المحتوى الرئيسى

فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا | المصري اليوم، أخبار اليوم من مصر

01/12 23:34

لا يمكن لاي حضاره ان تقوم دون سند او رصيد من قيم واخلاق.. ولا يمكن ان تنال امه عزه او شرفاً او مكانه الا اذا كان حظها ونصيبها من الاخلاق عظيماً.. وقد عبر «شوقي» عن ذلك في بيته المشهور عن الاخلاق بقوله: «انما الامم الاخلاق ما بقيت... فان همُ ذهبت اخلاقهم ذهبوا»، وقد اكد هذا المعني في كثير من روائع قصائده.. مثل قوله: واذا اصيب القوم في اخلاقهم.. فاقم عليهم ماتما وعويلا»، وقوله: «وما السلاح لقوم كل عدتهم.. حتي يكونوا من الاخلاق في اهب»، وقوله: «علي الاخلاق خطوا الملك وابنوا.. فليس وراءها للعز ركن»، وقوله: «وليس بعامر بنيان قوم.. اذا اخلاقهم كانت خرابا»، وقوله: «المجد والشرف الرفيع صحيفه.. جعلت لها الاخلاق كالعنوان».

وقد كان النبي محمد، صلي الله عليه وسلم، علي الذروه في مكارم الاخلاق.. ولا عجب في ذلك فقد مدحه المولي تعالي بقوله: «وانك لعلي خلق عظيم».. وقال عن نفسه: «انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق».. من ذلك وفاؤه، صلي الله عليه وسلم، بالعهود والعقود، مصداقا لقوله تعالي: «واوفوا بعهد الله اذا عاهدتم» (النحل: ٩١)، وقوله: «واوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا» (الاسراء: ٣٤)، وقوله: «اوفوا بالعقود» (المائده: ١).. وقد تجلي ذلك في حياته كلها، مع أهل بيته واصحابه.. حتي مع اعدائه.. فقد عقد صلي الله عليه سلم صلحا تاريخيا، هو «صلح الحديبيه»، مع قريش في العام السادس للهجره، وكان من بنوده ان من جاء من قريش مسلما ليلحق بالرسول في المدينه فانه يرد الي مكه ثانيه، ومن اراد ان يرتد من المسلمين في المدينه ويعود الي مكه لا يمنعه المسلمون من ذلك.. وقد راي الصحابه في هذا اجحافا شديدا، حتي ان عمر رضي الله عنه قال: «اولسنا علي الحق يا رسول الله؟ قال: بلي.. قال عمر: فلِمَ نُعطي الدنيه في ديننا»؟! والتزاما بما تم الاتفاق عليه قام النبي، صلي الله عليه وسلم، بتسليم شابين مسلمين الي اهلهما المشركين، ولما يجف المداد الذي كتبت به وثيقه الصلح، بالرغم من انهما سوف يعودان الي العسف والقهر والتعذيب علي يد زبانيه قريش.. وقد ذكر البخاري في صحيحه قصتهما؛ قصه ابي بصير (عتبه بن اسيد الزهري)، وقصه ابي جندل بن سهيل بن عمرو، وهذا الاخير هو الذي ابرم وثيقه الصلح مع النبي، صلي الله عليه وسلم، نيابه عن قريش، ومن العجيب انه اسلم بعد ذلك وحسن اسلامه.

في قصه ابي بصير دروس وعظات وعبر.. اذ بعد ان تسلمه حارسان من قريش ليعودا به مقيداً الي مكه، احتال ابوبصير علي احدهما ليعطيه سيفه، فلما اخذه هوي به عليه فقتله، وانطلق يطارد الاخر الذي فر هاربا الي المدينه.. حين وصلها ابوبصير، دخل علي النبي، صلي الله عليه وسلم، وهو في المسجد، وقص عليه ما حدث.. ثم قال: يارسول الله، وفت ذمتك وادي الله عنك.. اسلمتني بيد القوم، وقد امتنعت بديني ان افتن فيه او يعبث بي.. فلم يكرهه النبي، صلي الله عليه وسلم، علي العوده الي مكه، لكنه لم يسمح له بالبقاء والاقامه في المدينه، حيث يناقض ذلك اتفاقيه «الحديبيه»، وقال له: «اذهب حيث شئت»، [السيره الحلبيه ج ٢ ص ١٥١].. ولما طلب ابوبصير من النبي، صلي الله عليه وسلم، اعتبار سَلَب الحارس المشرك المقتول وبعيره غنيمه حرب، فيخمسها كما تخمس الغنائم، رفض النبي، صلي الله عليه وسلم، ذلك وقال: «شانك بسلب صاحبك».. ثم اردف قائلا: «ويل امه، مسعر حرب لو كان معه رجال» [تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦٣٩].

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل