظات سياسية فهدفه الأول هو الرغبة، في التنمية والتحديث والجمعية الدولية لأصدقاء الجريد تعمل في اطار هذه الرغبة فقمنا بالعديد من المشروعات التنموية بمنطقة الجريد وهذا المنتدي يضم عدداً كبيراً من ممثلي البنوك والهيئات الاقتصادية التونسية والعالمية ورجال اعمال اجانب وتونسيين لتشجيع اصحاب المؤهلات العليا من أبناء الجريد لاقامة مشروعات اقتصادية خاصة بهم ودعمهم مالياً وفنياً بالخبرات أيضاً هناك مشروع ضخم تم استخراج التراخيص الخاصة به وتم توفير المكان، وهو عبارة عن طائرة عملاقة تنطلق عبر الزمن وتعود في ثلاثين ثانية، وتتكلف الرحلة حوالي ستة آلاف يورو مع الاقامة لمدة يومين وسوف يتم استخدام مطار توزر الدولي والذي شهد هبوط اول طائرة «كنكورد» صنعتها فرنسا، كذلك يتم التفكير في اقامة مشروع لكبار السن من الاجانب والتوانسة الذين يريدون الاقامة في مكان صحي ومشمس طوال العام ويتلقون رعاية طبية وستسمي اقامات لكبار السن وأخيراً تم بحث اقامة كلية طب لغير المقيمين بالاشتراك مع كليات طب عالمية أمريكية وفرنسية وبريطانية وغيرها وبأطباء تونسيين وستخصص للطلبة غير المقيمين من افريقيا وأوروبا مقابل اموال وسوف يتخرجون فيها وفقا لأحدث المعايير الدولية مما يتيح فرص عمل لالاف الشباب الجريديين.

ويتمني الشاعر والكاتب الكبير «محمد الهاشمي بلوزة» ان يتم توقيع بروتوكولات تعاون مشترك بين منطقة الجريد التونسية وبين منطقة الواحات المصرية لتبادل الخبرات خاصة أن منطقة الجريد تنتج اجود انواع التمور في العالم ولكن لا يقارن هذا الانتاج بالكمية التي تنتجها مصر من التمور فنحن لدينا معهد متخصص لدراسة النخيل ومداوته واستخراج الصناعات من النخيل وهو لايتوفر بنفس القدر في مصر والعكس مصر لديها منتج هائل من التمور غير متوفر في تونس فلماذا لايتم التنسيق والتعاون بين البلدين الشقيقين؟!

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل