المحتوى الرئيسى

معارك الدستور.. سنوات الهدوء

12/28 07:58

بعد شهور قليله من عوده العمل بدستور 1923 توفي الملك احمد فؤاد وخلفه علي عرش مصر ابنه فاروق، وخلال سنوات حكم فاروق السته عشر تحول الصراع الدستوري الي اسلوب جديد، اسلوب الصراع بالنقاط وليس بالضربات القاضيه.

المعركه الاولي التي تهاونت فيها حكومه الوفد كانت معركه اختيار رئيس الديوان الملكي، فبعد تولي فاروق سلطاته الدستوريه كامله وانتهاء مرحله الوصايه علي العرش باشهر قليله، وفي شهر اكتوبر 1937 عين الملك فاروق علي باشا ماهر رئيسا للديوان الملكي دون مشاوره الحكومه.

كان الصراع حول السلطات الدستوريه للملك قد بدا مع اول حكومه دستوريه شكلها سعد زغلول بعد صدور دستور 23، يومها اصر سعد علي ان اختيار رئيس الديوان وموظفي السرايا يجب ان يحظي بموافقه الحكومه، وانتصر في معركته، لكن حكومه الوفد سنه 1937 لم تتمسك بحقها في الموافقه علي تعيين رئيس الديوان، وتغاضت عن اصدار الملك لقرار تعيين علي ماهر وسكتت عنه، فاتجه الملك ورئيس ديوانه الي انتزاع مزيد من السلطات الدستوريه من الحكومه، كان يكون للملك الراي النهائي في منح الرتب والنياشين، وفي تقديم مشروعات القوانين للبرلمان، وفي تعيين موفي السرايا.

 وتفاقمت الازمه بين الملك والحكومه، وقبل ان ينتهي عام 37 كان فاروق قد اقال حكومه النحاس باشا مستندا الي المظاهرات المعارضه للحكومه التي توجهت الي قصر عابدين، ومنتهزا فرصه الانشقاق الذي وقع في حزب الوفد، وجاء في اسباب اقاله الحكومه: «مجافاتها لروح الدستور وبعدها عن احترام الحريات العامة وتعذر ايجاد سبيل لاصلاح الامور علي يد وزاره يراسها مصطفي النحاس».

 وفي نفس اليوم كلف الملك محمد باشا محمود بتاليف حكومه جديده ضمت خليطا من الساسه الجاهزين للمشاركه في كل الانقلابات الدستوريه، واجلت الحكومه انعقاد البرلمان شهرا ثم استصدرات مرسوما ملكيا بحله، واجرت انتخابات جديده تحت اشرافها، انتهت الي حصول حزب الوفد علي 12 مقعدا فقط نتيجه للتزوير المفضوح.

وعن هذه الازمه الدستوريه ودور محمد باشا محمود فيها، قآل محمد زكي عبدالقادر في كتابه «محنه الدستور 1923 ــ 1952»: «لكن خطاه وخطا غيره ممن اقدموا علي هذه التجارب غير الدستوريه انهم ربطوا بينها وبين قوه الوفد، علي ان النظر العميق كان يجب ان يهديهم الي ما هو اقوم من هذا سبيلا، فان المطالبه بالدستور والتلهف لتحقيقه والحرص عليه كان في مصر قبل حركه عرابي، وبعد حركه عرابي، وفي ايام مصطفى كامل، وقد طالب به حزب الامه الاب الروحي لحزب الأحرار الدستوريين الذي يراسه محمد محمود. ولئن كانت اخطا الوفد قد اضعفته، فان الايمان بالدستور لم يضعف، والنفور من الحكم المطلق كان يزداد يوما بعد يوم».

لقد شاركت احزاب الاقليه (الاحرار الدستوريين والسعديين والحزب الوطني) الملك فاروق ورئيس ديوانه علي ماهر في اول معركه ضد الشرعيه الدستوريه، معركه كان هدفها نقل السلطه من الشعب الي الملك، واداتها تزوير الانتخابات، ولم تستمر حكومه محمد محمود في الحكم كثيرا فقد استقالت الحكومه بناء علي تبليغ من الملك في اغسطس 1939، وفي ظل برلمان اتي بالتزوير، توالت علي حكم البلاد ثلاث حكومات، برئاسه علي ماهر ثم حسن صبري ثم حسين سري، وفي فبراير عام 1942 وبعد تازم موقف الحلفاء في الحرب العالميه الثانيه، وتقدم القوات الالمانيه في الاراضي المصريه من الغرب، وتفاقم الازمات التموينيه وزياده الغضب الشعبي في الداخل ارغم الانجليز الملك علي تكليف النحاس برئاسه الحكومه في حادثه 4 فبراير الشهيره.

وبعد ان تولي النحاس الحكم اجري انتخابات برلمانيه جديده في شهر مارس فاز فيها الوفد باغلبيه كبيره، واستمر الوفد في الحكم قرابه عامين مستندا الي اغلبيه برلمانيه كبيره، ومعتمدا علي انكماش دور السرايا وتدخلاتها من تاثير اللطمه التي تلقتها من الانجليز، لكن مع اقتراب نهايه الحرب العالميه وتغير موازين القوه لصالح الحلفاء لم يعد الانجليز في حاجه لحكومه الوفد التي تستند الي اغلبيه شعبيه حقيقيه، واعطوا الضوء الاخضر لفاروق ليطيح بحكومه النحاس، فاقال الملك الحكومه في اكتوبر 1944، وكلف أحمد ماهر زعيم السعديين بتشكيل الحكومه الجديده، وجاء في خطاب الاقاله: «لما كنت حريصا علي ان تحكم بلادي وزاره ديمقراطيه تعمل للوطن وتطبق احكام الدستور نصا وروحا، ونتسوي بين المصريين جميعا في الحقوق والواجبات، وتقوم بتوفير الغذاء والكساء لطبقات الشعب؛ فقد راينا ان نقيلكم من منصبكم، واصدرنا امرنا هذا لمقامكم الرفيع شاكرين لكم ولحضرات الوزراء زملائكم ما امكنكم اداؤه من الخدمات اثناء قيامكم بمهمتكم».

وقع هذا الانقلاب الدستوري الخامس في تاريخ مصر بنفس اسلوب الانقلاب السابق عليه، مرسوم من الملك باقاله حكومه تتمتع بالاغلبيه البرلمانيه، ثم تكليف حكومه جديده لا يساندها البرلمان، ثم حل البرلمان واجراء انتخابات جديده. وفي هذه المره قاطع الوفد الانتخابات وفاز السعديون بالاغلبيه، واستمر الانقلاب الدستوري خمس سنوات، انتهت في منصف عام 1949 بتشكيل وزاره ائتلافيه برئاسه حسين سري باشا سرعان ما حلت محلها وزاره محايده اجرت انتخابات جديده في 3 يناير 1950 فاز فيها حزب الوفد باغلبيه ساحقه وشكل حكومته الاخيره التي اقالها الملك عقب حريق القاهره في يناير 1952.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل