المحتوى الرئيسى

مهند حسن يكتب :السيد المستشار عبد الرحيم صفوي وذيل الخديعة الطويل

02/06 18:03

يُكثر مسؤولون ايرانيون من التصريحات ذات النبره العنيفه غالباً عند تناولهم دول جيرانهم في الخليج العربي، من ذلك علي سبيل المثال تصريح لمستشار المرشد الاعلي للجمهوريه الاسلاميه للشؤون العسكريه اللواء عبد الرحيم صفوي،

هدد فيه قاده دول الخليج العربي بان مصيرهم سيكون كمصير شاه إيران محمد رضا بهلوي الذي اطاحته الثورة الإسلامية عام 1979.

تمر السنون وانا اسمع ان الثوره الاسلاميه في ايران اطاحت الشاه، وكنت اتظاهر بالتصديق لانني اولاً اجد العداء الايراني - العربي خطيئه استراتيجيه قاتله، ولانني كنت قرات كتاباً وضعه رئيس جهاز الامن الفرنسي ايام رئاسه جيسكار ديستان واسمه كونت دومارانش وعنوانه «في موطن سر الامير» DANS LE SECRET DES PRINCES - نشرته دار STOCK ستوك في باريس عام 1986.

يومئذ قرات هذا الكتاب الذي لا يشي ظاهره بباطنه للوهله الاولي، لان السيد دومارانش اتفق مع اشهر مقدمات برامج التلفزيون الفرنسي واجملهن السيده كريستن اوكرنت، علي ان يتكلم امامها وتتولي هي التدوين مع حقها في طرح الاسئله. وهكذا خرج الكتاب يحمل اسمي الرجل الصارم جداً والسيده التي «يزيدك وجهُها حسناً اذا ما زدته نظراً».

نوه رئيس اجهزه الامن الفرنسية بان محاوريه وجلساءه حين يزور دول الشرق الاوسط هم الملوك والرؤساء حصراً، كالملك الحسن الثاني وشاه ايران واخرين، فهو لا يتحدث الي من هم ادني مرتبه.

احتفظت ذاكرتي من الكتاب بطرائف ذات مغزي اكثرها اهميه ربما، هذه القصه اقدمها الي السيد اللواء المستشار من قبيل العلم بما يقوله «الاعداء»، الا اذا كان قراها ذات يوم.

كتب دومارانش ان رؤساء اجهزه الامن في دول حلف الاطلسي الشمالي، كانوا يعقدون اجتماعات دوريه منتظمه في مقر وكالة الإستخبارات المركزية في الولايات المتحده، يتشاورون فيها بقضايا الدنيا المهمه، فانتبه في واحده من تلك الجلسات الي وجود نيه لدي الوكاله لاطاحه شاه ايران، حين لم يكن الامر يخطر في بال احد. انتهز دومارانش اول مناسبه لزياره الشاه الذي استقبله منفرداً كالعاده فكاشفه بما سمع. لم يصدق الشاه واجابه: لن يجدوا افضل مني لحراسه مصالحهم في المنطقه.

مرت الايام وفي اجتماع اخر في الولايات المتحده كتب دومارانش: «ايقنتُ ان الولايات المتحده قد اتخذت قرارها بتنحيه الشاه، فسارعت الي طهران ونقلت الي الشاه ما سمعت فوجم». نعرف جميعاً ما الذي جري بعد ان اتخذ اصحاب الشان قرارهم. هذا لا يعني التقليل من اهميه التظاهرات الحاشده التي قام بها الشعب الايراني. اما ما لفت نظري فهي الاشاره الي دور الجنرال الاميركي فيرنون والترز وشهرته نابعه من وجوده دائماً في ميادين الاحداث الحاسمه لكي يسهر علي سلامه تنفيذ المخطط. فهو كان في باريس قبيل ثوره الطلاب في 1968، وتولي «التنسيق» مع قيادتهم التي برز منها يومئذ دانيال كوهن بنديت. لان قيــــاده الولايات المتـــحده قررت ازعاج الرئيس الفرنسي شارل ديغول تمهيداً لاخراجه، بسبب اصراراه علي العوده الي المعادل الذهبي للدولار دون الاكتفاء بتغطيته باساطيل الولايات المتحده وجيوشها. وتشاء الاقدار ان يكون الجنرال والترز في طهران، لنقرا انه تولي منع قياده الجيش الإيراني من اطلاق النار علي المتظاهرين.

لا ينبغي الحديث هنا عن نظرية المؤامرة التي يؤمن بها الفكر الغيبي العربي لاسباب معروفه. فالدول تبحث عن تحقيق ما تظنه مصلحه لها، وترسم الخطط والبرامج وتسهر علي تنفيذها ولا تكتفي بالتهديد والوعيد.

كان بودي الاشاره الي كتاب اخر نشره مصرفي مفلس في الولايات المتحدة الاميركية بعد ان فر الي سويسرا لانه يعرف اكثر مما ينبغي له، فحاول خلط الجد بالهزل واعطي الكتاب عنواناً شهيراً CRASH79 «انهيار عام 79». نشر الكتاب قبل سنوات من انهيار شاه ايران الذي «شاءت الاقدار» ان يحدث في عام 1979. ورسم فيه مؤلفه سيناريو لتحدي شاه ايران للولايات المتحدة بمشاركه الرئيس الجزائري هواري بومدين، ومطالبتهما برفع اسعار النفط وخفض اسعار الالات المصنعه، ووضع الشاه برنامجاً نووياً طموحاً يعتمد علي شراء اكثر من عشره مفاعلات نوويه من المانيا لتوليد الكهرباء بكميات تكفي لتغطيه حاجه ايران بكاملها.

اثار المشروع حنق الولايات المتحده فخاصمت الشاه وحاصرته فالتجا الي ملجا ذري هو مقر قيادته اثناء الازمات، وتطورت الاحداث كما في السينما حتي وصلت الي غايتها بقيام اسراب القاذفات الاميركيه بقصف مقر قياده الشاه المحفور بعمق في الارض، وتعاملت معه باسحله نوويه تكتيكيه جعلت من الشاه وقيادته اثراً بعد عين...

لا اريد التاثير في معنويات السيد اللواء المستشار، لان تصريحاته تشير الي متانتها. كل ما اريد ان اقوله: كان الصراع في المنطقه قبل اطاحه الثوره الاسلاميه الشاه، ذا نكهه قوميه مدنيه لا تمت الي المقدّس بصله، لكي يمكن حلها بالسياسه، كما جرت الامور بشان اتفاق الحدود في شط العرب. الا ان الصراع بعد انتصار الثوره الاسلاميه اصبح بين الشيعه والسنه وما بينهما من الطوائف والاديان، وهذا مما يستحيل الاتفاق بشانه، اي انه سوف يستمر الي الابد. غير ان ما يطمئن المراقب، تاكيد فلول الطائفتين في جنوب لبنان وجنوب فلسطين علي ان انهيار المشـــروع الصهيوني «كراش» بات وشيكا بفضل اختراع الصواريخ «الطائفيه»، حتي ان صواريخ هذه الطائفه او تلك لا تضرب العدو المشترك عندما يستفرد بواحده من الطوائف الإسلامية. بل تحمل علي العدو بالخطب البتراء حتي نكاد نظن انها قضت عليه. اسارع الي طمانه السيد اللواء المستشار، بعدما نقلت اليه بعض ما طالت يدي من مصادر تؤرخ لاحداث تهم منطقتنا الي انني اتامل دائماً قولاً للفيلسوف الدانماركي سورن كيركفور بالدنماركيه - وكيركيغارد في غيرها من اللغات - مؤداه: للخديعه ذيل طويل يُدعي التاريخ. لذلك فلست مقتنعاً بالحماسه الزائده التي يبديها المستشارون علي تنوعهم. وبخاصه الذين يشيرون علي قاده جيراننا الايرانيين وشركائنا في صنع حضاره كانت ذات يوم انسانيه تمازجت فيها اعراق ولغات شتي.

كما اتمني ان يحاول السيد المستشار الاستماع الي مطرب الملوك والامراء الراحل محمد عبد الوهاب الذي غني ابيات مهيار الديلمي المدهشه، برغم كونها ممنوعه في اذاعات الوطن العربي بلا استثناء والتي ضمت هذين البيتين اللذين لا يعترفان بحماسه المستشارين الزائده.

قد ورثتُ المجدَ عن خيرِ ابِ... وقبستُ الدّينَ عن خيرِ نبي

فضَممتُ الفخرَ من اطرافهِ... سُؤددَ الفرسِ ودينَ العربِ

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل