المحتوى الرئيسى

طارق الشناوي يكتب: جضحكة سعاد وشجن فريد!

03/13 10:00

دائمًا ما يستقر عمل فنى واحد فقط فى وجدان الناس، ليصبح هو عنوان المناسبة، وتموت بجواره كل الأعمال الفنية الأخرى.. مثلًا عيد الأم والذى نحتفل به فى الأيام القادمة، لا يتبقى سوى «ست الحبايب»، شعر حسين السيد وموسيقى محمد عبد الوهاب، وبصوتى فايزة أحمد وعبد الوهاب.. فى احتفالات السد العالى «قلنا ح نبنى وادى احنا بنينا السد العالى» لأحمد شفيق كامل وكمال الطويل وعبد الحليم.. لو عدت إلى أرشيف الإذاعة لاكتشفت وعلى أقل تقدير أن السجلات تحتفظ بعشرات من الأغانى قُدّمت فى عيد الأم لكل من صباح وفوزى ونجاة وشادية ووردة وعلى الحجار وغيرهم.. وللسد العالى غنّى كل المطربين، على رأسهم عبد الوهاب وفريد ونجاة وفايزة، أم كلثوم لها قصيدة من شعر عزيز أباظة وتلحين رياض السنباطى، والتى تقول فى أحد مقاطعها «يفتح الرزق وهو سد فينساب جنوبا فى أرضنا وشمالا».. كما أن عبد الوهاب محمد كتب لها أغنية أخرى لحّنها رياض السنباطى، تقول كلماتها «حوّلنا مجرى النيل يا سلام على ده تحويل»، لم تعش فى الذاكرة أى من هذه الأغنيات، ولكننا كلنا لا ننسى عبد الحليم وهو يردّد «ضربة كانت من معلم خلّى الاستعمار يسلم»!

أرى دائمًا أننا نميل إلى اختصار الموقف الوطنى أو الاجتماعى أو السياسى فى أغنية واحدة، حتى فى مناسبة مثل الربيع، فإنها قد صار لها عنوان واحد «ربيع فريد الأطرش»، وكأنه ارتباط شرطى، الربيع يساوى فريد، والتى يطلق عليها فى الشام أغنية «الفصول الأربعة»، لأن شاعر الأغنية مأمون الشناوى، كان يكتب عن تغيّر الحب بين فصول العام الأربعة، وليس للربيع فقط «وادى الشتا يا طول لياليه ع اللى فاته حبيبه.. يناجى طيفه ويناجيه ويشكى للوجود تعذيبه».. حتى جاءت أغنية كمال الطويل وصلاح جاهين «الدنيا ربيع والجو بديع قفّلى على كل المواضيع.. مافيناش كانى ومافيناش مانى، كانى مانى إيه ده الدنيا ربيع» من فيلم «أميرة حبى أنا» لحسن الإمام عام 74، ومنذ ذلك التاريخ صارت للربيع أغنيتان نشعر فى ترديدهما بقدوم نسماته!

سر «الدنيا ربيع» أن جاهين والطويل وسعاد قدّموا وجهًا ضاحكًا ينضح بالتفاؤل والشقاوة، بينما مأمون وفريد قدّما وجهًا تسكنه ومضات الشجن.. ولا يحدث ذلك فقط فى مجال الأغنية، ولكن فى السينما أيضًا يتكرر نفس الموقف، مثلًا بعد فيلم «الكرنك» لعلِى بدرخان، الذى صار يعبّر عن تكثيف للوجه القمعى لزمن عبد الناصر لما كان يُعرف فى منتصف السبعينيات بسينما مراكز القوى والتعذيب.. قُدمت تنويعات عديدة من الأفلام على نفس التيمة، كلها تسعى إلى زيادة مساحات التعذيب والاغتصاب أكثر، لأنهم توقّعوا أنها سوف تحطّم الإيرادات تحطيمًا، ولكن ما حدث هو أن الناس نسيت كل هذه الأفلام ولم يتبقَّ سوى «الكرنك»، وفيلم «رد قلبى» لعز الدين ذو الفقار 58، بين عشرات من الأفلام يحتل مكانة مميزة، فهو فى صدارة أفلام ثورة يوليو، والناس تعارفت على أن الأميرة «إنجى» مريم فخر الدين، والبرنس «علاء» أحمد مظهر، وضابط الشرطة «حسين» صلاح ذو الفقار، وضابط الجيش «علِى» شكرى سرحان، ابنى الباشجناينى حسين رياض، والسفرجى الأسمر «إدريس»، صاروا أبطال أحداث الثورة.. لا شك أن كل الأفلام التى قدّمت بعد ذلك سارت على نفس الدرب، ولكن «رد قلبى» هو فقط الفيلم الذى يحمل ختم النسر.. فى عيد الربيع ننسى كل الأغنيات وظل ربيع «فريد الأطرش» متربعًا على العرش، وعاشت الربيع 30 عامًا ملكة متوّجة حتى ظهر منافس آخر موازيًا لها فى النجاح، لأن صلاح جاهين وكمال الطويل قدّما وجهًا متفائلًا ضاحكًا يقفز منتشيًا بقدوم الربيع، ويقفّل على كل المواضيع!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل