المحتوى الرئيسى

أفلام الحافظة الزرقاء.. طفل روزماري

02/23 15:54

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

سيطرت بريطانيا لفترة لا بأس بها على سينما الرعب، وخصوصا مع إنتاج شركتيها "هامر" و"أميكوس" لقد عرف العالم كله مذاق الرعب البريطاني.. الألوان الزاهية.. الدماء.. الجو الفكتوري.. مصاصي الدماء الذين يخرجون من التوابيت قبل أن تنغرس الأوتاد في صدورهم، كرستوفر لي وبيتر كوشنج.. لقد فقدت هوليوود عرشها ولم تعد السينما التعبيرية الألمانية موجودة، لم يبق سوى صوت خافت هو روجر كورمان الأمريكي الذي تخصص في قصص إدجار آلان بو.. بدأت الثورة على الرعب البريطاني في السبعينيات عندما جاء من أمريكا فيلمان يحملان أصالة في الإخراج وأصالة في القصة وأصالة في الرؤى، واهتز العالم لرؤية الرعب الأمريكي الذي يحمل مذاقا خاصا، والذي لا يتوقف عند شيء، لقد جاء الرعب الأمريكي ليطرد اللوردات الوقورين المهتمين بآداب السلوك حتى وهم يمزقون جثث الموتى أو يشربون الدم، الفيلم الأول في هذه الثورة كان "طارد الأرواح الشريرة Exorcist" الذي قدّمناه هنا، والذي يعرفه الجميع، اعترف كرستوفر لي بطل أفلام دراكيولا البريطاني أنه لا يجرؤ ولا يتحمل مشاهدة هذا الفيلم.. الفيلم الثاني هو "طفل روزماري" وهو فيلم كئيب مصنوع بإتقان، ويعتبر الأب الشرعي لكل أفلام ابن الشيطان أو مجيء الشيطان للأرض.

رومان بولانسكي مخرج بولندي عبقري يعيش في الولايات المتحدة، وهو بالمناسبة يهودي لا يكف اليهود عن تذكيرنا بيهوديته، قدّم لنا أفلاما مهمة مثل "تيس" و"قتلة مصاصي الدماء البواسل" و"عازف البيانو" و"الحي الصيني" و"البوابة التاسعة"، شاهدت له مؤخرا فيلما ممتعا هو "وعود شرقية Eastern promises".. لا شك أن بولانسكي عبقري، لكنه كذلك يحمل ندبة نفسية قوية لأن زوجته هي بطلة أشهر مذبحة في القرن العشرين، الممثلة شارون تيت التي هاجم الهيبز بقيادة مانسون بيتها وقتلوها مع ضيوفها وبقروا بطنها ليخرجوا جنينها، كان مقدرا لبولانسكي أن يعيش المذبحة لكنه لم يكن موجودا ليلتها، وبالطبع لا بد أنه تأثر نفسيا بشدة بكل هذا العنف الذي لا داعي له، يمكن القول إنه أدرك أن الشيطان قادم للأرض ليعيد للملاعين مجدهم ويقضي على الحب والرحمة، وهذا ما أراد قوله في أفلامه التالية.

في العام 1968 يقدم لنا رومان بولانسكي هذا الفيلم المخيف عن قصة شهيرة للكاتب إيرا ليفين، بطلة الفيلم "روزماري" هي الممثلة الرقيقة ميا فارو التي تكون مهمتها هنا أن تفسد سعادة كل أم شابة بمولودها القادم.. أنت تعرف أن الرعب يستكشف الجوانب المألوفة أو السارّة في حياتنا ويحيلها جحيما، وهكذا تكتشف أن الأطفال أشرار وشيطانيون، والحيوانات ممسوسة، والأماكن مخيفة.. هنا يصير الحمل مغامرة حقيقية، عندما تسكن العروس الشابة المفعمة بالأحلام في بناية تعج بالقصص المخيفة.. أختان ساحرتان تأكلان الأطفال.. طفل ميت في بدروم البناية.. هنا نتوقع أن حملها لن يكون صحيا جدا.

بالطبع لا يصدق الزوجان الشابان السعيدان هذا الهراء، وهو خطأ قاتل في أفلام الرعب كما تعرف؛ لا بد أن تصدق كل شيء لتظل حيا.

الزوج الشاب ممثل متعثر في مهنته، وسرعان ما تنعقد صداقة بين الزوجين الشابين وزوجين مسنّين يقيمان في الشقة المجاورة، إنهما زوجان مخيفان لأنهما ألطف من اللازم.

يعرف الزوجان المسنان أن الزوجة ترغب في الإنجاب، وهي تعتمد على طريقة حساب تواريخ معينة لتتأكد من أن معاشرة زوجها سوف تأتي بطفل، هكذا في الليلة الموعودة تأتي الجارة العجوز حاملة كوبين من الشيكولاته المثلجة، تأكل الزوجة الرقيقة فتشعر بالدوار.

تبدأ هلوسة جهنمية غريبة، ترى فيها نفسها على باخرة ورواد الباخرة هم معارفها والزوجان المسنان، الكل يراقبها، ثم يأتي شخص غريب ويخطط جسدها باللون الأحمر.. هناك من يغتصبها بينما الكل يباركون هذا الاغتصاب..

في الصباح تأكد أن الزوجة حامل..

تعني بها العجوز كأنها تعني بطفلتها أو ابنتها الحامل، تحضر لها أدوية من الأعشاب وتغذيها جيدا.

هنا تعرف خبرا غريبا.. الممثل الذي كان يقوم بدور مهم قد أصابه العمى، وهكذا آل الدور إلى زوجها، لماذا؟ هل هناك صفقة مع الشيطان كي تحمل منه ليتحسن مسار زوجها المهني؟

مع الوقت تحاصرها الشكوك وتشعر أن كل من في البناية سحرة، وهذا صحيح مع الأسف لكن إثباته مستحيل.. يمكن تصوّر ميا فارو الشبيهة بعصفور مهيض وهي مذعورة، وزوجها لا يعينها على الإطلاق.. يعتقد أنها هستيرية.. تطلب رأي الطب النفسي لكن أحدا لا يصدق.

لا يمكن الفرار من البناية أبدا..

عندما تلد لا ترى ابنها أبدا.. يأخذونه من جوارها إلى مهد أسود ويقدمون له الهدايا الثمينة في محاكاة شيطانية مقلوبة لمشهد المجوس لدى ميلاد المسيح.. هكذا تندفع في فضول لترى ثمرة بطنها.. يصيبها الهلع عندما ترى هذا المسخ وتصرخ "ماذا فعلتم بعينيه؟!".

يقول لها جارها الساحر إن المجد للشيطان.. الرضيع الذي أنجبته هو ابن الشيطان، ولم يكن زوجها هو الذي نام معها في تلك الليلة، إن الشيطان ابنها اسمه "أدريان"، سيرد للملاعين اعتبارهم!

يقول لها زوجها إنه اضطر إلى هذا لضمان مستقبله.. يمكننا أن ننجب طفلا غيره؛ اعتبريه ولد ميتا.

لكنها تبصق في وجهه ثم تتقدم لتحمل الرضيع ابن الشيطان بين ذراعيها وتهدهده، فالأمومة أقوى من كل شيء.. وينتهي الفيلم نهاية مفتوحة متروكة لخيالنا.

أدت ميا فارو أداءً فائق الروعة.. خصوصا مع تدهور حالتها ونحولها كلما تقدم الحمل، كان هذا الفيلم سببا في طلاقها من فرانك سيناترا زوجها الذي اشترط ألا تمثل أبدا، لكن الفيلم كان أقوى منها، الفيلم درس في خلق التشويق وعوالم الظلال والموسيقى التصويرية المتوجسة، وبالتأكيد احتل مكانة متقدمة في سينما الرعب، من بين 100 فيلم رعب نال المرتبة التاسعة.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل