المحتوى الرئيسى

فورين بوليسى: مخاوف من تفكك العراق إذا مات "طالبانى"

12/23 19:25

نشرت مجله " فورين بوليسي" الامريكيه مقالاً لمراسلها "بيتر جالبريت" تحت عنوان "هل يتفكك العراق اذا نوفي رئيسه؟"، خصصه للحديث عن الرئيس العراقي "جلال طالباني".

وقال الكاتب: "لا تزال التخمينات في المرحله الحاليه بالنسبه الي الرئيس العراقي "جلال طالباني" تتسم بعدم الوضوح بعد ان اصيب بنوبه قلبيه في اوائل هذا الاسبوع. لقد ظل صديقا لي لمده 25 عامًا، وامل ان تستمر حيويته الفطريه ليعبر الي بر الامان من الازمه الاخيره. فهو قبل هذا وذاك تحدي معوقات ابعد مدي ليصبح اول رئيس منتخب ديمقراطيا في دوله لها تاريخ يعود الي الاف السنين تعتبر مهد الحضارات. الا انه لا يمكن التكهن حتي الان بما ستكشف عنه التخمينات، وان كان واضحًا انه سيبتعد عن ميدان العمل لفتره من الزمن، وسوف نشعر بغيابه.

واشار الكاتب الي ان "طالباني" الذي وهب حياته للقضيه الوطنيه الكردستانيه، اطلق عليه لقب رجل الوحده، ولا غرابه في انه قد يكون الشخص الوحيد في الدعوه للوحده بين كبار الزعماء السياسيين في العراق، وفي هذا مفارقه معينه لان "طالباني" يظل وطنيا كرديا، وعندما يتحدث عن "بلاده" فهو يعني كردستان وليس العراق، ولم يال جهدًا بصفته رئيسًا للبلاد في اعلاء شان الحقوق الكردستانيه بمقتضي الدستور العراقي.

الا انه بقوه شخصيته استخدم المنصب الرسمي لرئيس الجمهوريه من اجل تهدئه الصراعات الي حد كبير بين الشيعه والسنه والاكراد، وهو في حقيقه الامر الوسيط الرئيسي، وقبل وقت قصير توصل الي اتفاق بين حكومه اقليم كردستان والحكومه الفيديراليه لسحب قواتهما من المنطقه المتنازع عليها حول كركوك، وفي حالات اخري توسط في النزاعات بين السنه والشيعه، وحتي بين الشيعه انفسهم.

ولطالباني اسلوب فريد في المعالجه، فهو مخلص تجاه كل فرد تقريبا، واذا اخذنا في الاعتبار ان منصبه يعني القيام عموماً بواجبات بروتوكوليه، فقد كان اكثر الرؤساء بعدا عن الرسميات – يستقبل الضيوف بالقبلات، ويتبسط في الحديث ولا يحرم الاخرين من المعرفه، بل ويقدم اطباق الطعام بنفسه لضيوفه (واحد الاطباق المفضله لديه هو الديك الرومي، موضوعاً باكمله علي المائده.

وفي اكثر من مره سالني "هل نقوم بتقسيم تركيا ( الديك الرومي)؟" وكان يشير بالانجليزيه الي ( الديك الرومي) والبلاد التركيه بالكلمه ذاتها. ثم يقوم بقطع الفخذ الايمن للديك ويقول مازحا "خذ الجنوب الشرقي لك" غير ان هزله نادرا ما ينظر علي انه مسيء: فحكومه "طالباني" ورفاقه من السياسيين يكنون الاحترام له ليس لكونه رئيسا وانما لثقتهم بقراراته ونضاله الطويل ضد الدكتاتوريه.

وهذه الخصائص هي التي تجعل من الصعب ايجاد بديل له، والاعتقاد التقليدي هو ان الاكراد يريدون ان يستبدلوا به كرئيس – اذا ما حصل ذلك – اخر من الاكراد. والحقيقه هي ان الاكراد ارادوا ان يظل "طالباني" في الرئاسه لانه الشخصيه المسيطره بين القاده السياسيين الجدد في العراق ولتصحيح المشكله العمليه بوجود مركزين رئيسيين لاثنين من كبار القاده في كردستان (احدهما هو مسعود بارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي اصبح رئيسا لاقليم كردستان) غير ان الاكراد اليوم لا يابهون لتبوا منصب الرئاسه في العراق اذا لم يكن الرئيس هو "طالباني".

ويرغب الاكراد في الاعتراف بالحقوق الدستوريه لحكومه اقليم كردستان في ما يتعلق بالنفط واجراء استفتاء كركوك ومناطق اخري متنازع عليها، ويرون ان رئيس الوزراء "نوري المالكي" عقبه رئيسيه امام تحقيق هذه الاهداف كما يخشون مما يعتقدون انه ازدياد في ميوله الاستبداديه . وبناء عليه فقد يتهاون الاكرد في شان الرئاسه اذا ظهرت صفقه افضل لاحلال زعيم لديه الاستعداد لتحقيق مطالب الاكراد محل "المالكي".  وطالباني- الذي عرف بانه وسيط للسلام – ساعد في حجب اقتراح بعدم الثقه بالمالكي في وقت سابق من هذا العام. وكانت الكتله الكرديه وانصار رئيس الوزراء السابق "اياد علاوي" قد حشدوا عددا من الاصوات يقارب ما يحتاجون اليه لاستبدال رئيس الوزراء.

ويعود الفضل الي حد كبير الي ما يتصف به "طالباني" من صفات التوفيق بين الاطراف، وسيكون الاكراد في موقع اقوي حتي بعد ان يغادر منصبه. ومع الاقتراب من حافه الحرب في العام 2003، حظي "طالباني" بعلاقه عمل وثيقه مع احد منافسي "مسعود بارزاني" ذات يوم وهو ابن طالباني الموهوب "قباد"، الذي يتولي الان منصب رئيس هيئه موظفي رئيس وزراء قطاع كردستان العراق "مشيرفان بارزاني". واليوم يتعامل رئيسا الحزبين الكردستانيين الرئيسيين، الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسه "طالباني" والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسه بارزاني، من خلال لقاءات مشتركه للقياده، وهو ابعد ما كان عليه الوضع قبل 15 عاما عندما اشتبكا في حرب اهليه كرديه.

وتقف حكومه كردستان العراق المنتخبه وقوتها العسكريه التي يطلق عليها اسم البشمركه في موقع قوي في مواجهه "المالكي" والحكومه الفيدراليه. وينمو اقتصاد كردستان، في وقت عززت فيه حكومه كردستان العراق من علاقاتها الوثيقه مع دول العالم الخارجي، وخاصه تركيا المجاوره، ومقابل ذلك فان علاقات "المالكي" مع رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوجان " تبدو سيئه، وليس لبغداد سلطه او نفوذ في اربيل. وبموجب الدستور العراقي فان برلمان كردستان العراق يستطيع تعديل او الغاء اي قانون فيدرالي من حيث تطبيقه في كردستان. ومن الناحيه العمليه، فان الحكومه الفيدراليه قلما تصدر قوانين تتجاهلها كردستان، والمواجهه بين حكومه كردستان العراق والمالكي هي مواجهه بين ندين. اذ ليس بامكان احدهما ان يفرض ارادته علي الاخر.

ومن هنا فان غياب "طالباني" قد تشعر به بصوره اكثر حدهً الطوائف العراقيه الاقل قوهً من الاكراد. فخلال الحرب الاهليه العراقيه الحديثه العهد وفر هو وبارزاني ملجاً امناً للمسيحيين والعراقيين الاخرين الهاربين من العنف الطائفي. وكان طالباني، حتي قبل ان اصبح رئيساً في 2005، علي اتصال بشيوخ العراقيين السنَه – الذين كان كثير منهم يذهبون لزيارته في بيته الريفي علي شاطئ بحيره دوكان (في محافظه السليمانيه) – في جهد لمنعهم من الشعور بانهم مهمشون كلياً. وفي صيف 2005، عندما ركزت النخبه السياسيه في العراق وصانعو السياسه الاميركيه علي المفاوضات الدستوريه، واصل طالباني التعبير عن القلق من فرق الموت الشيعيه – المرتبطه بوزاره الداخليه – والتي كانت تستهدف السنه. ووفر عمل طالباني السياسي في الميدان لزعماء السنه التقليديين قدراً من الثقه كان مهماً لضمان تعاونهم – عن طريق ميليشيات ابناء العراق – في القتال ضد "القاعده". وطالباني هو بطل غير محتفي به في نجاح يعزي عادهً الي الجنرال "بترايوس" وزيادته لعدد القوات الاميركيه.

اما كون معظم الوساطات التي اضطلع بها "طالباني" قد فشلت فهذا ليس تقصيرا منه، بل لان مجموعات العراق القوميه والدينيه لها وجهات نظر متباينه تبايناً اساسياً ازاء مستقبل العراق: فالاحزاب الدينيه الشيعيه المسيطره الان تريد تعريف العراق كدوله شيعيه، بينما ينظر السنه العرب الي العراق باعتباره جزءاً من الامه العربيه السنيه عامهً. وحتي بينما يقبل سنه كثيرون الان فقدان الامتيازات التي كانت لهم خلال سنوات العراق الـ80 الاولي (منذ قيامه في القرن العشرين)، فان قله يوافقون علي ان العراق يجب تعريفه بطريقه لا تشملهم. اما الاكراد، بالطبع، فيريدون الاستقلال في واقع الامر.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل