المحتوى الرئيسى

رابطة الكتاب الأردنيين تصدر "المشهد القصصى فى الأردن"

03/18 23:32

انتهت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء من طباعة كتاب المشهد القصصى فى الأردن؛ نصوص ودراسات، وهو من إشراف وإعداد جعفر العقيلى ومحمود الريماوى ويوسف ضمرة. الكتاب جاء نتاجاً للشراكة الفاعلة بين الجمعية ورابطة الكتاب الأردنيين، التى وقعت اتفاقيتها بمكتبة الإسكندرية فى اجتماع اتحاد الكتاب العرب.

سيدشن الكتاب فى المملكة الأردنية الهاشمية خلال الأيام الثقافية المشتركة التى ستنفذها الجمعية فى الفترة من 20 إلى 25 إبريل القادم. العمل تم تصميمه وإخراجه وإصداره من قبل مؤسسة بيت الغشام للنشر والترجمة، امتداداً لنشاطها الثقافى الفاعل فى المشهد الثقافى العمانى والعربى.

يقول الدكتور موفـّـق محادين، رئيس رابطة الكتاب الأردنيين، فـى إطار مشروعٍ طَموح، يحتفى بالمبدعين فـى الأردن فـى حقول الشعر والقصة والرواية والنقد المعرفـى، يأتى هذا الإصدار المكرَّس لكتّاب القصة، الذى ما كان له أن يرى النور لولا الجهد الحثيث الذى بذله فريق الإشراف والإعداد من الزملاء المشهود لهم فـى بيت الخبرة الأدبية، رابطة الكتّاب الأردنيين.

هذا الإصدار هو إحدى ثمار اتفاقية التعاون الثنائى بين الرابطة والجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء، وهى اتفاقية تجسّد شراكةً حقيقية وفاعلة عبر الإصدارات المشتركة والأسابيع الثقافية المتبادلة التى تعرّف كل ساحة بالمنتَج الثقافـى فـى الساحة الأخرى بما يُثرى المشهدَين معاً، ويضىء على تجلّيات الإبداع فـى كلٍّ منهما. ولا بدّ فـى هذا المقام من الإشادة بدور الزملاء فـى الجمعية، وفـى طليعتهم مجلس إدارتها ورئيسها الصديق الدكتور محمد العريمى، فـى تحقيق التواصل الإبداعى المتبادَل، الذى نأمل أن يؤدى إلى تحفيز الأوساط الثقافية العربية عموماً من أجل المزيد من المبادرات فـى هذا المجال. فإذا كانت الثقافة عنواناً لحضور الأمم ومجدها وذاكرتها الحية وعقلها الجمعى ووجدانها الخصب، فإن العربَ فـى يومنا هذا أكثرُ حاجةً لها من أى وقت مضى، قبل أن نغيب فـى الظلام، ويستقيل العقلُ أو يغيب فـى سبات طويل.

يشهد هذا الكتاب الذى يضم مختارات من القصة فـى الأردن إلى جانب دراسات حولها، على دوام ازدهار هذا الفن، وتفتُّحه فـى بقعة عزيزة من بقاع عالمنا العربى مترامى الأطراف هى الأردن، كما هى الحال فـى دول شقيقة أخرى، على أن الغرضَ من هذا الكتاب يتعدى البرهنة على حيوية فن القصة، إلى محاولة رصد مسيرته فـى الأردن منذ ما قبل منتصف القرن الماضى (استقلّت المملكة الأردنية الهاشمية فـى العام 1946) عبر تقديم حشد من النماذج القصصية الدالّة، بعضُها لقاصّين راحلين أمثال: عيسى الناعورى، حسنى فريز، محمود سيف الدين الإيرانى، أمين فارس ملحس وغالب هلسا ممن عرفتْ منابرُ ثقافية عربية حضوراً لهم منذ أواسط القرن الماضى، علاوة على راحلين آخرين قضى بعضهم وهم فـى زهرة شبابهم أمثال: مؤنس الرزاز، بدر عبد الحق ومحمد طُمّلية.

خلصت لجنة إعداد الكتابة إلى القول: "ولا ريب أنه مع إخفاقات حركة النشر العربية، وصعوبة وصول الإصدارات إلى هذا البلد العربى أو ذاك فـى بلدان المشرق والمغرب، فسوف يتعرف جمهورٌ من القراء العرب على صفحات هذا الكتاب، وللمرة الأولى فـى بعض الحالات، على نماذج قصصية لافتة تعكس التطور الذى أصاب فن القصة، وتضيء على البيئة الأردنية وخصائص المجتمع المحلى، وتتناول شواغل قومية وإنسانية عامة كما تعكسها مرآةُ القاص وحساسيته السردية، وتواكب القضية الفلسطينية تشريداً ولجوءاً وصموداً ومقاومة.. وهذا هو بعضُ غايات إصدار هذه المختارات الواسعة، التى تتجاور على صفحاتها نماذج لأجيال عدة، وأنماط شتى من المعالجات القصصية محمولة على رؤى فكرية متباينة. ولأسباب إجرائية تتعلق بصعوبة جمع نماذج لجميع القاصين والقاصات فـى الأردن، فقد ارتأت لجنة الإشراف والإعداد التى شكّلتها رابطة الكتاب الأردنيين، أن تتوقف هذه المختارات عند نماذج لقاصين وقاصات ممن بزغوا ونشطوا قبل مُختَتم الألفية الثانية، ليُستكمَل المشروع بإصدارٍ خاص من مجلة «أوراق» الثقافية (عدد مزدوج، 38/39 فبراير 2013)، اشتمل على نماذج وافرة لقاصين شباب من الجنسين شقّ العديد منهم طريقهم فـى بحر السنوات العشر الأخيرة، إضافة إلى الأجيال السابقة عليهم - وبعض ممثلى هذه الأجيال ما زالوا يواصلون عطاءهم القصصى، مع دراسة نقدية وقفت على رصد نتاج القاصين الجدد. أمّا كتاب المختارات هذا، فاشتمل إلى جانب 59 نموذجاً قصصياً، على دراستين تضيء إحداهما على مراحل نشوء الفن القصصى فـى الأردن وتطوره على مدى زهاء نصف قرن، وتكشف أن الحياة الثقافية والإبداعية فـى هذا البلد قد تفاعلت - بدرجات وتدرّجات - مع مرحلة النهضة الثقافية العربية التى كانت تعتمل فـى بلدان كمصر والعراق ولبنان وسوريا، منذ ما قبل أربعينيات القرن العشرين، وقد ازدادت ابتداءً من عقد الستينات الذى ازدهرت فيه حركة التجديد الواسعة التى أصابت الشعر والنقد وسائر الفنون السردية، ومنها الفن القصصى فـى العالم العربى. هذا مع الأخذ فـى الحسبان مساهمة المكون الأردنى/ الفلسطينى فـى هذا الحراك، نظراً لأن الضفة الغربية المحتلة كانت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية حتى العام 1967، تاريخ الاحتلال «الإسرائيلى» للضفة الغربية، ولكون القضية الفلسطينية قضية أردنية داخلية فـى وعى الأردنيين ووجدانهم، ما يدلّل على مدى أولويتها الوطنية والقومية.

أما الدراسة الثانية، فتتناول سؤالَ الهوية وبعض السمات العامة للشخصية الأردنية كما تبدو فـى المشهد القصصى فـى الأردن، وتتتبّع عدداً كبيراً من المجموعات القصصية، للوقوف على استخلاصات غير مجتزأة تتسم بالموثوقية، ما أمكن، فـى ما يخص الهوية الأردنية وأهم الملامح فـى الشخصية الوطنية الأردنية. ومع هاتين الإضاءتين النقديتين، فإنه يسع النقاد والدارسين والأكاديميين والقراء وجمهرة المتذوقين العرب ممن يقع هذا الإصدار بين أيديهم وتُتاح لهم فرصة قراءة المختارات التى يشتمل عليها، أن يخرجوا بانطباعاتهم الحرة وملاحظاتهم الخاصة على المشهد القصصى فـى الأردن غير المنقطع عن المشهد القصصى فـى أفقه العربى، بل هو فـى واقع الحال أحد مكوناته الرئيسية، ورافد أساس من روافده. وسيكون جهدُنا عظيمَ الإثمار لو أن هذا الإصدار يُحفز ناقداً عربياً أو أكثر على دراسة تطور القصة فـى الأردن، واستنباط ما هو مخصوصٌ وعامّ فيه، أو لو أن أكاديمياً فـى كلية آدابٍ تتبع جامعةً عربية، وجّه طلبَته الدارسين لقراءة النصوص القصصية المتضمَّنة هنا قراءةً متفحصة كيما تكون جزءاً من مراجعهم وعدّتهم التحصيلية فـى باب دراسة تطور فنون السرد، وكذا الحال مع المترجمين الذين يُعنَون بنقل ثمرات الإبداع السردى العربى إلى لغات حية. علماً أن غالبية النماذج القصصية المختارة سبق نشرُها فـى مجموعات خاصة بمؤلفيها، ولم يكن فـى الوارد نشر قصص جديدة، فذلك مناط اهتمام المجلات والدوريات الثقافية السيّارة، لا كتاب مختاراتٍ كهذا يعرض مشهداً بانورامياً ممتداً فـى التاريخ القريب، ومتنوعاً فـى مشمولاته تنوُّعَ القاصين وأنماط كتابتهم.

دراسات ابتدأ الكتاب ببحث الدكتور محمد عبيد الله الذى تناول القصة القصيرة فى الأردن، خطوات وعلامات، وهو ناقد وأكاديمى وشاعر، ومما قاله: تتحدد بدايات القصة القصيرة الأردنية وفق معظم آراء مؤرخى القصة القصيرة بظهور مجموعة «أغانى الليل» لمحمد صبحى أبو غنيمة (1902-1970) التى طبعت فى دمشق بمطبعة الترقى عام 1922. أما مجموعة «أول الشوط» لمحمود سيف الدين الإيرانى (1912-1974) التى صدرت فى يافا عام 1937، فهى بداية شوط قصصى طويل لكاتب متميز تمكن من متابعة تجربته وتطويرها طوال العقود التالية. وهناك إسهامات أخرى لعيسى الناعورى، وعبد الحليم عباس، وأديب عباسى، ومصطفى وهبى التل، وغيرهم ممن نشروا قصصاً متفرقة فى بعض الصحف والمجلات قبيل منتصف القرن العشرين. لكن تلك البدايات، ومهما تكن قيمتها الفنية، إلا أنها أسهمت بصورة أو بأخرى فى لفت انتباه الناس إلى قيمة القصة ومدى مقدرتها على التعبير عن التحولات المتسارعة التى عصفت بالناس وبمجتمعهم ومحيطهم العربى كله.

الناقدة والقاصة كوثر الجندى تحدثت فى ثانى إضاءات الكتاب عن سؤال الهويّة وملامح الشخصية الوطنية فى القصة القصيرة الأردنية، التى توصلت إلى خلاصةٍ مفادها: ليس بمقدور أحد إنكار نظرية التطور العضوى للكائنات، فهناك من الأدلّة العلمية ما يجعل هذا المبدأ من بدهيات العلوم الحيوية، ومع هذا فإن تطور النوع لا يعنى تحوله تماماً إلى آخر. لكن يمكن للنوع أن ينقرض لأسباب كارثية أو بفعل عوامل نادرة الحدوث. وبتطبيق هذا المفهوم الحيوى على الفنون والآداب، فإننا نستطيع أن نفهم لماذا لم تنقرض المأساة والملهاة من المسرح، رغم تجاوز المبادئ التى حاول إرساءها أرسطو لحصر الفنون المسرحية بهذين الشكلين فقط، كما نستطيع أن نفسر لماذا لم يتوقف الشعراء العرب عن نظم القصيدة العمودية التقليدية رغم انفلات القصيدة من عقال قواعد نظم الخليل. إن تطور الأنواع الأدبية لا يعنى فناءها، إلا إنه لا ينفى أيضاً ظهور أشكال جديدة منها، أو نشوء أنواع أخرى تستحق التسمية بعد تبلور ملامح خاصة بها تميزها عن باقى الأنواع المعترف بها. من هنا، فإن فن القصة القصيرة كنوع أدبى، والذى بات عريق التقاليد بين باقى الأنواع الأدبية، يجوز له أن يتطور إلى أشكال أخرى لا يمكن التنبؤ الآن بمداها، لكنه فى الظروف الطبيعية لن يذوب أو ينقرض. وفى الحديث عن القصة القصيرة الأردنية، فإن كل هذا الجدل الدائر حول انفتاح الأجناس الأدبية، وعن تنظير بعضهم للنص المفتوح، لا يهدد بقاء القصة القصيرة فى المشهد الأدبى الأردنى، ولا يمسّ جوهرَ وجودها سعيُها للتحديث والمواكبة فى شكلها. فالقصة القصيرة ما زال لها حضورها وبريقها وجاذبيتها، وما زال المبدعون من القاصين يلوّنون بها فى الساحة الأدبية الأردنية، فينوّعون فى تقنياتهم ويحدّثون أدواتهم كى يزدهى ويكتمل المشهد الأدبى، إخلاصاً منهم لهذا النوع القادر على أداء دور فاعل فى الجذب والتأثير. ولعلّ غِنى بستان القصة بأشجار محمّلة بالثمار المتنوعة يمكّننا من الركون إلى متانة الجذور وتنوع المذاقات فى دراسات مثمرة فى سائر الحقول.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل