المحتوى الرئيسى

إســـلام الإنســان (2) دعوة الإحياء الإسلامى | المصري اليوم، أخبار اليوم من مصر

02/06 00:44

تحدث الاستاذ جمال البنا ـــ رحمه الله ـــ في الحلقه السابقه عن تصور الاسلام للطبيعه البشريه.

كما تحدث عن كون الاسلام دين الفطره، وكان رافضا لكل ما يخالف الفطره الانسانيه ويكمل بقوله:

ويماثل ذلك ايضًا عدم وجود الكنيسه او المؤسسه الدينيه التي يكون لرجالها درجات ومراتب وازياء وتنظيم كهنوتي وحقوق في التحليـل والتحريم، ان الاسلام يكاد يكون في هذه كلها «علمانيًا» او مدنيًا، فالمسجد ارض فضاء، والصلاه يمارسها كل واحد في بيته او حقله، واي واحد يحفظ شيئاً من القران يمكن ان يكون امامًا، والعلاقه بين المؤمن والله مباشره لا يمكن لاحد ان يتدخل فيها، ويظل المجتمع الاسلامي مجتمعًا مفتوحًا، وكانت صفات المقدره والجداره هي التي تُعلي الافراد، كما كان العلم والفقه مفتوحًا للجميع، ويمكن لفرد من اقل الطبقات ان يصل بفضله الي اعلي المناصب، كما فعل «الموالي»، اما التجاره والحرف فكانت هي الاخري حره.

وقَبِلَ الاسلام طريقه العرب في الكُنيه بدءًا من الرسول حتي الخلفاء، وسهّل هذا علي الاسلام ان يعمق روح الاخوه، وان يصطنع لقب «اخ» ليحمله المؤمنون تطبيقاً لما قاله القران: «انما المؤمنون اخوه»، ولما قاله الرسول عن المؤمنين انهم كالجسد الواحد وكاسنان المشط، واذا كان المجتمع السوفيتي قد توصل في العصور الحديثة الي لقب «رفيق»، وتوصل المجتمع الاوروبي الحديث الي لقب «سيد»، فان الاسلام قد سبقهم عندما ابدع لقب «الاخ».

وكانت قوانين الميراث الاسلاميه تفتت الملكيه حتي لا يظهر اقطاع كما كان في القوانين الرومانيه، التي كانت تمنح الابن البكر مزايا عديده، لقد رفض الاسلام هذا وساوي بين الابناء، ورفض الرسول ان يشهد علي منح احد الانصار ابناً من ابنائه قائلاً: «هل اعطيت كل ابنائك مثله؟»، فلما رد بالسلب رفض الرسول، لانه لا يشهد علي ظلم، وجعل الميراث حصصًا محدده تبعًا لدرجه القرابه او الحاجه.

ويضاف الي هذه ايضًا ان الاسلام هو الدين الوحيد الذي لم يقم الايمان به علي معجزات خارقه للطبيعه، كان لا تحرق النار ابراهيم او تلتقط عصا موسي افاعي السحره او يُحيي المسيح ميتاً او يشفي عشرات المرضي، لم تكن معجزه الاسلام شيئًا من هذا، لقد كانت كتابًا بلغ المثل الاعلي في القيميه وفي الاسلوب وفي الخيال وفي النظم الموسيقي والنثر الفني، واستخدام المجاز اكثر من السرد، وابراز قيم الحريه والعداله والخير والمساواه والمعرفه كمُثل عليا.

ولما كان الاسلام هو دين الانسان، ولما كانت الطبيعه البشريه هي ما اشرنا اليه، فقد كان لابد للاسلام ان يتعامل مع هذه الطبيعه بطريقه «جدليه»، فهو يقر بالكثير منها، لكنه في الوقت نفسه يستاصل بقوه ما راي انه يخالف الاصول الاسلاميه، فحرّم الخمر والقمار والزني والحرب بين القبائل، وكانت هذه هي سلوه المجتمع الجاهلي.

ولكنه تعامل مع الطبيعه البشريه بطريقتها حتي يجعلها تصغي اليه، وهذا هو سر الطابع الفني للقران والنظم الموسيقي لاياته واسلوب الثواب والعقاب، كما انه ايضًا سر تنويع الخطاب القراني، فالقران يخاطب نفوس الناس جميعًا، فيتحدث حيناً باسلوب يسيل رقه وعذوبه، بحيث تتجاوب معه المشاعر النبيله والعواطف الساميه، وهو حيناً يقسو ويُعنّف، وهو يعتمد علي فكره الثواب والعقاب، لانها احدي الافكار الاساسيه التي يتاثر بها الاداء، فهو يثيب المحسنين ويعاقب المسيئين.

اسلام الانسان ليس اسلامًا مثاليًا، لانه لو كان مثاليًا لما امكن تطبيقه، ولكن الاسلام يبدا من التطابق مع الطبيعه البشريه ويدفعها رويدًا وهو يتمسك بالعدل، لكنه يرفقه بالرحمه حيناً ليرقق من صلابته وبالاحسان حيناً ليرفعه فوق العدل.

هل جعل الاسلام «اسلام الانسان» بالعقل؟

الرد: نعم، ولكن خلال 25 عامًا، هي مده حكم الرسول للمدينه وسنتان ونصف خلافه ابي بكر.

وخلال هذه الحقبه الاولي القصيره استطاع الاسلام ان يحقق حلم الفلاسفه والمفكرين، وان يوجد الدوله «اليوتوبيا» في المدينه طوال ربع قرن، ذلك ان الدوله التي اسسها الرسول في المدينه، وان كان فيها بعض مقومات الدوله كابرام الاتفاقيات والحكم بين الناس واداره شؤون المجتمع، فانها قد خلت من مقومات الدوله المميزه، الا وهي ان تكون اداه قهر فيوجد فيها الجيش والبوليس والمحاكم والسجون، وتفرض ضرائب لان حصيله الضرائب هي ما تنفقه الدوله علي اجهزتها.

نقول: لم يكن في «دوله» المدينه شيء من هذا، فلم يكن فيها جيش نظامي محترف ودائم، ولم يكن في المدينه سجن، ولم تفرض ضرائب، لان الدوله لم تكن بحاجه الي مال، فالرسول لا يتقاضي اجرًا، وليس هناك سجون او بوليس او جيش، اما قضيه العدالة الاجتماعية فقد كفلتها الزكاه، وفي الوقت نفسه، فان رئيس هذه الدوله كان نبيًا تحوطه رعايه الله ويصحح له الوحي اجتهاداته، بل يراقبه ويعاتبه اذا اخطا.

وكانت السمه الرئيسيه لهذه الدوله هي المساواه وهي الركن الركين الذي يمكن ان تقوم علي اساسه كرامه الفرد وحكم الانسان، خاصه عندما توجد الضوابط التي تحول دون حدوث الديماجوجيه، ولم تجعل هذه المساواه لاحد فضلاً او امتيازًا علي اخر، حتي ان الرسول نفسه عندما كان يسوي الصفوف قبيل احدي المعارك مس احد المسلمين لانه شذ عن الصف، فادعي انه اذاه، فكشف له الرسول عن بطنه ليقتص منه، وهنا قبَّلها الرجل وقال انه انما اراد ان يكون هذا اخر عهده بالدنيا.

وفي خلافه عمر بن الخطاب عندما وطئ احد الاعراب ازار جبله بن الأيهم، وهو ملك عرب الشام في الطواف، فضربه «جبله» ضربه اسالت الدم من انفه وشكاه الرجل الي «عمر»، الذي اخبر «جبله» ان عليه ان يُرضي الرجل او يقتص منه، فقال «جبله» مستنكرًا: «تقصني وانا ملك وهو سوقه؟!»، فقال «عمر»: «الاسلام سوي بينكما».

وقد ضربت لنا تلك المراه التي وقفت في المسجد وعارضت علانيه بصوت عالٍ ومنطق سليم فكره الخليفة عمر بن الخطاب في تحديد المهور لان الله تعالي يقول: «وَاِنْ اَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَاتَيْتُمْ اِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَاْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً اَتَاْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَاِثْماً مُبِيناً»، وقد يكون اهم من المشاركه الفعاله والمعارضه القويه لهذه المراه خضوع وتسليم «عمر» واقراره: «اصابت امراه واخطا عمر».

ان عنصر المساواه هو اكبر عنصر يؤدي الي مجتمع الانسان، لانه المناخ الذي يسمح لكل واحد بالقول والمشاركه، ولانه يمحو كل المزايا علي اساس الطبقه او الثراء ا-و الجاه...الخ.

بالاضافه الي هذا المناخ الذي يحقق الانسانيه، فهناك عاملان مهمان: الاول هو الامن من الاضطهاد او المضايقه او ما تقوم به السلطات من اساليب عديده تهدد امن المواطن وتحد حريته وتغرس فيه الخوف. والعامل الثاني كفاله المورد المادي الذي يحقق حياه كريمه لا يشتكي فيها فاقه او عوز، ويتوفـر فيها قوت يومه، وقد كفلت دوله المدينه هذين، فكل مواطن كان امناً في سربه، مطمئناً الي ان احدًا لن يقرع عليه الباب في هداه الليل لينتزعه من فراشه وليودعه سجناً.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل