المحتوى الرئيسى

ايمن الصياد يكتب: ما بين الصحفى والسلطة (٢) روائح السوفييت القديمة ..

01/13 09:48

لم اكن اظن ان اشكاليه العلاقه ما بين الصحافه والسلطه، في عصر ما بعد ثوره شعبيه، وضعت «الحريه» بين مطالبها الثلاثه، يحتاج اكثر من مقال واحد. الا ان نقاشا وتعليقات علي مواقع التواصل الاجتماعي حول مقإل آلاحد الماضي، فضلا عما بدا «ضجرا» واستقواء بقوانين تحتاج مراجعه، جعلتني اعود الي الملف لاضع علي هامشه عددا من الملحوظات:

1ــ ان الاتهامات بالتجاوز او بعدم دقه المعلومات او باستخدام لغه غير لائقه، هي صحيحه في كثير من الاحيان. ولكن صحيح ايضا ان الاتهامات تطال الجميع، بما فيها من وسائل اعلام وصحف محسوبه علي النظام الحاكم وجماعته ومؤيديه. وذلك ان الاسباب واحده هنا وهناك. وان الادواء ايضا واحده هنا وهناك.

2ــ ان كل من شاء حظه ان يعمل في هذه المهنه، في هذه الظروف، يدرك مشكله توافر المعلومات والبيانات الصحيحه، في مجتمع لا يعرف مسئولوه ان «الشفافيه هي عنوان المجتمعات الحديثه». وفي مناخ تغيب فيه «عمدا او درءا للمشاكل» المعلومه الصحيحه، تنتشر بالضروره التكهنات والشائعات، وما تقود اليه من اخبار تعوزها الدقه والتوثيق. وربما اخر مثال واضح علي هذا، ما جري بشان استبعاد لوزير الداخلية السابق من التشكيل الوزاري الاخير. فرغم كل ماقيل «علي الجانبين» من اسباب «متباينه ومتناقضه»، لم نسمع توضيحا رسميا للامر «نفيا او اثباتا» لاي من تلك الروايات. وما يقتضيه طبعا من احاله الامر الي التحقيق ان كان هناك ما يستوجب ذلك. ويتصل بذلك ما قيل من «روايات» عن واقعه الاتحاديه؛ من اجتماعات تم رصدها.. الي مخططات للاقتحام او «الاختطاف». وكلها «رسميا» لم تتجاوز مرحله «الروايات المرسله» كما يقول التعبير القانوني الي مرحله تحقيق مستقل يستند الي ادله معلنه واثباتات موثقه. فهل من العدل ان نوجه اصابع الاتهام الي «الصحافه» التي تتناول مثل تلك «الروايات» مسايره، او معارضه.

3ــ ان بعض الاخبار التي يتم رسميا «تكذيبها»، تثبت الايام بعد ذلك صحتها. (راجع مثلا ما نشرته «الشروق» قبل اسابيع عن استقاله نائب الرئيس).

4ــ ان الاعلام هو في نهاية المطاف «ابن لمجتمعه». وان الاعلاميين هم خريجو هذه المدارس، وابناء هذه الثقافه. وهي ثقافه للاسف لا تحترم الارقام، ولا تجد غضاضه في التهويل والمبالغه. يتساوي في ذلك المسئول الذي يدلي بتصريحات تعتمد علي ارقام تعوزها الدقه، والصحفي الذي لا يكلف نفسه جهد البحث والتنقيب تدقيقا لخبر او توثيقا لرقم في قصته الصحفيه.

5ــ ان الاعلام «جديده وقديمه» والذي يعتبره البعض اليوم «المتهم الاوحد»، كان هو الذي مهد الطريق لسنوات لثوره الشباب في ٢٥ يناير ٢٠١١، فالصحافه هي التي نشرت شهاده المستشاره نهي الزيني عن التزوير الفاضح للانتخابات (٢٠٠٥). وهي التي كشفت عن تجاوزات اجهزه الامن والتعذيب داخل الاقسام (حادثه عماد الكبير / جريده «الفجر»)، وهي التي اطلعتنا علي جريمه المبيدات المسرطنه (جريده «الشعب»)، كما ليس من العدل ان ننسي الدور الذي لعبته جريده «العربي الناصري» ايام عبد الحليم قنديل وعبد الله السناوي في الكشف بالحاح عن مخططات التوريث المباركيه. ثم وبعد ذلك كله دور الاعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي (كلنا خالد سعيد) في اشعال الفتيل، والحشد وتنظيم الصفوف، في تجربه اخذت مكانها في مناهج التدريس في اقسام الاعلام في اكثر من جامعه.

6ــ ان المعنيين بالاعلام «تنظيما وتقنينا» عليهم ان يدركوا اولا ان حقائق العصر لم تعد تسمح بالتفكير في «حجب او منع». فسحب ترخيص قناه ما، لن يمنعها من ان تبث في اليوم التالي من قبرص او غيرها. كما ان محاوله حجب مواقع علي الانترنت، هي محاوله «مع تكلفتها العاليه» يعلم المتخصصون كم هي فاشله.

7ــ ان من يصنع السلاح، ويضعه علي الطاوله، لا يضمن من سيستخدمه فعليا اليوم او غدا. ولعلنا نتذكر ان التنكيل بجريده «الشعب» / عادل أحمد حسين، وحزب «العمل الاشتراكي» / المجاهد ابراهيم شكري، جري تحت اللافته نفسها التي يجري الترويج لها اليوم: «التحريض، واثاره الفتنه، وتهديد السلم الاجتماعي». رغم ان السبب الحقيقي ويا للمفارقه ان الجريده يومها كانت قد فتحت صفحاتها لرموز من «الاخوان المسلمين».. ولكن «افه حارتنا النسيان» كما يقول راحلنا، الذي لا نعرف ماذا كان سيقول عنا اليوم: نجيب محفوظ.

وبعد… يعرف الدارسون ان تاريخ الاعلام في النصف الثاني من القرن العشرين يعرف مدرستين ــ اتجاهين ــ متباينتين لدور الاعلام في مجتمعات ماب عد الحرب. كان هناك من اعتقد ان الاعلام الوطني ينبغي ان يكون «تربويا وتعبويا» وان دوره يتلخص في خدمه الدوله / الحزب ومساعدتها في تحقيق اهدافها «الساميه». وكان هذا في حينه خيار الإتحاد السوفييتي ومن نهج نهجه «بغض النظر عن الايديولوجيا». ووقتها كان بناء الاسوار الحديديه متاحا، وانتعشت تقنيات «التشويش» علي الاذاعات الوافده، وزادت في المطارات اعداد موظفي «الرقابه» المتخصصين في قراءه «ما بين سطور» الكتب والمنشورات والصحف المختبئه بين طيات ملابس المسافرين. ويعرف مثقفو هذا الزمان كيف كانت دول عربية عده، تعادي ومازالت «روائح السوفييت القديمه» قد اثبتت تفوقها في هذا المضمار.

علي الناحيه الاخري، كانت هناك مدرسه مغايره، ترسخت مفاهيمها تحديدا بعد ان نفضت عن كاهلها «الثقافي» غبار «المكارثيه» الكريه. واتجهت هذه المدرسه الي اعتبار الاعلام «مراقِبا» للدوله ومؤسساتها. ومحاسبِا لرموزها. ومحقِقا «بمعارضته» التوازن المطلوب في المجتمع.

مدرستان ومفهومان فصل بينهما «جدار برلين».. والنتيجه في نهايه المطاف معروفه. سقط الجدار؛ بكل ما يعنيه ذلك «رمزا» من هزيمه لاحدي المدرستين. ودخل العالم قرنا جديدا، تحكمه قواعد جديده، لا علاقه لها بعالم نابليون او مونتجمري او ستالين وبالتاكيد بعالم «محمد الفاتح». قواعد جديده اهمها علي الاطلاق ما عرف «بثوره الاتصالات» والانترنت والفضاء المفتوح. واصبحت «الرقابه.. والتشويش» من ذكريات الماضي، وكان طبيعيا عندما يجري استدعاؤها في غير زمانها الا تفلح في الحيلوله دون ان يلاقي معمر القذافى مصيره. كما كان طبيعيا الا تفلح في ان تمنع الملايين من مشاهده لحظه إعدام صدام حسين (رغم عدم علانيه تنفيذ الحكم) او حتي متابعه خطب بن لادن، قبل ان يرحل عن عالمنا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل