المحتوى الرئيسى

“سبارتاكوس” لكوبريك: حين تلتقط السينما ثورة المضطهدين

01/23 03:38

للوهله الاولي يبدو فيلم «سبارتاكوس» وكانه مجرد فيلم من تلك التي كثر انتاجها في الخمسينات والستينات من القرن الفائت، راويه حكايات ابطال رومانيين خارقين وسط ديكورات ضخمه ومشاهد مثيره فيها جولات صراع وسط الحلبه، وسباقات عربات تجرّها الاحصنه ومواقف غدر في كواليس القصور. وهو، علي ايه حال، شوهد علي هذا النحو حين عرض للمره الاولي فور انجازه في العام 1960، وبالكاد اهتم احد يومها بمعرفه اسم مخرجه، في مقابل ارتباط الفيلم باسم النجم كيرك دوغلاس الذي قام بالدور الرئيس في الفيلم. ولاحقاً في شكل تدريجي، ومنذ عمّت شهره ستانلي كوبريك بفضل فيلمه التالي «لوليتا» ثم «دكتور سترانجلاف» ومن بعده «2001 اوديسا الفضاء»، وكذلك بفضل مبارحته وطنه الأميركي غاضباً وقد قرر ان يقيم مذّاك وصاعداً في بريطانيا ويحقق فيها بقيه افلامه - وهو امر نفّذه بالفعل كما يعرف متابعو تاريخ السينما - راح اسم كيرك دوغلاس يتقلص حين الحديث عن «سبارتاكوس» لتعلو اسهم اسم كوبريك كمخرج لهذا الفيلم. ومع هذا، حين ظهر دوغلاس علي شاشه التلفزه البريطانيه قبل سنوات قليله من الان ليتحدث عن «سبارتاكوس» بالكاد ذكر اسم كوبريك، ناسباً الي نفسه، كمنتج علي الاقل، فضل وجود هذا الفيلم. وطبعاً لا يمكن لوم دوغلاس كثيراً في هذا الصدد، فهو، علي اي حال، ينتمي الي مدرسه هوليووديه كانت تري في المنتج سيداً للفيلم، وفي المخرج مجرد تقني ينفذه. ثم ان فضل دوغلاس ونجوميته علي الفيلم، في ذلك الحين كان كبيراً. ذلك ان اسم ستانلي كوبريك كان يثير فزع اليمين الاميركي الخارج لتوّه من مرحله الماكارثيه، اضافه الي ان كاتب السيناريو دالتون ترامبو، كان من اليساريين الذين حظّرت الماكارثيه التعاون معهم، ما كان يمنعه من وضع اسمه علي عناوين الفيلم. لكن دوغلاس ساهم في خرق ذلك المحظور، حتي وان لم يكن دارياً بالمحمول السياسي الحقيقي لفيلم «سبارتاكوس». والغريب ان هذا الاستنتاج ينطبق كذلك علي فيلم اخر، كان دوغلاس انتجه وكوبريك حققه قبل «سبارتاكوس» مباشره، وهو «دروب المجد». في هذا الاخير لعب دوغلاس دور ضابط فرنسي نزيه يقف ضد جبروت القياده العسكريه في بلاده، وضد قسوه الحرب في شكل عام، خلإل آلحرب العالميه الاولي (ما ادي الي منع عرض الفيلم في فرنسا سنوات طويله). اما في «سبارتاكوس»، فانه لعب دور ذلك العبد الذي يروي لنا التاريخ كيف انه قاد واحده من اولي الثورات الطبقيه في التاريخ، ايام الأمبراطورية الرومانية. ونحن نعرف، منذ بدايات القرن العشرين، ان سبارتاكوس استخدم دائماً من جانب الشيوعيين رمزاً لنضالهم، بدءاً من روزا لوكسمبورغ الالمانيه التي حمل تنظيمها اسم سبارتاكوس. غير ان من الواضح ان كيرك دوغلاس لم يابه بهذا كله، بل ربما لم يكن يعرفه في تفاصيله علي الاقل، حتي وان لم يكن هو نفسه شيوعياً او يسارياً.

في الحديث التلفزيوني الانف الذكر، حين جيء اخيراً علي ذكر اسم كوبريك، قال دوغلاس علي اي حال ان رايه في سبارتاكوس يمكن تلخيصه في انه «كان انساناً عظيماً من دون ان يعرف ذلك». اما كاتب السيناريو «فكان يريد تصويره كانسان تاريخي عظيم»، اراد تغيير الامور جذرياً، في مقابل النتيجه التي صورها كوبريك وهي ان سبارتاكوس كان انساناً سيّره قدره ثم هزمه لان الناس لا يستطيعون تبديل اي شيء. سبارتاكوس في نظر كوبريك كان مجرد جزء من اله تشتغل بفعل الاقدار. فمن كان سبارتاكوس هذا؟

انه، وفق الفيلم، والسياق المرويّ عن الشخصية في التواريخ القديمه، عبد جاء به التاجر الروماني باسياتوس من ليبيا، علي رغم انه تراقي الاصل. والحقه بمدرسه كابوفا للمصارعين حيث التقي فارينيا، العبده الحسناء الاتيه من مقاطعه بريتاني الفرنسية فوقع في غرامها. في تلك الاثناء يكون في زياره المدرسه، بعد انتهاء سبارتاكوس من تدريباته، الجنرال ماركوس كرازوس الذي في المدرسه يعلن رغبته في ان يقوم قتال حتي الموت بين واحد من مصارعي المدرسه، والمصارع الحبشي الضخم درابا. ويتم اختيار سبارتاكوس لخوض ذلك الصراع. خلال المصارعه ينتصر درابا علي سبارتاكوس بالفعل، لكنه يرفض ان يجهز عليه، بل انه يرتد علي كرازوس محاولاً قتله، فيتمكن منه هذا الاخير ويقتله. وبعد حين يتمكن سبارتاكوس من الهرب مع رفاق له، ليتزعم ثوره عبيد تسعي الي الحريه. وعند بدايه الثوره يتمكن العبيد من الانتصار علي الجيش الروماني الذي يقوده الجنرال غلابروس، مساعد كرازوس وصديقه، واثر ذلك يقود قواته الي مواقع جبليه حصينه، سبقته اليها حبيبته فارينيا، وكذلك انطونينوس الذي كان خادماً شخصياً لكرازوس. واذ تضيق الامور من حول سبارتاكوس ورفاقه المحاصرين في الجبال، يقرر هذا الزعيم ان يخرج من ايطاليا ويتفق مع زعيم قراصنه يدعي تيغرانيس علي ان يزوّده بما يلزم من سفن. في تلك الاثناء يكون كرازوس في روما منتظراً فرصته للانقلاب والاستيلاء علي السلطه، غير ان النبلاء بزعامه يوليوس قيصر يتصدون له. اما بالنسبه الي سبارتاكوس، فانه حين يصل مع قواته الي الشاطئ، يكتشف ان الرومان قد اشتروا زعيم القراصنه وحرّضوه علي عدم تزويد سبارتاكوس وصحبه بالسفن. وهكذا، يجد هؤلاء انفسهم محاصرين بثلاثه جيوش رومانيه يقودها كرازوس. وتكون النتيجه مذبحه للعبيد تسفر عن مقتل الالوف منهم. اما الناجون، ومن بينهم سبارتاكوس وانطونينوس، فانهم يساقون اسري الي روما كي يُصلبوا عقاباً لهم. وعند الشاطئ نفسه، يعثر كرازوس علي فارينيا ورضيعها، ابن سبارتاكوس، فياخذهما معه الي قصره. وهو حين يعجز عن اغوائها والسيطره عليها، يحاول ان ينتقم من فشله هذا، بدفع سبارتاكوس وانطونينوس الي التصارع حتي يموت احدهما، علماً ان الذي سينتصر سيكون الصلب مصيره في النهايه. وبالفعل سرعان ما تحل هذه النهايه: سبارتاكوس ينتصر علي انطونينوس، ويُرفع علي الصليب حيث يبدا احتضاره الاليم والبطيء... اما فارينيا، فانها - اذ يتمكن غراشوس من عتقها - تاتي الي المكان الذي صلب فيه حبيبها، حامله ابنهما، فتريه له مؤكده انه اصبح مواطناً رومانياً حراً... محققاً بذلك حلم الاب في نيل الحريه.

كتب دالتون ترامبو سيناريو هذا الفيلم انطلاقاً من روايه كان نشرها الكاتب هوارد فاست، الذي كان بدوره معروفاً بمواقفه التقدميه، ما جرّ عليه حملات الماكارثيين، غير ان ستانلي كوبريك عاد وتدخل كثيراً في مجريات الاحداث، ورسم سيكولوجيه الشخصيات، وهو الامر الذي وضعه علي تجابه دائم، من ناحية مع ترامبو، ومن ناحيه اخري مع كيرك دوغلاس الذي كان يصرّ علي ان يتسم الفيلم بسمات بطوليه خارقه علي النحو الذي يعطي شخصيته تميّزاً في فيلم كان من اللافت فيه وجود عدد كبير جداً من الممثلين الكبار، الي جانبه، بدءاً من بيتر اوستينوف الذي كان الوحيد الذي حصل علي جائزه اوسكار عن ادائه في الفيلم، وصولاً الي لورانس اوليفييه الذي كان يريد، اولاً، لعب دور سبارتاكوس ثم اكتفي بدور كرازوس، مروراً بطوني كورتس (انطونينوس) وتشارلز لوتون (غراشوس)، وجين سايمونز (فارينيا).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل