المحتوى الرئيسى

أفلام الحافظة الزرقاء.. ماش

03/07 12:08

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

روبرت ألتمان، مخرج أمريكي كبير، له أسلوب مميز، وقد قدم للسينما أفلاما شهيرة مثل "ثلاث نساء" و"ماش" و"بوب آي" و"حديقة جوسفورد" و"اللاعب".. للرجل أسلوب صاخب مميز في الإخراج يوحي بتدفق الحياة؛ كل الشخصيات على الشاشة تتكلم في وقت واحد والإيقاع سريع جدا، هذه أفلام مربكة جدا في متابعتها وتشعر طيلة الوقت أن شريط الصوت مزدحم جدا، وأن هناك عبارات تقال في الخلفية لا علاقة لها بالقصة، هناك لقطات في فيلم اليوم تدور فيها أربع محادثات في نفس الوقت، على أن هذا يقرّب للمشاهد صخب الحرب وجنونها على كل حال.

على أن أكثر عشاق ألتمان سوف يذكرون دائما فيلم "ماش M*A*S*H" الذي صار من علامات السبعينيات المهمة، وبلغ من نجاحه أنه تحوّل إلى مسلسل تليفزيوني، لعلك رأيت حلقات منه، لفظة ماش هي الحروف الأولى من عبارة:

أي "المستشفى العسكري الجراحي المتنقل"، وهذا هو الفيلم الذي قدم عام 1970، عن قصة ريتشارد هوكر، وله بوستر جميل شديد الذكاء لكني لا أستطيع وضعه هنا، لكنه كان شائعا جدا وقتها حتى كأنه من ملصقات معاداة الحرب، فيلم ماش ساخر له طابع حربي، يحكي عن وحدة طبية خاصة بالجيش الأمريكي أثناء الحرب الكورية، ومع ثلاثة ممثلين هم دونالد ساذرلاند وتوم سكيرت وإليوت جولد.

ظهر هذا الفيلم في نفس الوقت الذي ظهر فيه فيلم حربي ساخر آخر هو "المطب 22 catch 44" لمخرج لامع كان قد انتهى قبلها من فيلم "الخريج" ذي الشهرة العظيمة، وقد توقع الجميع الفشل لماش لكنه ربح المنافسة، وفي ذات الوقت كان هناك فيلمان ضخمان هما "تورا تورا أورا" و"باتون"، وقد تبنى الجيش الأمريكي الفيلمين الأخرين لأنهما يظهران بطولاته.

يذكر الناس كذلك أغنية الفيلم الرائعة "الانتحار غير مؤلم" التي لحّنها جوني ماندل، وهي تلقي أسئلة وجودية مهمة عن كينونتنا، وعما إذا كان هاملت محقا في سؤاله الشهير:

الطريف أن ابن روبرت ألتمان المراهق هو الذي كتب كلمات الأغنية، تم استعمال الأغنية في العرض التليفزيوني فيما بعد، لذا نال الأب 75 ألف دولار عن إخراج الفيلم كله، بينما حصد الابن المراهق مليوني دولار عن الأغنية!

عرض الفيلم في ذروة حرب فيتنام، مع هذا الكم من السخرية من الجيش الأمريكي، لهذا صار هو الفيلم المفضّل لدى الدول التي لديها مشكلات مع الولايات المتحدة، وهذا يضع فيتنام والاتحاد السوفيتي وكل الدول العربية في قائمة المعجبين.. حرب كوريا حرب غير عادلة بالتأكيد، لهذا يشعرنا الفيلم بلذة القصاص، على كل حال لا يوجد في الفيلم أي شيء يخبرنا أن هذه كوريا وليست فيتنام سوى عبارة للجنرال مكارثر في بداية الفيلم هي "فلنذهب إلى كوريا"، السبب هو أن الفيلم بصورته الأولى يوحي بفيتنام بشدة، وهذه تعتبر دعاية مضادة ضد الجيش أثناء حربه، لذا أصرّت الشركة المنتجة على وضع هذه الجملة على سبيل التحايل القانوني.

شاهد الجزء الأول من الفيلم هنا:

نحن في مستشفى ماش الذي يجري الجراحات للقوات الأمريكية في كوريا، الجو وكل شيء يذكرنا بحرب فيتنام، لا نرى أي معارك حربية على الإطلاق.

هنا نلتقي بأبطال الفيلم الثلاثة، هؤلاء هم القردة الذين لا يكفّون عن الصخب وإحداث المشكلات في كل لحظة وكل مكان، وهم يفعمون الفيلم بالحيوية، بيرس وجون وديوك، أحدهم يحمل في جيبه برطمانا مليئا بالزيتون لو دعاه أحد لكأس مارتيني! أنت تعرف دونالد سوذرلاند طبعا من حلقات "بافي قاتلة مصاصي الدماء"، هذه هي أعوامه الأولى عندما كان اكتشافا عبقريا جديدا.

هذا أول فيلم يرينا السخرية والمرح في لقطات واحدة مع الدماء المنبثقة والجروح المتفجرة، والأمر يشبه السلخانة، حيث تتناثر الأطراف في كل مكان، ويتبادل الأطباء النكات وهم يبترون أجزاء الجنود.

أما تسلية الأطباء الأساسية فتأتي عندما تظهر ممرضة متصلبة تلبس الزي العسكري وتفخر دوما بأن "الجيش هو وطني الوحيد"، هكذا يكون هدف الأطباء الثلاثة هو فضحها، خصوصا أنهم يدركون على الفور أنها تمارس تديّنا مزيفا.. وهناك مشهد شهير جدا عندما تنفرد بأحد الضباط في خيمة لتنفجر عواطفها المكبوتة، فيقومون بوضع مكبر صوت ينقل الأصوات المشينة إلى الخارج ليسمعها المعسكر كله! هناك مشهد شبيه بهذا قدّمه خيري بشارة في "قشر البندق".

يكون رد فعل القائد هو ترحيل الضابط الذي انفرد بكبيرة الممرضات إلى مستشفى المجانين.

شاهد مباراة كرة القدم العنيفة والممرضة تصيح "لقد قتلوه":

هناك مشهد ساخر شهير جدا بدوره، عندما يصاب أحد الضباط باكتئاب فيقرر الانتحار، من هنا أغنية الفيلم، لهذا يعد له الأطباء نوعا من "العشاء الأخير" ويفرشون له تابوتا لينام فيه، هنا يستخدم ألتمان إمكانيات الإضاءة والديكور ليعيد إلى الأذهان بالضبط لوحة العشاء الأخير لدافنتشي، يقنعون الطبيب بأن يبتلع كبسولة السم، الحقيقة أنها كبسولة منوّمة، ثم يقنعون ممرضة بأن تمضي الأمسية معه حتى يصحو.. عندما يفيق صباحا يكون الاكتئاب قد زال..

آخر عبارة في الفيلم هي من جندي يرحل عائدا للوطن وهو يردد:

"يا له من جيش لعين!".

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل