المحتوى الرئيسى

مبدعات لبنان يكشفن المستور | المصري اليوم، أخبار اليوم من مصر

02/05 00:10

القت قائمه البوكر العربيه القصيره حزمه من الضوء الغامر علي عدد من الاعمإل ألروائيه الجديده، تبعث الحيويه والشباب في عروق الثقافه، وتبشر باسماء لامعه في سماء الابداع. وعلي الرغم من امتعاض بعض المخضرمين من تجاهلهم، واتهام لجنه التحكيم بعدم التخصص، فاختياراتها مؤشر صائب علي الزائعه العامه لدي اوساط القراء ينبغي احترامه، وقد لفت انتباهي في القائمه مبدعه لبنانيه شابه لم اقرا لها من قبل، تتميز روايتها بالحجم المتوسط الرشيق الذي لا يتطلب تفرغاً للقراءه وسط احداث حياتنا الجسام، هي جني فواز الحسن التي تختار عنواناً دالاً هو «انا، هي والاخريات» لكني لم البث عند مطالعتها ان بادهتني مفارقه حاده غير متوقعه، فالمنتظر من الكتاب الشبان غالباً ان تحفل اعمالهم بالوقائع والاحداث والصبوات المتحركه في متخيل نشط يلهث بايقاعه السريع، في مقابل انتاج الكبار الذي ينحو الي التامل والاستبطان، ويتدفق بالخواطر والافكار والتحليلات المعمقه الناجمه عن الخبره المطوله والذكريات المتراكمه، مفاجاه جني فواز انها تقدم لنا نموذجاً بديعاً لهذه الروايات الناضجه التي تخترق عوالم شخوصها وتكشف ما يمور دواخلهم من صراعات التربيه وعذابات التحقق وشهوات الوجود المحتدمه في اعماق الروح. ثم امتلاكها الجراه الكافيه لكشف الاغطيه الكثيفه عن الكيان الانثوي المدهش في جبروته وهشاشته معاً. يسعفها في ذلك خيال خلاق تتميز به روايتها التي تتولي زمام السرد منذ طفولتها فتعكس بالضروره ديناميه خلاقه لخيال المبدعه، حيث تصبح الكتابه والحياه وجهين لعمله واحده، نري انفصالهما عياناً لندرك اتصالهما الحميم، تقول الراويه «سحر» في سطورها الاولي «لطالما وقفت علي مسافه من حياتي وتركتها تحدث، لعبت دور المتفرج فيها، انفصلت بشكل او اخر عن الواقع كانه لا يعنيني، وكان هذه (الانا) التي تعيش فعلاً تقابلها (انا) اخري تراقب الاحداث وتسجلها. كنت في حالة%20الماده>حاله%20الماده>حاله%20الماده>حاله انتظار دائم لذاتي التي 20كانت>20كانت>20كانت>20كانت>كانت تهرب مني الي البعيد، ثم تعود وتبدا بسرد احداث خياليه، وقصص اروع من التي تحكيها الجدات لاحفادهن، بعثت الاحلام دوماً في نفسي المسره.. وعندما كنت اجدني وحيده من دون جميع تلك الاشياء اصنع عالمي الخيالي وامضي فيه ساعات طويله مع اصدقاء وهميين يتحدثون ويتهامسون ويتشاجرون» ومهما كانت التسميه العلميه لهذه الهلاوس الطبيعيه فان بذرتها هي التي تخصب التخيل الادبي، وهي التي تؤهل المبدعين ليكونوا صنّاع الحياه والاحلام والوعي العميق بالذوات المنشطره في جميع تجلياتها وتداعياتها، بذلك هم اهل المعرفه والخبره بالانسان وان صدمونا بفداحه ما يرونه في دواخلنا من تناقض.

تطالعنا الروايه بصوره مجسده لمحنه الجيل الذي ورث خيبه اليسار العربي في ابائه، فسحر عاشت في بيت ماركسي عنيد، فعلي الرغم من ان عائلتها تنتمي الي بيئه محافظه، في طرابلس شمالي لبنان فانه - علي حد تعبيرها- «لم يكن الدين يوماً ركيزه لوجودنا او هويه ملتصقه بنا، بدا الله غائباً عن منزلنا، لم تكن هناك ايات قرانيه معلقه علي الجدران، او صوره للسيده العذراء في احدي الغرف، كان الدليل الحسّي الديني الوحيد الموجود في منزلنا القران المحفوظ بقرب الانجيل في مكتبه والدي الواسعه التي امتدت عرض الحائط، وان بدا الامر مريحاً من كل تلك التشنجات الطائفيه والمذهبيه، خاصه في بيئه مغلقه كالتي تحدرنا منها، فانه لم يكن حقيقه كذلك، اتصل انعدام الرموز والطقوس الدينيه نوعاً ما بغياب الحياه عنا، كنا دوماً في حاله مريبه من العدم المحايد» استطاعت حساسيه البنت التي تلتقط روح الجماعه ان تدرك عدميه الحياه عند خلوها من حراره الدين المتوهجه حولها، وساعدتها احباطات امها علي اكتشاف الفجوه الهائله التي تفصلهم عن محيطهم، فالماركسيون المتطرفون عاشوا في مناخ ايديولوجي مصطنع مبتوت الصله بجذورهم، وعندما عصفت ريح الانهيار بمثلهم الاعلي وهو الاتحاد السوفيتي وجدوا انفسهم يتكئون علي هوه مدوخه، تقول سحر: «والدي الذي امضي سنوات يناضل في سبيل ما سماه التحرر والعدالة الإجتماعية انكر علينا نحن ابناءه حق الفرح بالعيد وطقوسه نقمه علي الدين والطوائف، كان من الممكن ان يشكل سفره الي الكويت في منتصف التسعينيات للعمل في احد مراكز البحوث تغييراً جذرياً في موقفه، ولكن لم تساهم تلك التجربه سوي في اشعال حنقه وسخطه علي كل الانظمه العربيه» هنا نجد التطرف اليساري، القسيم الموازي للتطرف الديني، ومع انه مدفوع بالحنق علي التعصب والطائفيه فانه لا يضمن تربيه متوازنه ينعم بها الابناء ويجدون فيها الملاذ الروحي والمادي لحياه امنه، من هنا شعرت سحر بحاجتها الملحه لمن يرافقها خلال غيبه ابيها الممتده، ومن ثم اخترعت شخصية وهمية ترافقها وتمنحها المشاعر الجارفه الحنون، اخذت تتحدث في خيالةا الي ذلك الرجل الذي ابتكرته وتلقي بنفسها بين احضانه، رافقها في فراشها كل ليله «كنت اتعري امامه، واتحسس جسدي بيديه حتي اني اطلقت عليه اسماً وتركته يصحبني كل مره الي مكان مختلف» هذه الاستيهامات المجسده لم تلبث ان طبعت حياه الراويه الباطنيه وانهمرت في أحلام اليقظه بما جعل لها حيوات متوازيه لم تلبث ان اندفعت في مسارها الجارف لتجعل الروايه امثوله داله علي داء العصر في رفقه المتوحدين وحضور الافتراضيين.

تستعرض الروايه بحذق شديد كثيراً من التاملات الباطنيه في مصير المراه الشرقيه المطالبه بضروره تشكيل مؤسسه 20وزوجيه>20وزوجيه>20وزوجيه>20وزوجيه>الزوجيه واشباع شهوه الانجاب وترويض النزعه البطركيه للرجل لاطفاء حرائق الغريزه وموجات التسلط لديه، تعاني المراه حينئذ من تاجج الصراع المكتوم بداخلها وهي ترقب بفزع تولد الكره الزوجي وتفاقم النفور من الاخر، الذي يجثم علي انفاسها في الواقع وينتهك بشرعيته الاجتماعيه حريتها حتي تتحول مقارباته الي اغتصاب اناني كريه يسومها العذاب. والادهي من ذلك انه يصر بغبائه علي ان ينتزع منها اعترافاً اجبارياً بانها تحبه، فتكتم في حلقها عبارات الامتعاض والاشمئزاز التي قد تقولها امراه لرجل وتصف حالتها قائله: «انسكبت في قلبي جميع الاحاسيس المزعجه التي لا اجد لها اي تفسير، انتفاض جسدي الرافض كلما لامست يداه اي جزء منه، الغثيان الذي تشعرني به قبلاته، حبه الفائض الذي لم اعرف منه سوي الاختناق، معرفته الدائمه بالاشياء، محاولاته البائسه للتفوق عليّ، سطوته علي حياتي»، هذا التحليل المستقصي لمشاعر الزوجه الرافضه لسلطه المؤسسه يتم تعزيزه وتكثيفه بعشرات المواقف واللحظات، وينتهي الامر بطبيعه الحال الي ان تستخلص الزوجه التي حولها زوجها الي ماكينه للمعاشره القسريه الحميمه مساحه لحريتها، فتمارس العمل في شركه تامين مع انها متخصصه في تصميم الديكورات الداخليه، حيث تتعرف علي من يشبع نزعتها الانسانيه ويمثل حتي باسمه «ربيعاً» في صحرائها الجافه ويصبح رفيق خيانتها التي تجتهد بعشرات التعلات في تبريرها، وهنا تقترب الروايه الي حد كبير من نموذج فلوبير الشهير «مدام بوفاري» في كثير من اللحظات الفارقه في عمق المعايشه حتي لحظه اشتعال شهوه الانتحار والمقرب من الموت، لكن الحافز الاساسي الذي تعتمد عليه سحر في اقناع نفسها بمشروعيه الاثم كان قد وفره الزوج لها باريحيه ظاهره عندما تعود علي انتهاك جسدها في فعلين متناقضين ومتواليين، هما الاعتداء عليها بالضرب المهين اولاً، ثم الارتماء في حضنها ومصالحتها بالمعاشره عقب ذلك، وهنا تبرز ازدواجيه سلوك الرجل وتمزق شعور المراه التي تتساءل: «هل انا امراه متحرره تعشق ربيع، ام زوجه يستعبدها سامي؟ وهل حريتي ان اتسلل الي شقه او شاليه بحري لاعبر عن نفسي، عن حبي، عن وجودي المشلول من الخوف لساعات ليس اكثر، في تلك اللحظه انتابني شعور بالشفقه علي تلك الانا، وراح الاحساس ينمو متعاظماً في داخلي.. كانت المراه الاخري تقترب مني بهدوء، عاريه مضيئه وجميله، واخذت تنزع عني ملابسي وتتلمس وجهي وتبعد خصلات الوجه وتقبلني بحنان وتخبرني باني جميله، قلت لها ليتني انت، فطوقتني بذراعها ودخلت تحت جلدي، صار دمنا وصارت روحنا واحده».

واذا كان هذا الازدواج في شخصيه سحر قد جاء نتيجه لتوهج خيالها وانشطار ذاتها وانتهي الي التماهي والتوحد في هذا المشهد فان هناك تماهياً اخر بالغ الاهميه والدلاله في الروايه يمثل الوجه المقلوب لانفصام شخصيه المراه المثقفه يتجسد في علاقتها بمدينتها «طرابلس» التي تحولت في العقود الاخيره ميداناً لحرب الهويات والنزعات الطائفيه والعرقيه، وهنا تبرز جذور الروايه في بيئتها الضاغطه، تصف سحر التحولات العمرانيه والبشريه للمدينه «بدت لي طرابلس يوماً بعد يوم اشد تعلقاً بهويتها الاسلاميه، لتنهض في ربوعها الحركات المتشدده دينياً وتغوص في امواج الحلال والحرام،

وتدافع عن الكيان المستجد عبر نبذ الاخر او اسره، كنت كالمدينه تماماً، امراه فيها الكثير من الكنوز المدفونه والتي تكدس الغبار علي تربتها وابنيتها واثارها، وانتهكت الاوساخ اعلامها، كما اصاب جسدي القبح من جراء اثار الضرب، كلانا انشغل بالوجع والدمار كي ندرك او لا ندرك ان كوه من الضوء تتراءي خلف اللحي وفساد الطامعين والطبقه السياسيه الراسماليه التي تسترت علي الحركات الاصوليه وحكمت بالفقر علي البائسين من السكان، وبدت لي مساله وجودي والضيق الذي طالما رافقني بين كياني وعدمه علي علاقه بالمدينه، وكان ذلك التعلق المريب بالتدين الشكلي الظاهري البعيد عن اي جوهر مساله منهكه لا اجد لها اجابه محدده» حتي هذه الاغوار العميقه في تحليل الظواهر النفسيه لشخوصها المتعددين الذين لا يسمح المجال بسبر دواخلهم، والظواهر الاجتماعيه المعقده لطبيعتها الاقتصاديه والتاريخيه للمدينه التي تشبه البطله بشكل معكوس في بحثها المرهق عن توازن الايديولوجيات وسكينه الروح وتحقيق الذات، خلاصاً من الصراعات المحتومه والمكتومه،

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل