المحتوى الرئيسى

ائتلفوا يرحمكم الله

03/20 17:34

ما أحوجنا اليوم إلى قيم ومفاهيم عاشت عليها الأمة وتمسكت بها حقبًا مديدة فكانت بعض - بل أهم - عوامل وعناصر سؤددها ورقيها وقوتها ومنعتها، ومن أرفع هذه القيم وأجلها شأنًا قيمة الوحدة والاجتماع والتآلف والتآزر بين أبنائها في كل بقعة من بقاعها في مشارق الأرض ومغاربها، وكم كانت هذه الأمة مثالًا للعزة والقوة والإباء في عصور استمساكها بهذه الوحدة الجامعة لها، كما يجمع العقد الثمين خيط الحرير النفيس، فكانت مُهابة الجانب محذورة الغضبة والبأس، لا يجرؤ عادٍ على المساس بتخومها ومحارمها.

ولأن لكل جوهر مظهرًا، فقد كان أحد وأهم مظاهر جوهر هذه الوحدة هو التفاف الأمة على رمز لها؛ كان هو الخليفة والإمام والسلطان والحاكم، وبمصطلح  العصر الحديث يمكن أن نسميه اليوم: رئيس الجمهورية، على خلاف في الجذور السياسية لتوليه هذا المنصب في سدة حكم الأمة المسلمة.

فرئيس الجمهورية اليوم هو ولي أمر المسلمين ورمز وحدتهم في بلده المسلم، وتتحقق فيه هذه السمات من خلال قيامه بواجبات منصبه الدينية والدنيوية والتفاف الأمة من حوله، واجتماعها عليه، تقف الأمة صفّا واحدًا يعتصم بحبل الله المتين، بنيانًا مرصوصًا يشد بعضه بعضًا، ممثلًا قوة عظمى يخشى العدو بأسها ويحرص الجميع على أن يخطب ودها، وينال أمانها.

ولهذا منع الشارع الحكيم من الافتئات عليه أو الخروج بلا مسوغ يسوغ ذلك؛ حفاظًا على كيان الأمة ووحدتها التي تصون قوتها والحفاظ على وحدة الأمة في دار الإسلام يقتضي أن يقود الأمة قيادة سياسية واحدة تحركها نحو أهدافها؛ ولهذا كانت القاعدة العظيمة لشريعتنا الغراء الائتلاف من أصول الدين، وهي تقتضي الالتفاف حوله قولًا وعملًا، ونبذ التفرق والاختلاف؛ ولهذا حث الله - عز وجل - المسلمين ودعاهم إلى الوحدة في كثير من الآيات الكريمة، والأحاديث الشـريفة، ونفًّرهم عن التفرق والتنازع، وفي هذا يقول - سبحانه وتعالى-: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وذهاب الريح هو ذهاب القوة القاضي بالضعف والإذلال، ثم الفناء والزوال؛ ومن ثم تكون الفرقة هي القاضية على الدين والدنيا معًا.

وقد نهى الله تعالى عن التنازع؛ لما فيه من الفشل والخيبة وزوال الوحدة التي هي معقد العزة والقوة.

وفي تفسير هذه الآية يقول: الشنقيطي - رحمه الله -: قوله - تعالى-: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)الآية، نهى الله - جل وعلا - المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن التنازع، مبينًا أنه سبب الفشل، وذهاب القوة، ونهى عن الفرقة أيضًا في مواضع أخرى...، وقوله في هذه الآية: (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي: قوتكم، وقال بعض العلماء: نصركم؛ كما تقول العرب: الريح لفلان؛ إذا كان غالبًا، ومنه قوله:

فوقوع النزاع سبب للفشل، وذهاب الريح، وتسلط الأعداء، ومن هذا يعلم أن ما وقعت فيه الأمة الآن من تسلط الأعداء عليها سببه الأساس هو عدم وحدتها وتفككها وتناحرها فيما بينها.

   فإذا أرادت الأمة الخلاص من ذلك، فلا بد من العودة إلى الوحدة؛ لأن الوحدة سبب للعزة، وبالعزة يعتز الحق، ويعلو في العالمين، وبالقوة يحفـظ الحـق وأهلـه مـن هجمـات المفسدين وكيد الكائدين. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ).

وقد نبهت سورة آل عمران على الاتحاد كعامل من عوامل النصر، فقـد أمـر الله تعالـى الأمـة بـالاتحاد، ونهى عن التفرق، فقال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).

ونهى الله ? سبحانه وتعالى ? عباده عن الفرقة، فقال: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

وقـد أعلـن الإسـلام بـراءته مـن الـمفرقين، فقـال تعـالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)، وقال تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).

فالتفرقة تضعف شوكة المجتمع، وتجعله مجتمعًا هزيلًا مُهانًا بين المجتمعات القوية، والتفرقة خلاف الاتحاد الذي دعا إليه رب العزة -سبحانه- من خلال ما مضى من الآيات التي تأمر المسلمين بالوحدة والاعتصام وتنهاهم عن الاختلاف والتفرق في الدين، وهو ما أكدت عليه أيضًا السنة النبوية المطهرة - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام -، حيث أكدت وقررت ما جاء في القرآن الكريم من الدعوة إلى الاتحاد والألفة والتحذير من الاختلاف والفرقة.

فمن الأحاديث التي جاءت في الأمر بلزوم الجماعة وتحريم الخروج عليها، ما رواه العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فماذا تُهْدِي إلينا؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حَبَشي، فإنه مَنْ يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».

وقال - صلى الله عليه وسلم - «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار«. قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: «كان حريصًا على قتل صاحبه».

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل