المحتوى الرئيسى

«ربيع الجراد» يهدد مصر.. «المصري اليوم» ترصد رحلة مقاومة «الأســــــراب الحمراء»

03/03 00:08

«ربيع الجراد الأحمر»، الذى اخترق الحدود المصرية، منذ 3 شهور يهدد الأخضر واليابس، المصريين وزراعات الوادى والدلتا بعد أن فشل الأشقاء فى السودان فى التصدى للجراد وتوالت اسرابه فى دخول الصحراء الشرقية متجاوزة ما يزيد على 20 سربا فى ثلاثة شهور تتصدى لها فرق المكافحة اليدوية التى تخوض حربا تتوالى غزواتها يوما بعد يوم فى محاولة لمنع هجوم الجراد وإيقاف زحفه تجاه الوادى والدلتا.

«الجراد فى طريقه إلى العاصمة»، شائعة سرت بقوة خلال الأيام الماضية، الدكتور صلاح عبد المؤمن، وزير الزراعة، نفاها وقال إن المكافحة تعمل ليل نهار للقضاء على الأسراب، وإنها لن تدخل القاهرة، فى المقابل كان هناك من يؤكد أنها قادمة لا محالة، خاصة أن تقريرا لمنظمة الأغذية والزارعة للأمم المتحدة «الفاو» حذر من مهاجمة أسراب جديدة لمصر خاصة بمنطقة البحر الأحمر.

وبين النفى والتأكيد، قررنا أن نستطلع الأمر على أرض الواقع، فتوجهنا فى رحلة إلى الصحراء وساحل البحر الأحمر والحدود مع السودان، لنتابع ونرصد «معركة الجراد»، التى باتت تهدد الزراعات والفلاحين بنتائج كارثية إن لم يتم القضاء عليها نهائيا.

كانت الانطلاقة، بعد صلاة الفجر، استقللنا سيارة دفع رباعى إلى البحر الأحمر، عبر طريق (القطامية - العين السخنة)، وصلنا أول قاعدة للجراد فى منطقة الزعفرانة، على بعد 170 كيلومترا من القاهرة، وهناك قابلنا لجنة مكافحة مكونة من سيارتين تحملان موتورين للرش، قادمتين من محيط إحدى شركات البترول تم رصد تجمعات فى محيطها، ومنها توجهنا إلى القاعدة التالية فى رأس غارب، على بعد 100 كيلو متر، وصادف وصولنا عودة فرق المكافحة من أحد الوديان بعد بلاغ من إحدى شركات البترول بوجود بقايا للسرب الذى غزا البحر الأحمر والقرى السياحية ومطار الغردقة ومطار مرسى علم، وأخبرونا أنهم رشوا هذه المنطقة ليلا، ثم عادوا لرشها صباحا، للقضاء على بقايا السرب الذى يتردد أنه فى طريقه للقاهرة.

اتجهنا مع إحدى اللجان إلى واد ملىء بحشائش يطلق عليها «عجول»، تحمل الملايين من أسراب الجراد الميتة جراء الرش ليلا، وقال المهندس رجب أحمد، أحد أعضاء اللجنة، إن تلك الأسراب كانت وصلت إلى الغردقة والمطار وبعض القرى السياحية، ومع اقتراب الليل تجمعت فى الوادى وتم القضاء عليها بعد رشها مساء وفجرا.

والملاحظ أن الجراد اختار منطقة قريبة من البحر وأرضها رطبة وبها أعشاب صحراوية، أتى الجراد على أوراقها الخضراء، وكان السؤال ماذا لو أفلتت هذه التجمعات واتجهت للقاهرة؟

وجهت هذا السؤال لرجال المكافحة، هل أفلتت منكم أية أسراب فى طريقها للقاهرة؟، فكانت الإجابة قاطعة من أحدهم: «بالنيابة عن اللجان الموجودة أؤكد لك أنه رغم كل ما يقال استطعنا إيقاف توجه الجراد شمالا».

وأضاف: «من يتحدث عن تقصير من جانبنا، لابد أن يأتى ويرى مشقة العمل التى نعيشها، أنا و6 مهندسين زراعيين وثلاثة سائقين فى قاعدة واحدة، من 13 قاعدة، يحركنا ضميرنا وحبنا لهذا الوطن، لا نملك دخول أسراب الجراد لحدودنا مع السودان لكن نستطيع التعامل معها على الأرض إذا جاءت لمناطقنا».

أثناء تحركنا إلى الغردقة، مرورا بمناطق رأس شقير وجبل الزيت، لاحظنا مجىء اتصالات من «رصد القوات المسلحة» بدخول أسراب إلى وادى النقرة وعبادى فى أسوان، وكنا قد وصلنا قاعدة الغردقة، وجلسنا حوالى 30 دقيقة، استفسرت خلالها من مرافقى المهندس محسن عبده، رئيس الإدارة المركزية للمكافحة، عما يتردد حول عدم وجود مبيدات، فقال: «لقد رأيت بنفسك كميات المبيدات الموجودة بنوعيها والدولة وفرت كل شىء، ولو لم تكن المبيدات موجودة والمكافحة غير فعالة، لكان وضعنا أسوأ من السودان، التى أتى فيها الجراد على محاصيل الولاية الشمالية، وطلبت حكومتها من مصر التعاون لمواجهة تلك الأسراب التى أصبح وضعها فى السودان كارثيا».

توجهت للمهندس رجب بكرى، مدير المكافحة عن طرق الرصد، لاستيضاح آليات المكافحة، فقال: «البداية تكون من خلال الرصد والمتابعة، حيث يأتى بلاغ من حرس الحدود أو أحد المزارعين لغرفة عمليات محافظة أسوان أو محافظة البحر الأحمر، ثم يتم إخطار الإدارة المركزية للمكافحة، وإدارة مكافحة الجراد، التى بدورها تطلب من أقرب قاعدة الاتجاه مباشرة إلى نقطة البلاغ، للتأكد من مدى جديته، وتقييم الوضع وإذا احتاج الأمر لتدعيم من خلال أقرب قاعدة فى محيط البلاغ يتم تحريك لجان إليها».

وأضاف: «التعامل يتم غالبا مع غروب الشمس، واختفاء الضوء بعد أن يتم ما يعرف بعملية التبييت، أى المكان الذى حط فيه السرب أو البؤرة، ليبدأ الرش ليلا، ومرة أخرى فجرا».

عندما وصلنا إلى سفاجا كانت أكثر من 3 لجان تستعد للتوجه لمساندة لجان منطقتى سيدى سالم، والشيخ الشاذلى، وكان رجال المكافحة يسابقون الوقت لإعداد سيارتهم التى ستتجه لأسوان، على إثر بلاغات من وادى النقرة ووادى عبادى وميناء السد وحجازة قرب قنا ووادى الرديسية بدخول سرب كبير من السودان إلى مصر عن طريق الحدود الجنوبية، متجها إلى الوديان والزراعات الموجودة فى الجبال المتاخمة لحدود مصر مع السودان.

فى هذه الأثناء جاءت أخبار بأن الوزارة رفعت درجة الاستعداد القصوى، ووجهت مديرية الزراعة فى قنا وأسوان والأقصر، للعمل على استخدام الميكنة الزراعية والإدارات الزراعية فى مواجهة الجراد والمساعدة فى مكافحة الجراد.

وشكا بعض السائقين خلال اتصالات مسؤولى المديرية والوزارة لمتابعة الموقف، من نقص السولار، وتعامل محطات التموين معهم على أنهم سائقون عاديون وليسوا ضمن أفراد المكافحة، التى تلزم توافر السولار للقيام بمهامها، وقال المهندس فتحى محفوظ، إنه اتصل بمحافظ أسوان، لتوفير 1000 لتر لرجال المكافحة حتى لا يتوقف العمل.

واتصل الدكتور صلاح عبد المؤمن، وزير الزراعة، ومستشاره الدكتور محمد توفيق، للاستفسار من المهندس محسن عبده عن بعض الأخبار التى نشرت فى وسائل الإعلام، حول دخول سرب إلى أسوان، ما يعنى مشكلة كبيرة خاصة أن السرب يضم 50 مليون جرادة، وينقسم لتجمعات كل منها يضم 5 ملايين.

وتوجه رجال المكافحة فى الأقصر، ومنهم محمد أبوزيد، لقفط وحجازة، وتم الاستعانة برجال الإدارات الزراعية، وإمدادهم بالمبيدات، والتنبيه عليهم فى حالة عدم توافر المبيد أو نفاده، باستخدام مبيد رش النمل ومواتير الإدارات الزراعية.

فور وصولنا مرسى علم، وعلمنا من رجال المكافحة أنهم رصدوا تجمعات فى طريق مرسى علم إدفو، وسيدى سالم، والشاذلى، ووادى عبادى، ويستعدون للتوجه إلى هناك للقضاء عليها، وأثناء ذلك اكتشف رامى العربى، مهندس المواتير، أن أحد المواتير يحتاج إلى بطارية، وتم الاتصال بلجنة فى سفاجا، لإرسال بطاريتين إلى القاعدة .

وفى الصباح، اتخذنا قرارا بتأجيل متابعة المسير لحماطة والشلاتين بعد أن علمنا أنه تمت السيطرة على التجمعات الموجودة فى منفذ حدربا الحدودى، وأنه تم رصد بؤر داخل أحد الوديان فى طريق «إدفو - مرسى علم» الذى يمتد على مسافة 230 كيلومترا، وقالت اللجان التى ما لبثت أن أتت من هناك إن الجراد تم رشه و«حاطط» - أى متوقف - فى الوادى.

اصطحبنا المهندس رضا الفطاطرى، القادم من مطروح إلى مرسى علم للمساندة فى المكافحة، بسيارة تحمل جهاز رش تايفون ونزلنا فى الوادى وكان الرش يتم من داخل السيارة، وبعد قليل شعرت بضيق فى التنفس فطلبت الخروج إلى السيارة الأخرى التى تقف خارج الوادى لمتابعة عملهم «الرش».

بعد الفجر، اتجهت القافلة إلى إدفو فى طريقها لوادى عبادى، الطريق كان جبليا ولاحظت على جانبيه حفريات ولوادر فى الجبال، وعلمت أن أهالى المنطقة ينقبون عن الذهب.

سألت خفيراً بالمنطقة عن أسراب الجراد، وأخبرنى أن الطريق كان مليئا منذ يومين، والسائقون كانوا يصطدمون به، لكنها اختفت بعد الرش وحطت فى وديان قريبة، وكانت البلاغات تنهمر على مدير المكافحة من وادى عبادى ووادى الرديسية والعدوة والنقرة، وواصلنا السير بعد انضمام أكثر من 3 عربات تحمل مواتير وتوقفنا أمام مزرعة فى الكيلو 18 فى المسافة الواقعة قبل إدفو وأخذنا أحد المزارعين إلى حقول البرسيم والقمح، كانت الملايين من الجراد الأحمر تغطى الحقول.

اتجهنا لوادى الرديسية ولاحظنا تجمهر الفلاحين فى أعلى التبة، مطالبين بإنقاذ الأراضى الموجودة فى حضن الجبل، والمفاجأة أن الجراد انتقل إلى وادى عبادى ولم يتبق منه شىء فى الرديسية، وأثناء وقوف اللجان جاءنا مواطن يصرخ الحقونا الجراد فى أرضى فوق فى الجبل، فسارع فريق إلى هناك وصمم عبدالله بكرى، نائب مجلس الشورى، عن حزب النور السلفى، أن يستضيفنا فى دوار عائلته فى العدوة.

اتجهنا بعد ذلك إلى أسوان على بعد 100 كم من إدفو، ثم انطلقنا إلى وادى النقرة وكانت هناك الملايين من الجراد هاجمت الأراضى، وواجهت 5 فرق، الأسراب التى حطت على زراعات القمح والبرسيم.

تركت الفريق فى وادى النقرة، متجها إلى إدفو حيث أستقل الطائرة عائدا إلى القاهرة، ولكن وصل بريد إلكترونى يفيد بوجود تجمعات فى المنطقة الواقعة على ساحل البحرر الأحمر فى منطقة الكيلو 130 فى الطريق الواصل بين سفاجا وسوهاج، فقررت التوجه إلى هناك، استقللت ميكروباص إلى مرسى علم ولاحظت أن لجان المكافحة تعيد رش مناطق وادى العبادى وسيدى سالم وأيضا كانت حشرات الجراد الميت تتطاير على زجاج السيارة التى أقلتنا.

وجلسنا أنا والسائق نحكى فسألته عن الذهب فبدا لى متحفظا وخائفا معتقداً أننى أنتمى لجهاز أمنى، حيث يأتى دائما ويلقى القبض على القائمين بالحفر فطمأنته وأخبرته أننى صحفى وأننى فى مهمة لمتابعة ورصد الجراد الأحمر الصحراوى فقال لى إن الناس تبحث عن أرزاقها وأنهم يبحثون فى محيط منجم البرمية القديم وأضاف أنها فرصة للناس لأن الأحوال بعد الثورة أصبحت صعبة. سألته وهل وجدوا ذهباً فقالى نعم.

فى الصباح، وصلتنى معلومات بوجود أسراب قادمة من السودان إلى وادى النقرة ووادى عبادى وخرج تقرير من منظمة الفاو يؤكد أن الأيام المقبلة ستشهد مهاجمة أسراب من الجراد للبحر الأحمر، فاتصلت بالمهندس رجب بكرى لأخبره، لكنه كان منزعجا من تصريحات أحد الخبراء فى القنوات الفضائية، التى اقترح فيها مكافحة الجراد فى السودان.

وقال بكرى: «لم نكافح الجراد أبدا فى السودان وهذه مسؤولية الجانب السودانى وأنهم رفضوا أن تقوم قواتنا فى حدربا على الحدود برش الجراد الموجود فى أراضيها، فاضطر رجال قاعدة حلايب إلى توجيه الرشاشات والمواتير ناحية الأراضى السودانية».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل