المحتوى الرئيسى

في ''القرصاية''.. ''البراءة'' تواجه ''السجن'' بـ''الرسم'' !

01/21 23:52

كتبت - شيماء الليثي ودعاء الفولي:\nكانت الجزيره التي يفصلها عن الطريق العام شريط نهري صغير، مكونه من بعض الاراضي الزراعيه المتراميه هنا وهناك، بين هذه الاراضي طريق ترابي متعرج وبيوت متواضعه جدا، لا تكاد يُري فيها النور، الا هذا البيت الذي كان مختلفا عن البقيه.

كان المنزل يحيطه سور صغير، مطليا بطلاء ابيض ناصع علي عكس معظم المنازل في ''الجزيره''؛ اما ''حديقه '' المنزل الذي كان صاحبه ''محمد عبله'' الفنان الذي استضاف الورشه في منزله، فلم تكن بالكبيره جدا؛ اذ تعالت منها اصوات الصراخ السعيد للاطفال، الذين كانوا يمرحون في الحديقه ويصورهم بعض النشطاء الذين نظموا الحدث، فكانوا يبتسمون في الصور، غير عابئين بما يحدث لجزيرتهم ''القرصايه''.

اطفال الجزيره انهكتهم الفرحه في نهايه اليوم، ذلك لانهم قضوا اليوم في الرسم واللعب علي حد قولهم؛ حيث ان الورشه الفنيه التي قرر مجموعه من الناشطين ان يبداوها من اجلهم، كانت قد اثمرت عن رسومات مختلفه، نقل فيها الاطفال رايهم في ما يحدث للجزيره من قبل الجيش.

وعلي الرغم من ان الرسومات المعلقه علي جدار عريض في حديقه المنزل كانت متباينه، الا انها جميعا اشتركت في ''البراءه'' و''الثوريه'' التي تمتع بهما اطفال الجزيره.

وامام جدار ''الرسومات''، وقفت ''هاجر'' تتمعن النظر لتبحث عن لوحتها؛ حيث قالت '' انا رسمتي موجوده هنا في وسط الرسم، احنا من اول النهار بنرسم حاجات وعملنا حاجات كتيره حلوه النهارده''، وعن اسباب وجود ورشه لتعليم الاطفال الرسم في ''القرصايه''، قالت: '' هما عملوا اليوم النهارده عشان الناس اللي الجيش خدهم من عندنا، احنا نفسنا انهم يطلعوا بقي''.

روت ''هاجر'' احداث دخول الجيش لقريتهم كما سمعت من اهلها، خاصه وان عمها ضمن من تم اخذهم '' هما كانوا في القارب بتاعهم الساعه 4 ونص الفجر كده طالعين يصطادوا، وبعدين خدوهم من غير ما يقولولهم حاجه''.

الاحداث جعلت ''هاجر'' تغير نظرتها للامور لحد كبير؛ حيث '' انا بقيت خايفه من الجيش واللي بيحصل، ومش عارفه خدوهم ليه''، مؤكده ان رغبتها الوحيدة الان هي '' عايزيني نعيش في امان هنا في الجزيره''.

اما ''ميرفت'' التي لم تتجاوز عامها الثاني عشر بعد فقد حكت ان '' اشرف ابن عمتي اتاخد من ضمن اللي اتخدوا، وهو عنده خمس عيال، وكان بيصطاد وقت ما خدوه''، مؤكده ان اكثر ما يزعجها كـ''طفله'' هو تعامل افراد الجيش الموجودين علي ارض الجزيره مع الناس، فهم '' بيضربوا نار كل يوم بليل متاخر عشان نعرف انهم موجودين، والعيال الصغيره بتقوم مفزوعه من النوم''.

''وقت اما خدوا ابن عمتي والناس التانيه فيه ناس غيرهم نطوا في البحر، وفي ناس منهم تعبت اوي، وفي ناس اتاخدوا وهما نايمين''، قالتها ''ميرفت'' التي لا زالت تتساءل عن مصير من تعرفهم في السجون العسكريه حتي الان.

الطفله ''ماجده'' كان لها قصه مختلفه؛ اذ انها لم تكن من اطفال الجزيره الا ان اخوالها من الإفراد الذين تم القبض عليهم، ما جعلها حزينه وغاضبه علي الرغم من صغر سنها ''ناس رايحه شغلها عشان يسترزقوا، ياخدوهم ليه، اومال لو بيبيعوا مخدرات كان حصل ايه؟!'' .

''ياسر علي'' خال ''ماجده'' لم يكن بلطجيا، تبعا لكلامها '' الناس بيقولوا علي خالي واللي اتاخدوا بلطجيه، ودي مش حقيقه، دول ناس غلابه''، كما انها لم تسلم من كلام بعض مدرسيها في المدرسه '' لما حصلت حكايه الجيش اللي دخل الجزيره، المدرسين بتوعي كانوا بيقولوا ان اهالينا بلطجيه، بس انا قمت في الفصل كنت بقولهم انهم كويسين ومش بلطحيه، هما واصحابي اللي كانو بيقولوا كده''.

''ما عرفتش ارسم ايه ؟!.. دا تاني اخ يموت لي وامي وابويا عينيهم ما بتنشفش من البكا، مفيش رسم هيعبر''.. هذه كانت كلمات للطفله ''سماح'' شقيقه المرحوم ''محمد عبد الجواد'' الذي قتل باحداث القرصايه، عللت بها عدم قيامها بالرسم كالباقين الذين شاركتهم الحزن دون الرسم.

''سماح'' طفله الاحد عشر عاما والتي تركت دراستها بالاعدادي بعد وفاه ''محمد'' فعمله بالصيد كان العائل الوحيد لهم '' ابويا راجل كبير وتعبان واخويا الصغير لسه ما بيعرفش يصطاد''.

وعن اخيها الذي قتل برصاص الجيش، تذكرته بفيض من الدموع، قائله: ''كان هيتجوز كمان شهر وجهز الشقه وكل حاجه''، وعن علاقتها به فتقول الطفله المكلومه '' كنت بحبه اوي لانه كان حنين معايا، كان بيصيحني من النوم كل ما يجي ويهزر معايا ويديني فلوس ويقولي هاتي اللي نفسك فيه ''.

في حديثها عن اخيها ''محمد'' سرعان ما تذكرت ''سماح'' ما وصل اليه حالهم الان من حسره الام والاب الذين توفي طفلهم الاخر منذ عده شهور متاثرا بمرض السرطان، ثم لم يكد يحول عليهم الحول حتي فقدوا ولدهم العشريني الذي طغت بشاعه موته علي بشاعه موت اخيه الاصغر .

احلام ''سماح'' فاقت حد سنها الصغير؛ فالاطفال في مثل عمرها لديهم من المرح والاحلام ما لديهم بينما هي '' انا مبقتش بعرف احلم انا مبشوفش غير كوابيس.. كل اللي نفسي فيه بس ان حق اخويا يرجع ''، وهنا مر طفلا مقاطعا ''سماح'' صارخا بغضب ''بالقصاص .. حق اخوكي لازم يرجع بالقصاص، مش هنقبل غير كده''.

''عبد الله'' طفل عمره لم يتجاوز العاشره، الا ان '' الشهرين اللي فاتوا كانوا بميت سنه في عمري''؛ اذ اعتبر ان ما حدث بالقرصايه كان فارقا كبير في عمر طفل لم يعد طفلا بعد الان.

'' رسمه'' عبد الله عبرت عن ذلك '' رسمت واحد من الجيش بيضرب راجل من اهل القرصايه وكتبت في الصوره اهالي القرصايه بينضربوا بالعصايه وانت يا جيش حلق حوش''، وعن سبب اختياره لهذه الرسمه بالتحديد فسر ذلك بان ''الجيش كان جاي وبيضرب في اي حد وخلاص مابيهموش''.

لكن رسمته لم تخرج كل طاقه الغضب التي يمر بها منذ رؤيته من الظلم علي جزيرته ما راي؛ اذ قال '' لسه جوايا غضب كتير عايز اطلعه، هنزل مظاهرات واعتصامات وههتف ضد اللي ظلمونا، وهنزل في 25 يناير اللي جاي اطالب بحق اللي قبضوا عليهم من غير ذنب والتي اتقتل غدر''.

غضب ''عبد الله'' لم يكن وليد اللحظه بل كان نتيجه مشاهداته المستمره بالجزيره '' كل المعتقلين اصحاب بابا وزي اعمامي وحرام يفضلوا في السجن كده من غير سبب''.. هذا هو احد اسبابه للنزول في المظاهرات، اما السبب الاخر '' كل ما بشوف ام الشهيد محمد وهي زعلانه وبتعيط عليه ببقي نفسي اعمل اي حاجه عشان اجيبلها حقه رغم انه مش قريبي ولا حاجه '' .

اما عن المعتقلين فهناك كانت ''ساره'' طفله احدهم تقف منزويه الي الحائط '' مكونتش في البيت لما الجيش جه وضرب الناس، ولما جيت تاني يوم سالت علي بابا، ماما قالتلي مش لاقينه ومش عارفين فين''.. هكذا روت الطفله ببراءتها احداث يوم فقدانها لوالدها الذي اصبحت لا تطيق فراقه بعد '' بابا وحشني اوي ونفسي اشوفه، مش عارفه هما حاجزينه ليه وهو معملش حاجه، ده كان بيصطاد في حاله ''.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل