المحتوى الرئيسى

مرار أهالي العسال

03/20 10:26

وحضرنا السؤال عن كيفية لقاء والده الذي فقد فلذة كبده وأسرته التي خيم الحزن علي منزلهم بعد أن قتل نجلهم في معركة لم يكن لهم فيها ناقة ولا جمل‏..‏

استطاعت الأهرام المسائي برغم كل الصعاب التي واجهتنا والتي كان أولها الحالة العامة لأهالي شبرا بعد أن اتشح الجميع بالسواد وخيم الحزن علي المنطقة وازدادها الظلام في الشوارع رهبة في قلوب الجميع‏.‏

وبرغم خطورة الوضع حيث يسمع كل من يقترب من منطقة العسال بشبرا أصوات طلقات الرصاص تدوي وتنير سماء المنطقة المظلمة إلا أنه لم يكن مستحيلا الوصول إلي مكان الأسرة المكلومة التي أتشح أهلها رجالا ونساء بالسواد والحسرة علي نجلهم سعد‏.‏

مسح الرجل وجهه بيديه المبتلة بالدموع وقال لن يعوضني مال الأرض عن ولدي ونظر في الأرض ثم تابع قائلا بصوت حزين‏:‏ بعد يوم شاق قضيته في عملي كسائق بأحد المدارس الخاصة عدت إلي منزلي مجهدا في الرابعة عصرا فوجدت أبني سعد يطلب مني الذهاب إلي المدرسة مع زملائه كي يلعب كرة القدم كعادته‏.‏

فطلبت منه عدم الذهاب والالتفات لدروسه ولكن تحت ضغط وإلحاح منه رضخت لمطلبه ونصحته تناول وجبة الغداء أولا قبل الخروج من المنزل لكي يستطع تحمل عناء اللعب‏,‏ فاستجاب لنصيحتي واكل قليلا من الطعام ثم ارتدي ملابسه الرياضية وقبلني‏,‏ فطالبته ألا يحضر متأخرا كي يستذكر دروسه‏.‏

و بعبارات من الحزن ونبرات من الآسي أكمل الأب السيد حسن‏50‏ سنة حديثه قائلا‏:‏ كنت قلقا علي خروجه هذه المرة ولا أدري لماذا فكأن هواجس عدة أنتابتني وسيطرت علي أفكاري لكنني سرعان ما طردتها ودخلت كعادتي إلي مخدعي للخلود مبكرا إلي النوم

وبعد ساعات قليلة أيقظتني زوجتي وأخبرتني بتلهف وقلق شديدين بأن ابني سعد تشاجر مع بعض الأشخاص أثناء لعبه الكرة في مدرسة شبرا الإعدادية‏,‏ فهرعت علي الفور إلي المدرسة وقابلت أحد أصدقائه والذي قص علي ما حدث منذ البداية وأخبرني بأنه أثناء لعبهم الكرة بالمدرسة حضر إليهم مجموعة من الأشخاص علي رأسهم أحمد جمال صابر نجل القيادي السلفي وأخبرونا بأنهم قاموا بتأجير أرضية الملعب في هذه الساعات قبلهم‏,‏ ونتيجة لكبر سنهم وأسلوبهم المتغطرس في الحديث آثر ابني سعد وزملاءه السلامة وذهبوا لارتداء ملابسهم والخروج من فناء المدرسة‏.‏

وأضاف صديق سعد‏:‏ بأنهم أثناء خروجهم من المدرسة اعتدي ابن جمال صابر علينا بالسب والشتم ورفع علينا سلاحا أبيض كزلك كان بحوزته وبدأ في ملاحقتنا هو وبعض زملاءه مهددين الجميع بالانتقام والضرب‏,‏ وأثناء المناوشات قام أحمد جمال صابر بطعن أبني ثلاث طعنات في الظهر والقلب والرئة فسقط مضرجا في دمائه‏.‏ وأضاف سعد بأنه شعر بتوقف كل أجزاء جسده عن الحركة وكأنه أصيب بشلل تام وهرع وقدماه بالكاد تحمله إلي مستشفي شبرا العام ليجد جسد ابنه جثة هامدة بلا حراك‏.‏

تنهد الأب وابتلع مرارة في حلقة واستكمل قائلا‏:‏ جلست علي أرضية المستشفي حتي أستوعب الصدمة ثم بدأت أستعيد قدرتي علي التفكير مجددا وهداني أحد الأطباء بالتوجه إلي قسم شرطة روض الفرج لكي أبلغ عن الواقعة حتي لا يضيع حقه‏.‏ توجهت إلي مقر القسم والتقيت بضابط المباحث وحكيت له ما حل بفلذة كبدي ووجهت إتهامي المباشر إلي أحمد جمال صابر بإزهاق روح أبني‏.‏ فسألني الضابط عن وجود شهود عيان للجريمة من عدمه فاتصلت بأصدقاء ابني وطالبتهم بالحضور إلي ديوان القسم إلا أنهم أخبروني أن الاشتباكات اندلعت بالمنطقة وساد الهرج والمرج وخشي كل منهم علي حياته وسط إطلاق النيران من كل حدب وصوب‏,‏ وأثناء وجودي بالقسم حضر بعض الأشخاص الذين لم أكن أعرفهم وشاهدتهم للمرة الأولي بالقسم وقابلوا رئيس المباحث وأخبروه بأن هناك شائعة باقتحام بعض الشباب لأحد المساجد وجئنا لنخبرك بأن هذا الكلام غير صحيح لأننا نقوم علي خدمة المسجد والمشاجرة التي تشهدها روض الفرج سببها قيام ابن جمال صابر بقتل أحد الشباب بالمدرسة‏.‏

وحينها أثلج الله صدري بهؤلاء الأشخاص الذين اعتبرتهم هدية السماء لتأكيد أقوالي وإظهار الحق‏,‏ وفي صباح اليوم التالي توجهت إلي النيابة وأدليت بأقوالي في الواقعة‏.‏

ويختتم الأب حديثه الحزين قائلا‏:‏ حتي الآن لم أدفن جسد ابني ولن أقيم سرادق عزاء حتي يأخذ القانون مجراه وتنفذ قرارات النيابة بالتحقيق العادل في الواقعة وتحقيق القصاص الكامل من الجناة مهما كانت سطوتهم أو نفوذهم‏.‏ وفي استجابة بطيئة وثقيلة لسؤالنا له أجاب الشقيق الأكبر للضحية محمد‏19‏ سنة وتكسو وجهه علامات الحزن والأسي وهمهم بكلمات تغلفها الدموع وقال‏:‏ حسبي الله ونعم الوكيل فيمن قتل شقيقي وأنا علي ثقة بأن حقه لن يضيع لأن الجميع من أهالي منطقة العسال يحبون شقيقي الذي كان يتمتع بسيرة عطرة بين الجميع والتقط وليد زكريا‏45‏ سنة زوج خالة سعد أطراف الحديث قائلا‏:‏ تربي سعد علي يدي وكان شابا خلوقا حسن السير والسلوك محبوبا من الجميع والدليل علي ذلك حالة الغضب التي انتابت أهالي المنطقة فور سماعهم لخبر مقتل سعد ولن تهدأ ثورتهم إلا بعد أن يجدوا الجناة في قفص الاتهام وتطبق العدالة عليهم‏,‏ فالحزن أصاب شبرا كلها ومنطقة العسال تحديدا‏.‏ وتساءل وليد في حسرة وحزن شديدين‏:‏ إلي متي يضيع دم أبنائنا هدرا دون ذنب أو جريرة‏,‏ وإلي متي تخسر الأمهات فلذات أكبادهن هباء‏,‏ وإلي متي نعيش بلا أمن يدفع ثمن غيابه أطفال وشباب في عمر الزهور‏.‏

اتسعت عيناه مذهولتين لا يغلقها إلا الدموع التي تأبي التوقف أسارير عرف الحزن كيف يخطها علي قسمات وجه رغم غضبه الكبير لم تجزع راضية بقضاء الله‏,‏ اللهم إلا السؤال الدائم الدق علي رأسه‏..‏ لماذا ؟ هكذا كانت ملامح والد سعد ذو الستة عشر ربيعا سارق الفرحة من الجميع هنا في العسال قبلات كانت تطبع في سكون ووقار علي الرأس الذي يدعو الجميع له أن يرزقه البارئ الصبر والربط علي قلب راضي بحكم الله‏..‏

تلفتت في بطء وهدوء غريب بوجه نحته الحزن وبملامح كالصخر أبت في سكون وإباء وشمم وأن ترد أو تتكلم مع من سواها من البشر وهي تعلم أنه لن يعوضها كائن من كان عن قطعة منه خرجت كعادتها للعب مع الاقران والاصحاب ولكن القدر شاء أن ترجع مسلوبة الروح مزهوقة بأيد آثمة استكثرت الفرح علي أسرة بسيطة‏.‏

الصمت والسكون والهدوء والتمتمة بالدعاء بالرحمة والصبر هم لغة الام الصابرة الصامتة وحياتها الجديدة التي يعلم الخالق وحده كيف ستخرج منها وكيف ستجتاز الكارثة والمصاب والحبيب الذي لن تنساه‏.‏

أهم أخبار حوادث

Comments

عاجل