المحتوى الرئيسى

أفضل 25 مشهدا سينمائيا في 2012 (ملف خاص)

02/16 18:22

قال جابريل جارسيا ماركيز في بداية سيرته الذاتية: «الحياة ليست ما يعيشه المرء، بل ما يتذكَّره»، والأمر لليس اقتباساً عابراً، لكنه تَعبير دقيق للغاية عما قد نؤمن به، كل ما يَحدث بشكلٍ يومي مُستمر هو غَربلة للذكريات، ما سيبقى لَكُم وما سيُنسى في المُنتصف، والقيمة الحقيقية لحياةِ المرء تَكْمُن  ربما في الإجابة.

هذا الموضوع هو مُحاولة التحكُّم فيما سيتم تذكُّره لـ«يبقى»، احتفالاً بالسينما وبالأفلام وبالمشاهد العَظيمة، لكنه قبل أي شيء احتفاء بالذكريات واستبقاءها حين تُترك مُدَوَّنة.

كان عاماً حافلاً وغريباً، وعلى مستوى السينما يُمكن أن يُوَصَّف بالجودة الشديدة، في الأسبوعِ المقبل سنتناول أفضل الأفلام التي جادَ بها هذا العام، أما اليوم فتِلكَ هي أفضل المشاهد السينمائية التي قُدّمِت لعام 2012 وربما تُذكر طَويلاً:

The Avengers Team – The Avengers

هناك جاذبية دائمة في فكرة جَمع الأبطال الخارقين، ومن بين كل الأعمال السينمائية التي حاولت مُلامسة ذلك، يبقى The Avengers هو العمل الأمتع والأقيم سينمائياً، وفي لحظته المُنتظرة تبدأ المَجموعة العمل معاً للمرة الأولى ضد الغزو القادم من الفضاء، الموسيقى «الفَخْمَة» وحركة الكاميرا الدائريَّة تُعطي للحظة المذاق المَلْحَمِي الذي تحتاجه، وحين يَبدأ «كابتن أمريكا» في توزيع المهام.. يبدو الأمر رائعاً جداً بالنسبةِ للمُشاهد، ويجعل هُناك معنى لكونِهم فَريق ولكل مِنهم شيئاً مُحدداً سيفعله، وعلى الرغم من أننا لا نشعر بالخَطر في أي لحظة بسبب خِصم ضَعيف جداً –هو عَيب الفيلم الأكبر- ولكن مع ذلك نُتابع ما يحدث باهتمام واستمتاع لتحقق فكرة مُفضَّلة عن الأبطالِ المُجتمعين، وفي صورة شِبة مثاليَّة.

«تيفاني» في زيارة لبيتِ «بات» -  Silver Linings Playbook

كاريزما «جينفر لورانس» تُحلّق بهذا المشهد بعيداً، وربما يكون أحد الأسباب الأساسية التي تجعلها قريبة من حصدِ أوسكار أفضل ممثلة بعد أيام، حين تقف في وجه عائلة «بات»، وتُخبر الأب أنها لا تقتنع بخرافات الحظ التي يؤمن بها.. ولكن حتى إن سرنا في ذلك الطَّريق فإن كل مرة فاز فريق «الإيجلز» الذي يشجُّعه فإن ابنه كان معها، ولو  حدث ذلك اليوم كما كان مُخططاً فربما فاز فريقه، وحين تُكمل حديثها عن شعار «إكسيلسيور» تبدو مَحط إعجاب واضح، ليس فقط في عيني «دينيرو» بالمشهد، ولكن بالنسبةِ لنا أيضاً كمشاهدين، وحين تقوم بعدها بثوانٍ بفتح زجاجة البيرة بتلك الثقة.. تَسْحَب كُل الجاذبية الموجودة في الغرفةِ نحوها، وتبدأ لعبة «الرهان» التي تقود العمل إلى نهايته. أحب الفيلم وروح «الخفَّة» و«المتعة» و«كيميا الممثلين» التي تُحرّكه.. ذات الصفات التي يمكن أن أصف بها مشهده هذا.

35 ثانية، 10 لقطات، رجُل يَنتحر، وصَرخة، في أكثر افتتاحيَّة مُثيرة للانتباه خلال العام كاملاً، صورة لا تفارقنا بعد ذلك طوال أحداث فيلم كيم كي دوك ـالفائز بالأسد الذهبي لمهرجان «فينيسيا»، وتتبقى في ذهننا رغم السَّذاجة التي تَطبع الكثير من مراحله بعد ذلك.

الجميلة والوحش – Holy Motors

في أفضلِ الأفلام السيريالية خلال السنوات الماضية، يأخذنا المخرج الفرنسي «ليو كاراكس» في رحلة يوم واحد مع السيد «أوسكار» الذي يَمتلك تسع «مقابلات» خلال ساعتي الفيلم هي في الحقيقة تسع شخصيَّات سيقوم بتجسيدها ويُدخلنا معها في مُنتصف الحِكاية، أكثرها حدّة وخصوصية سيكون مَشهد الدقائق الثلاث الذي تُطْرح فيه مُعالجة مُختلفة وجديدة لـ«الجميلة والوحش»، في مُهمة الفيلم الأولى لا نَفهم.. في المُهمة الثانية نستغرب ما يَحدث.. في تِلك الثالثة وحين نَرى شخصية المُتسوّل أوحَد العَينين وطويل الأظافر وهو يأكُل أصبع مُساعدة المُصوّر ويأخذ «الجميلة» -إيفا منديز في ظهور صامت ومُمَيّز- فإننا في الحقيقة نَنتبه للفيلم، يَستفزّنا ونُريد أن نصبح جزءً مما يجري، مَشهد مُقْبِض وقاتِم، والأهم: مُرْعِب جداً بقدرِ ما تحتاجه حكاية كـ«الجميلة والوَحش».

حين شاهدت المشهد في السينما لأولِ مرة ظننت أنه سيكون ضمن العشرة مشاهد الأولى في تِلك القائمة، ولكن أحياناً تحتاج لفيلمٍ جَيّد كي تبقى في الذاكرة، ومع نسيان فيلم «ريدلي سكوت» في نهاية العام –صدر في مُنتصفه- بدا هذا المشهد –رغم قيمته- بعيداً عني، وتراجع كثيراً في القائمة.

ورغم ذلك فإنه من المُمتع مُتابعة دَفعة الأدرينالين التي تُضخ هنا وإبقاءها ضمن أفضل مشاهد العام: أحد أفراد الطاقم الفضائي يُصاب بفيروس «الغرباء»، وبعد علاقة جنسية مع رفيقته تصبح حاملة لجنين هو في الحقيقة «وحش» Alien الكلاسيكي، يَكبر في كل دَقيقة ونعلم –مع خبرة مع فيلم «سكوت» القديم- أنه سيخترق بطنها بعد قليل، لذلك فهي تقوم بإجراء عملية جراحيَّة لنفسها كي تُخرجه قبل أن يَقتلها، ومع أداء جسدي رائع جداً من «نومي راباس» يظل المشهد هو الأمر الوحيد المُتبقي من فيلم «سكوت» المُحبط هذا.

«لانكستر» يغنّي لـ«فريدي» - The Master

كل مشاهد الحوار بين «خواكين فينيكس» و«فيليب سايمور هوفمان» في هذا الفيلم يُمكن اعتبارها ضمن صفوة ما قدمه العام من مشاهد، ومن أرفعها قيمة وأهمية يأتي ذلك اللقاء الأخير بينهم.. حين يُخبر «لانكستر» «فريدي» أنّك: «إما أن تبقى أو ترحل إلى الأبد»، ومع قرار الأخير بالرحيل يبدأ «لانكستر» الغناء في أسى «إني لأحب أن أأخذك/على متنِ قارب بطئ إلى الصين»، وسط مَلامح حادة تحاول مداراة ارتباكها الشديد من «فريدي»، مشهد يُتوّج كل ما شاهدناه من علاقةٍ استثنائية بين الرجلين طوال العَمل، ويتوّج أدائين عظيمين من «فينيكس» و«هوفمان» لأكثر من ساعتين.

«لقد رأيت كل شيء» -  Looper

استلزم الأمر مُشاهدة ثانية كي أتبيَّن صلابة المَنطق في هذا المَشهد، ليصبح واحداً من أجمل «فينالات» العام وأبقاها، دَعَكَ من «الناريشن» الأقرب للشعر: «رأيتُ أماً تُقتل لأجلِ ابنها، ورجلٌ يَقتُل لأجل زَوجته، وطِفل وَحيد وخائف يجلسُ منزوياً في عربةِ قطار فارغة»، ودَعَكَ أيضاً من أدوات «ريان جونسون» الإخراجية التي يستخدمها بأناقة في المشهد –تعامله مع شريط الصُّوت تحديداً-، الأبعد من ذلك هو مَنطقه عن الدوائر المُستمرة، ماضي «جو» الذي يُستعاد في «سيد»، والرغبة في تغيير المُستقبل تلك المرة، التفاصيل التي تناثرت طوال أحداث الفيلم لتجعل ما يحدث هُنا مفهوماً ومُقنعاً، وتجعل منح «الفرصة» لـ«سيد» هو الأهم بالنسبةِ لـ«جو»، حتى ولو بأصعبِ الأشكال المُحتملة.

قتال «باتمان» و«بين» -  The Dark Knight Rises

هذا المَشهد تحديداً هو دليل على مقدار الاحتمالات التي امتلكها «كريستوفر نولان» ليَخْرُج الجزء الثالث من ثلاثيته عظيماً، قبل أن يضيَّعها بسبب الشخصيات الكثيرة وارتباك الأحداث في العديد من المراحل عوضاً عن «تويست» النهاية الساذج بالطَّبع، «بين» هُنا يَكاد يُقارب كاريزما «الجوكر»، صوت «توم هاردي» المُرعب وجسده الضخم وسيطرته الكاملة على كل ثانية في قِتاله مع «باتمان»، ربما لم يَشْهَد مُحبي بَطل خارق لحظة انهزاميَّة كتلك، حين تبدو كل ألاعيب «فارس الظلام» أقرب لصواريخ الأطفال، والفارق شاسع للغاية بينه وبين خصمه، سواء على المستوى الجسدي أو مستوى التَّخطيط والتَّقدُّم، وحين يَقول له «بين» في نهاية المَشهد «لا أعرف إن كان الأفضل أن أكسر روحك أولاً أم جَسَدك» فإن الإثنين يكونا قد حدثا بالفعل، نَشعر بالخطر والاهتمام الحقيقي بما يحدث للمرة الأولى بعد قرابة ساعة «عَديمة القيمة» من الأحداث، ونشعر أن هذا هو «ما كنا نَستحقه» في ختامِ الملحمة ولم نجده إلا في هذا المشهد.

الجلسة الأولى –  The Sessions

هذا هو واحد من «أرق» المشاهد التي شاهدتها في التعامل مع «الجنس»، مُعالِجَة قسم «الجنس والإعاقة» تُخبر حالتها الجديدة –بطل الفيلم في الحقيقة- أن هناك فارقاً ضخماً بينها وبين العاهرة، تقول ذلك بينما تَخلع ملابسها، ثم تُكمل بأن العاهرة تفعل ذلك بمقابل مادي للمتعة، بينما هي تحاول بالأساس مساعدته في إدراك جَسده وإنشاء حياة جنسية جيدة مع شريكته المُستقبلية، هذا المَعنى نَلمسه بالفعل طوال المشهد، تبدأ في مُلامَسه جَسد شِبة مَشلول أمامها، يحاول التعرف على عواطفه وغريزته بعد 38 عاماً قضاها مستلقياً على ظهره فوق السرير، تَمر فوق شعره وأذنه ووجهه.. تسأله عما يَشعره، فيخبرها أن كل شيء يبدو جميلاً، ويكون الأمر كذلك بالفعل، مشهد رائع غير مُعتاد يَصِل لقمته بفضل الكيميا الواضحة والأدائين الكبيرين من «هيلين هانت» و«جون هوكس»

الضبع الذي قَتَل قِرداً وحِماراً –  Life of Pi

كنت أتمنَّى أن أمتدح مشهداً من روحِ الفيلم، شيء يعبر عن المهرجان البصري الذي حققه «أنج لي» أو القيمة الأدبية الرفيعة التي لامسها من خلال الرواية، ولكن مع الوقت كان هذا المشهد هو ما تبقى، ومن المُثير فعلاً أن يَجتمع إنسان ونَمِر على قارب في وسط المُحيط لنصفِ أحداث الفيلم، و اللحظة الوحيدة التي نشعر خلالها بالخَطَر تكون لأجلِ قِرد وحمار وَحشي من هجومِ ضَبْع!

هذا المشهد رائع فعلاً، ضاغط حتى عند إعادة مشاهدته، لا أعرف إن كان من السَّهل أن أمتدح الميزان الدقيق الذي تم به تحديد ردود أفعال الحيوانات فيه، الصوت المُزْعِج للضَّبع، رد فعل الحِمار عند الهجوم عليه وهو مُصاب، الطريقة التي ينظر بها القرد لـ«باي» قبيل الهجوم عليه، وفي النهاية حين يقفز «ريتشارد باركر» من مقدمة الشاشة –تلك اللحظة بداخل قاعة السينما لا يُمكن الحَديث عنها!- نستطيع التنفُّس أخيراً، يبدو النَّمر –الذي نعلم أنه سيصاحبنا لبقية الرحلة- أقل خطراً بكثير مما حدث في الدقيقتين الماضيتين.

لم أُقدّر هذا العَمَل كثيراً، ولكن هذا المشهد بحد ذاته كان قَطعة فنيَّة رائعة منذ مروره بين شريط الفيلم في المشاهدة الأولى، «آنا كارنينا» تذهب إلى سَبَق الخيل الذي يُشارك فيه عشيقها «أليكسي»، بينما تَعْتَمِل الشكوك في نفسِ زوجها «كارينين» ويَقوم بمراقبتها في ذلك اليوم، ومع سقوط العَشيق مع على حِصانه.. تُصبح كل الأشياء واضحة بالنسبة للجميع

بعيداً عن أن المشهد كان قمّة نضوج الفيلم فيما يخصّ شكله المسرحي –الذي تم اختياره في الواقع لأسبابٍ إنتاجية-، فإن أكثر ما يُثير انتباهي فيه هو قدرات «جو رايت» الإخراجية التي يَشحذها هنا، تعامله مع شريط الصُّوت أثناء تَهوية «أنا» المتوترة بمروحتها ومُقاربة ذلك مع صوت الخَيل القادم لبدءِ السّباق، الصَّمت المُطبق والمَسموع بعد سقوط «أليكس» وصرخة «آنا» مع توجه نظرات الجميع نَحوها، نَهَجان تَنفسَّها وحَفيف الحُصان عقب سقوطه، تِلك المُقاربة التي يجعلها «رايت» أوضح مع القطعات المُقرَّبة بين عَيني «آنا» والحصان، وطبعاً في النهاية البَديعة للمشهد حين يَقوم بتصوير «آنا» من زاوية عالية تنظر لزوجها ثم يَقطع على «أليكس» من زاوية منخفضة يُوجه مُسدسه إلى رأس حُصانه العَزِيز، مقاربة ذكية ومُقبضة جداً لمصير «أنا» في النهاية، ولحُبّ «أليكس» الذي لن يَمنع من كونِ هذا المَصير مَحتوماً.

«سيلفا» يحكي حكاية عن الفئران –  Skyfall

مشكلتي الحقيقية مع الفيلم هي أن «خِصم بوند» كان من المُمكن أن يكون أفضل كثيراً، وأن يتلاعب بالعمل 007 وماضيه وهواجسه وبولاءه لـM بشكلٍ أفضل، ولكن النَّص تَركَ ذلك وذَهَبَ ليلهو في مشاهد ذورة أقل من المتوقع، ورغم ذلك: هذا هو أفضل ظهور لـVillain في 2012، وأعظم ظهور لخصم «بوند» على مدار تاريخ السلسلة.

ظهور «سيلفا» -بعد ساعة وعشر دقائق- كان مُهيباً فعلاً، يستغرق دقيقة و40 ثانية –في لقطة واحدة- ليمشي من المصعد إلى الكُرسي المُقيّد عليه «بوند»، يحكي خلالها قصة جدته التي صنعت طُعماً للفئران على جزيرتها وحبستهم بداخل برميل ضخم، تركتهم حتى يشعروا بالجوع ويأكلون بعضهم، وبعد ذلك أطلقت سراح آخر فأرين وهي تعلم أنهم لن يمثلوا خطراً بعد الآن، على العكس: إما سيأكلون بعضهم أو أي فأر آخر في الجزيرة، «لقد غيَّرت طبيعتهم»، تلك المُقاربة التي قصدها «سيلفا» في علاقته المعقدة بـM وبـ«بوند» كانت في ذكيَّة وفي محلها، والشخصية –مع لَمسة مَلحوظة من «هانيبال ليكتر»- بدت مُرعبة فعلاً، ورغم خفوت تميُّز ذلك الخِصم بعد ذلك.. إلا أن ظهوره الأول سيبقى في الذاكرة.

مقابلة الأصدقاء القدامى –  Oslo, August 31st

في المشاهدة الأولى للفيلم لم أقدر هذا المشهد بشكلٍ خاص، في المشاهدة الثانية أدركت عَظمة ما حَدَث في ذلك اللقاء الطويل الذي جمع «أندرش» الخارج لتوّه من مصحة علاج الإدمان التي قضى بها العشرة أشهر الأخيرة مع صديقه «توماس».

أكثر ما أقدره –تحديداً- أن كل ما سيَربطنا بـ«أندرش» ونعرفه عَنه يَنساب هُنا كَالماء، ماضيه وإدمانه وعلاقاته والثّقل الذي يشعره فوق صدره ورغبته غير المُرَوَّضة في الانتحار، كل شيء يُقال هُنا دون أن نَشعر ويبقى معنا لبقية الفيلم، «جواكيم تريه» يعرف الكثير عن الأصدقاء القدامى وعن لقاءاتهم بعد غَيبة.. ويَبِثّ تِلك الروح تماما، فنشعر وكأننا شخص ثالث بجوارِهم، مشهد عظيم دون أن يَضع خطاً تحت أسباب عظمته، فقط يَنْسَلُّ إلينا.

«هل تسمع الشَّعب يغنّي؟» -  Les Misrables

في وقتٍ آخر، دون ذكريات شارع «محمد محمود» العظيمة، كُنت لأتجاوز هذا المشهد، ولكن بها.. سيظل واحداً من المشاهد المُفضَّلة والقريبة جداً.

الثوار يَكتشفون في ذلك الصَّباح أن الشعب «لم يَثر أو يتحرَّك»، وأنهم وحدهم في مواجهة القوى النّظامية، شيئاً من اليأس يقترب من قلوبهم ويُشعرهم بقسوةٍ الخُذلان من «هؤلاء الذين لازالوا يعيشون في خوفِ»، ثواني صَمت ثَقيلة قبل أن يستمعوا لصوتِ الطفل «جافروش» وهو يخبرهم «هل سَمِعت الشَّعب يُغنّي؟/يُغنّي أغنية الرجال الغاضبين»، ويُغَنُّون مَعه، إنها لَحظة بَعث تُشبه غناء النَّشيد الفرنسي في مشهد فيلم «كازبلانكا» الخالِد عام 1942، وبعد ذلك تَنهمر تفاصيل «هوبر» وتُكمل «الرَّوح الثوريَّة» للمشهد: موت «جافروش»، هجوم المدافع،المُقاومة ضد قوى أكثر عدداً وعُدَّة، خُذلان الأهالي، اللحظة العَظيمة التي تُوجه فيها البنادق نَحو السَّقف ويسقط الرّفاق، أو تِلك التي تَليها حين يُمسك «إنجولراس» بعلمِ الثورة ويَرفعه في وَجه الجنود، ويموت به، فتكتمل «أوبرا محمد محمود».

لم أشاهِد هذا المَشهد، أنا في الحَقيقة عِشت بعض الذكريات به من جديد.

لقاء «أوسكار» و«جين» -  Holy Motors

بعد قضاء قرابة ساعة ونُصف من الفيلم، وإدراكنا –بشكلٍ ما- لحقيقة ما يَحدث، ولطبيعة «مهام» السيد أوسكار، يقرر «كاراكس» أن يُمارس مَعنا لِعبته الذهنية في هذا المَشهد: «أوسكار» يَلتقي بـ«جين» التي تؤدي نفس العمل ولديها مَهاماً مماثله لمهامه، طبيعة الحوار بينهما في البداية توحي بأننا نخرج من «التَّمثيل» وتُجسّد الشخصيات حقيقتها للمرّةِ الأولى، يتحدثان عن تاريخهم معاً وعملهم المستمر منذ ذلك الوقت وعن «أدوارهم»، تقوم بغناء أغنية فرنسية وسط تَصوير بَديع جداً من كاميرا «كاراكس»، ثَم يُغادرها وتَنتحر كما أخبرته أن «الشخصية التي تؤديها ستفعل» عند بداية المُقابلة، هذا التلاعب هو جَوهر الفيلم، التداخل بين ما هو حقيقي وما هو مُمَثَّل، ما نُريد تَصديقه أو لا، وهذا المشهد تحديداً استحوذ عليَّ لأيام بعد المُشاهدة الأولى، جعلني أتذكر الفيلم وأفكَّر فيه وأُعيده من جديد، ليمتلك في النهاية مَكانة مُميزة بين أفلام العام كاملاً بفضلِ تِلك المُقابلة الرومانسية التي تبدو في بدايتها كَهُدنة واستراحة للمشاهد ليُمْسِك بأساس الفيلم، قبل أن يَتركه «كاراكس» وقد تلاعَب به أكثر.

خُطبة «بروتس» –   Ceasar Must Die

اقتباس الأخوين «تافياني» لمسرحية شكسبير «يوليوس قيصر» وتجسيدها بداخِل سجن وعبر مجموعة من المُجرمين لم يَصِل إلى قمته إلا هُنا، بعد مَشهد رائع آخر لقتلِ القَصير.. جاء هذا المَشهد فعرفت أنه «ما سيَبقى» من هذا الفيلم بالنسبةِ لي، «بروتس» يُلقي خُطبة قَصيرة يَمتص فيها غضب روما لأجلِ القَيصر المَقتول، يتحدَّث فيها عن علاقته به المُعقَّدة به والمَحَبة الموصولة بَينهم، «لقد أحبّني قيصر وأنا الآن أبكيه، كان شجاعاً وأنا الآن أكرّمه، ولكن الطَّمع استولى عَليه.. فقتلته»، كلمات شكسبير لم تَكُن وحدها العَظيمة هنا، ولكن أيضاً قِمّة الفيلم الفنية والعاطفية.. حين نُصدُّق ونتماهى فعلاً مع أن هذا السّجن هو روما، والمساجين الغاضبين خلف الأسوار هم أهلها، وأن  السجين «ستريانو» هو فعلاً بروتس الذي يَقَف أمام جَسَد القَيصر الذي قَتله ليُحادِث الناس عن كَم كان رجلاً عظيماً، وعن الفارق المؤلِم بين مَحَبته وبين مَصلحة روما التي حَتَّمت قَتله، في هذا المشهد تحديداً نَجَحت تجربة الـ«تافياني» الفريدة.

أوسلو في الخامسةِ صباحاً –  Oslo, August 31st

ربما يكون «الكادر» بالأعلى هو أعظم وأخلَد كادرات العام، الصورة التي سيقترن بها 2012 بالنسبةِ لي هي: «أندرش لاي» وهو يَسْنَد رأسه هَكذا، بهدوءٍ وسَكينة في لحظةٍ يستحقها.

كل الصلة التي تربط «أندرش» بالعالم تَنقطع خلال ساعة ورُبع «نعيشها» مَعه، في تِلكَ اللحظة.. يَمنحه «جواكيم تريه» شيئاً للذكرى، شوارع «أوسلو» الهادئة، بعض المَرح مع الرفقة، مع أثر ساحر يُحدثه اللَّهو بطفاية الحَريق.

في النهاية، تَكون الأمور أعقد بداخل «أندرش» من أن تُحل بكل هذا الصفاء الذي وجده في صباحِ الحادي والثلاثين من أغسطس، ولكن اللحظة نفسها «تبقى» بشدة، أحد أكثر مشاهد العام «رقَّة» و«صَفْو»، في الأوقاتِ التي أشعر فيها بالغضَب.. أشاهده.. لأهدأ.

دكتور «شولتز» يقتل شريف البلدة –  Django Unchained

مع حقيقة أنني لم أُحب الفيلم إطلاقاً، وأنه أقل أفلام «تارنتينو» بالنسبةِ لي –أقل حتى من Death Proof-، إلا أن الأمر لم يَخْلُ من بعض المشاهد التي ستبقى، البعض تحدّث عن الافتتاحيَّة والبعض الآخر عن »الكلو كلوكس كلان» وآخرين عن مشهد الجُمجمة – كان الآخير ضمن تلك القائمة وخرج بفعل مُبالغة مَلْمُوسة في أداءِ «ديكابريو» عند مشاهدته ثانيةً-، ولكن بالنسبة لي.. كان مَشهد الدكتور «كينج شولتز» وهو يقتل الشَّريف وسط بَلدته ويجلس ليحتسي البيرة بهدوء هو المُفضَّل.

«كريستوف والتز» بشكل عام كان روح هذا الفيلم وأفضل ما فيه، في المشهد الثاني من ظهوره.. يدخل حانة في إحدى البلدات الصغيرة مع «جانجو» الذي حرَّره لتوّه، يطلب من صاحبها المذعور إحضار «الشريف وليس المارشال»، قبل أن يجلس ويُحَضّر كوبين من البيرة ويشرح طَبيعة عَمله كـ«صائد للجوائز»، وعند حضور «الشريف» يتجَّه إليه في خطوات ثابتة ويَقتله بطلقتين ويقول لمالِك الحانة بذاتِ البرود «الآن يمكنك أن تُحضر المارشال»، نَحنُ –كمُشاهدين- يُصيبنا الاستغراب الشديد بقدر «جانجو»، ونشعر بالخَطر، قبل أن يستحوذ علينا «شولتز» تماماً تماماً عندما يبدأ في شرحِ ما حدث –بكاريزما طاغيَة من «والتز»- أمام ستة بنادق مُوَجَّهة نَحوه، وحقيقة أنه سيخرج في النهاية بمكافأة 200 دولار.

اختفاء أطراف «سيث» -  Looper

هذا هو أكثر مشاهد العام «كابوسيّة»، وأحد أكثر مشاهد السينما عُنفاً دون دماء، «كافكاوي» النَّكْهَة لدرجة التُّخْمَة.

طوال الثلث ساعة الأولى من فيلم «ريان جونسون» نَعرف الكثير عن «غالقي الحَلقة»، السَّفر عبر الزّمن والاضطرار إلى أن تقتل صورَتَك المُستقبليّة حين تعود إلى الماضي مُكَبَّلة لأن ذلك جزءً من مهامِ عَملك، في هذا المشهد نَترك الجوانب النظريَّة ونُصبح في صُلبِ الفيلم، «سيث» -صديق البَطل الرئيسي- لم يستطع قتل شخصيته المستقبليَّة بسبب غفلته لثوانٍ، هروب «سيث العجوز» يضع الشاب في ورطة، وعند وصول العِصابة التي يعمل لصالحها إليه تبدأ في بَتر أطرافه وتشويهه، أمر لا نُشاهده أمامنا ولكن الأفظع والأكثر تأثيراً هو مشاهدة نتائجه على العجوزِ مُباشرةً لكي يُجبر على تسليم نفسه: أصابعه التي تختفي، أنفه، وُجهه المُشوَّة، قدمه عند محاولة الضغط على فرامل السيَّارة، ثم يَديه بعد ذلك، وفي النّهاية هو يَسير إلى موتٍ يعرفه ولكنه أفضل مما يحدث له في تلك اللحظة. مَشهد كَبير للغاية وكابوس لا يُبارح الذاكرة.

مشهد الافتتاحيَّة الطويل في فيلمٍ لم يُنفّذ – This is Not a Film

في جَوهر فيلم «جعفر بناهي» هذا، والذي أخرجه أثناء إقامته الجبرية بمنزله أثناء استئناف الحكم الذي صدر ضده بالسَّجنِ وعدم الإخراج لمدّة 20 عاماً، هُناكَ شَغفاً عظيماً بالسينما، وإذا لَم تَكن ستشاهد «ما ليسَ فيلماً» فعلى الأقل يجب رؤية هذا المَشهد.

«بناهي» يُقرر أن «يَحْكِي» سيناريو فيلمه الجديد الذي كان ينوي تنفيذه قبل القبض عليه، وبسبب إقامته الجبرية فهو مُحدد بمساحة مَنزله، يُحضر «كاميرا» ويعتمد على خيالِ المُشاهد من أجل تصوُّر رؤيته البصرية فيما سيحكيه بلسانه، وفي هذا المشهد يُحاول ترتيب غرفة بَطلة فيلمه في صالة المنزله، من أجلِ أن يصف افتتاحيته التي ستستمر لست دقائق، يُحدد المساحة ببكرٍ لاصِق على الأرض، الوسادة تكون سريراً، والكرسي هُو النَّافذة، «جعفر» يحتاج إلى أن تتماهى لتلك الدقائق فقط، أن تقتنع وأن تصدَّق وأن تُعْمِل خيالَك معه، هو بحاجة إليك فعلاً لكي يشعر بكونِه مُخرجاً وبأن هذا «السَّقف الذي يُسمّيه وَطناً» لم يَضِق درجة أن يَخنقه.

مشهد حَزين وقاسٍ وعَظيم جداً، أصبح أحد مُرادفات الشَّغف بالسينما وبصناعة الأفلام بالنسبةِ لي.

«لا ترمش» - The Master

مشهد كهذا في حد ذاته يُبّيّن مقدار قيمة مخرج كـ«بول توماس أندرسون»، والسبب الذي يدفع الكثيرين –وآخرهم «بن أفليك» في «الجولدن جلوب»- لاعتباره «شيئاً ما مثل أوروسون ويلز»

السيد «لانكستر» يُجلِس «فريدي» أمامه، يريد اختبار هواجسه وماضيه وأحلامه لضمه إلى الرابطة الدينية/العلمية التي يؤسسها، وهو أمر يبدو صعباً أمام صلابة وجنون «فريدي»،قبل أن يبدأ خدعة «لا تَرمش»، حيث يجب أن يُجيب على أسئلته القادمة دون أن يرمش، أمر يقبله «فريدي» باستهانة قبل أن يبدو واضحاً كم أن الأمر صعباً، وأن الضغط العصبي الذي يبذله من أجل إبقاء عينيه مفتوحتين يُزيل القشرة الحادة التي يضعها حول نفسه لتنبئ عن جَوهر أكثر حِدّة رُبما، وحين يَأذن له «لانكستر» بإغماض عَينيه والتخيُّل، تكون تِلك القَطْعَة الرَّائقة بشدّة –في الألوان والمساحة وشريط الصوت- هي لَمسة «توماس أندرسون» التي تُزيد من قيمة كل ما حدث.

أحد أكثر مشاهد «التورُّط» مع ماضي وذكريات بطل خلال هذا العام، واحد من أكثر مشاهده «حدّة» و«إرهاقاً»، ونموذج لأيّ أداء رفيع قدمه «خواكين فينيكس» في هذا الفيلم.

«حَلِمْتُ حُلْمَاً» -  Les Misrables

لأيامٍ لَم أنقطع عن سَماعِ إلى تِلك الأغنيّة، ولوقتٍ طويل بعد ذلك سيرتبط «الأسى» بملامِح «آن هاثاواي» وهي تَقوم بغناءها ضمن ملحمة «توم هوبر» الموسيقية لرواية «البؤساء».

«فانتاين» الخالِدَة في رواية «هوجو» تتجسّد في أفضلِ صورة مُحتملة، الفتاة التي أحبَّت وخُدِعَت وتُرِكَت وصارت مسؤولة عن طِفلة هي كُل ما لها، تَقُص شعرها وتَخلع أسنانها من أجل فرانكات قليلة تُساعدها على العيشِ، وفي ذلك المَشهد العَظيم.. الذي هو عبارة عن لَقطة طَويلة -ثلاث دقائق وأربعون ثانية- لوجه «هاثاواي».. يَحْكِي «هوبر» الحكاية كلها.

ماذا عساه المرء أن يَفعل وهو يُشاهد وَجه «فانتاين» يَنْطُق بمرارة الأحلام غير المُكتملة وهي تُغنّي «لازِلتُ أحلم بأنه سيأتي إليّ/وسنعيش السنواتِ الباقية مَعاً»؟ إنه شيء يُشاهد ويُسْمَع ويُحَسّ دون أن يُحْكَى عنه.

هذا هو أكثر مشاهد العام المؤثّرة بالنسبة لي، ليس السبب الوحيد ولكنه الأوضح لمحبّتي هذا الفيلم بشدّة رغم مشاكله التي أعرفها، و«آن هاثاواي» تؤدي في تلك الدقائق أمام الكاميرا الثابتة «أعظم أداء تمثيلي خلال 2012»، كان عليها أن تُمثل وتُغنّي وتنتقل بمراحل الأغنية المُختلفة في لقطة واحدة دون قَطع، وتقدّم مَرثية حَقيقية ستقترن بشخصية «فانتين» إلى الأبد.

«كل شيء سيكون بخير» - Amour

بعد ساعة وأربعين دَقيقة من «المُعايشة» الخالصة لـ«حياة» الزوج الذي يعتني بزوجته المُصابة بسكتة دماغيَّة، نَكون قد وَصلنا إلى درجة التورُّط الكامِل فيما يَحدث، يَحصرنا المخرج «مايكل هانِكَة» مع العجوزين في ذلك المشهد لست دقائق ضمن لقطة واحدة، «آنا» تتألّم وتَئِن بصوتٍ عالي، يَحضُر «جورج» ويُمسك بيدها، يُخبرها أنه هُنا «مَعِك»، وأن «كل شيء سيكون بخير»، ويبدأ في حَكي حِكاية عن الخَوف ليُشاغلها عن الألم، وفور أن يَنتهي.. يُدرك أنه لم يَعد يَحْتَمِل لها أكثر من ذلك.

المشهد عَظيم وكَبير، ليس فقط لحسبته الأخلاقيَّة المُربِكَة أو أنه حقيقي جداً وتتويج لميزانِ المشاعر والانفعالات الدقيق طوال العَمَل، ولكن الأهم ربما أننا جزءً من هذا الاختيار، كأننا نُمْسِك تلك الوسادة مَع «جورج» لنُريح «آنا» من عذابها، ونؤمن –تماماً- بأن ما يُقدّم هنا هو المعنى الحقيقي للـ«حُب» والمُقاربة الأكثر قَسوة للخوفِ من الزَّمن.

سبعة أمريكان يخرجون من مطار «طهران» - Argo

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل