المحتوى الرئيسى

تحليل-الأزمة المالية وانتفاضات الربيع العربي تهدد استقرار الأردن

12/02 15:20

عمان (رويترز) - انحسرت الاحتجاجات العنيفه التي هزت الاردن الشهر الماضي بصوره كبيره لكن هتافات غير مسبوقه تطالب باسقاط "النظام" تشير الي متاعب اعمق في المملكه التي لم تشهد حتي الان الانتفاضات التي اعادت تشكيل العالم العربي.

ما من شك في ان الغضب بسبب خفض الدعم الحكومي للوقود هو الذي تسبب في تفجر مثل هذه الاحتجاجات التي قتلت فيها الشرطه بالرصاص رجلا خلال مواجهه عند مركز للشرطه. كما ان اعتزام الحكومه رفع اسعار الكهرباء ابتداء من العام القادم ربما يشعل الغضب الشعبي.

اجري العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني بعض الاصلاحات الدستوريه ويقول مستشاروه ان نسبه الاقبال علي انتخابات برلمانيه تجري في يناير كانون الثاني ستكون اختبارا لمدي الدعم الشعبي لخطي التغيير السياسي وسط أزمه ماليه حاده اجبرت الاردن علي اللجوء الي صندوق النقد الدولي.

لكن البناء الذي جعل الاردن مستقرا نسبيا عشرات السنين بدا يتصدع ويتضح هذا بشده في المحافظات التي يغلب عليها الطابع العشائري والتي كان ينظر لها منذ زمن طويل علي انها الركيزه الاساسيه لدعم العائله الهاشميه المالكه التي تولت الحكم عام 1921.

وتعززت هذه الصيغه بعد حرب اهليه عام 1970 بين الجيش والمقاتلين الفلسطينيين - وهو حدث فاصل في تاريخ الاردن يجري حذفه من الاحاديث العامه - والتي تعطي سكان الضفه الشرقيه امتيازات في مجالات الجيش والشرطه واجهزه الامن والاجهزه الحكوميه.

يمثل الاردنيون من اصل فلسطيني الاغلبيه في المؤسسات الخاصه لكنهم لا يقومون بدور سياسي يتناسب واعدادهم ومن اسباب ذلك ان تقسيم الدوائر الانتخابيه يحد من قوتهم التصويتيه.

ورغم ان التزاوج والتعايش لزمن طويل والروابط التجاريه بين النخبه علي الاقل تذيب الفوارق بين طرفي المجتمع الاردني فمن المرجح ان هذا الانقسام سيظل يطارد الاردن كلما ظل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الاوسع نطاقا قائما.

ويخشي الاردنيون من مختلف القطاعات من الافتقار الي الامن في احيائهم لكن المال الذي جعل الاستياء كامنا في المجتمع المنقسم لم يعد موجودا.

كما ادي تدفق 240 الف سوري من الصراع السوري الي جعل الموارد محدوده في بلد يسكنه سبعه ملايين نسمه ولا يملك اي ثروه نفطيه تقريبا ويعاني نقصا في المياه.

قال دبلوماسي اوروبي "الاصلاح صعب حقا لان هناك حاجه لتغيير القواعد الاقتصاديه والقواعد السياسيه... في الماضي كانت العشائر تعطي دعمها مقابل الوظائف والمال. الان لم يعد هذا ممكنا.. انهم يقولون ???'???لن ندفع مالا مقابل فسادكم???'???."

وتجنب الفلسطينيون الذين تضرروا ايضا بشده من اجراءات التقشف الحديث علانيه للحيلوله دون احداث انقسام سياسي.

وفي الكرك وهي بلده عشائريه جبليه شاركت في الاحتجاجات التي ثارت ضد رفع اسعار الوقود الشهر الماضي ينتظر اصحاب المتاجر الذين يبدو عليهم الوجوم الزبائن في شوارع تجاريه ضيقه تحت قلعه الكرك.

قال هاني حرز الله "خلي المواطن اللي يشعر انه رفع الاسعار اضره يطلع ويعبر عن رايه سلميا."

وفي متجر يبيع الدجاج الحي من اقفاص سلكيه قال تحسين الطنشات (64 عاما) انه حصل لتوه علي معاش التقاعد الذي يبلغ 200 دينار (280 دولارا) لكنه لم يتبق معه سوي 50 دينارا بعد ان سدد التزاماته الماليه الشهريه.

وقال الطنشات الذي يتقاضي معاش تقاعد منذ تقاعده من اعمال الحراسه قبل 31 عاما ان اثنين من ابنائه الثلاثه جنود. ومضي يقول "بدي ولدي اللي بدون شغل يلاقي وظيفه في القوات المسلحه."

ورغم كل شكاواهم فان الكرك التي تبعد 900 كيلومتر الي الجنوب من عمان اغدقت عليها الحكومه الاموال وربما يكون ذلك بفضل شخصيات قويه من عشيرتي المجالي والطراونه الذين شغلوا مناصب كبري في الحكومه والجيش عشرات السنين.

يقود طريق سريع من اربع حارات الي البلده التي يسكنها 65 الف نسمه وتمر بمحطه للكهرباء ومنطقه صناعيه هادئه. تفخر الكرك بوجود جامعه رئيسيه ومستشفي عام جديد الي جانب الكليات وقصر للعداله.

لكن فرص العمل نادره. ويهدف تجميد الحكومه لفرص التعيين الي الحد من عبء الاجور ومعاشات التقاعد في القطاع العام علي خزانه تعتمد منذ زمن طويل علي المساعدات من دول الخليج وجهات غربيه مانحه.

واظهرت برقيه دبلوماسيه امريكيه نشرها موقع ويكيليكس ان "الجهاز الحكومي المترهل ونظام التبعيه العسكريه" امتص ما يصل الي 83 في المئه من ميزانيه 2010 رغم خفض الانفاق المزمع.

وواجه الاقتصاد ازمات اشد منذ ذلك الحين. فقد خفض النظام الجديد في مصر بشده من امدادات الغاز الرخيص الي الاردن الذي يستورد 97 في المئه من الطاقه والذي اصبح يتعين عليه فجاه ان يدفع 2.5 مليار دولار سنويا للحصول علي الوقود.

وكانت احتجاجات الشهر الماضي الاعنف بين عده موجات من الاضطرابات في الاردن منذ اندلاع انتفاضات الربيع العربي قبل نحو عامين واطاحتها بحكام في انظمه شموليه في كل من تونس ومصر وليبيا.

وتنظم حركات معارضه محليه النشطاء في الكرك وبلدات اخري في المناطق الريفيه والعشائريه وتعرف مجتمعه باسم الحراك ويركز هؤلاء في شكاواهم علي الفساد وتدني الخدمات والبطاله. كما انهم مستاءون من الخصخصه وغيرها من اصلاحات السوق التي تهدف الي الحد من الانفاق الحكومي الذي يستفيدون منه.

وقال مصطفي حمارنه وهو خبير للعلوم الاجتماعيه يرشح نفسه في الانتخابات البرلمانيه ببلده مادبا "الحراك لا تحركه الديمقراطيه بل شعور بالاحقيه.... لم ينتج من تعبئه تلقائيه الي حركه سياسيه وطنيه."

يفتقر الاردن الي وجود أحزاب سياسية ذات مصداقيه باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي التابع لجماعة الاخوان المسلمين التي تعول في معظم قاعدتها الشعبيه علي سكان المدن والفلسطينيين. وفي بعض المدن اقام الاسلاميون روابط وجله مع الحراك.

وتعتزم جماعه الاخوان المسلمين المعروفه بالوسطيه منذ منح فرع الجماعه في الاردن ترخيصا عام 1946 مقاطعه انتخابات يناير كانون الثاني متعلله بقواعد الانتخابات التي تقول انها تهدف الي منعها من ان تكون اكبر كتله في مجلس النواب المؤلف من 150 مقعدا.

وتتهم السلطات الاسلاميين الذين زادوا جراه مع قيام انتفاضات الربيع العربي التي ادت الي انتخابات فاز بها نظراؤهم في مصر وتونس باذكاء الاضطرابات ورفض الانضمام لحوار الاصلاح الذي اطلقه الملك عبد الله في اوائل عام 2011.

وقال مصدر رسمي كبير طلب عدم نشر اسمه "من الواضح ان الاخوان المسلمين قرروا ان بامكانهم الحصول علي المزيد من المكاسب اذا بقوا في الشوارع."

واقر بان توقيت خفض الدعم الحكومي مع قدوم الشتاء وقرب موعد الانتخابات لم يكن مثاليا لكنه قال انه لم يكن هناك من خيار اخر لان الاردن كان يواجه خطر "الافلاس".

ومقابل موافقه صندوق النقد الدولي علي اعطاء الاردن 2 مليار دولار في اغسطس اب فانه يريد اصلاحا للقطاع العام واتخاذ اجراء فيما يتعلق بالدعم الحكومي بما في ذلك رسوم الكهرباء.

واحجمت دول خليجية مانحه مثل المملكه العربيه السعوديه التي انقذت الاردن من حافه الانهيار في وقت سابق بمنحها 1.4 مليار دولار قبل عام عن تقديم دعم مباشر للميزانيه حتي الان هذا العام لكن الرياض والكويت ارسلت كل منهما 250 مليون دولار لحساب مشاريع.

وتترواح التكهنات بالاسباب بين الانفاق الشديد لدول الخليج للحيلوله دون قيام احتجاجات في الداخل والقلق من الفساد في الاردن وبين اولويات اكثر الحاحا بالمنطقه وربما ايضا لان الاردن ادرج افتراضات بشان مساعدات الخليج في الطلب الذي قدمه الي صندوق النقد الدولي دون ان يستاذن الدول المانحه اولا.

كما ان السعوديه وقطر ربما ترغبان من الاردن ان ياخذ موقفا اكثر ايجابيه من الازمه السوريه.

وقال معين رباني المحلل المقيم في عمان "ما من شك انهم يرغبون في رؤيه ان يصبح الاردن المقابل الجنوبي لتركيا في دعم المعارضه السوريه... لكن الاردنيين يفضلون ان يقوموا بدور اقل ظهورا وممارسته بشكل اكثر سريه."

وسيصبح بقاء الرئيس السوري بشار الاسد الذي سيكون راغبا في الانتقام في السلطه او انتصار خصومه الذين يمثل الاسلاميون اغلبهم خطرا علي عمان.

وما زال للاردن سفير في دمشق بما يتوافق مع سياسته المعتاده القائمه علي اتخاذ خطوات حذره وسط الدول المجاوره الاكثر قوه. ويقدر الغرب دور الاردن بسبب معاهده السلام التي ابرمها مع اسرائيل ولدوره باعتباره دوله عازله مستقره في منطقه مضطربه.

وعندما بدات الانتفاضات في العام الماضي جدد الملك عبد الله الذي يحكم البلاد منذ وفاه والده الملك حسين عام 1999 حمله اصلاح سياسي يعارضه محافظون كان قد نحاهم جانبا للتركيز علي عمليات التحرير الاقتصادي بهدف توسع الطبقه الوسطي.

كتب جوليان بارنز ديسي في بحث لصالح المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجيه يقول "ما زالت النتائج مخيبه للامال... رغم التغييرات في الدستور لم توضع قيود علي السلطة السياسية المباشره للملك."

وما زال الملك عبد الله الذي اقال خمس حكومات خلال العامين الماضيين قادرا علي تعيين الحكومات واقالتها رغم انه وعد بمشاوره البرلمان فيما يتعلق باختيار رئيس الوزراء القادم الذي لابد ان يجتاز اقتراعا بمنح الثقه.

وقال وسام المجالي وهو من نشطاء الحراك في الكرك انه لابد "ان يكون مجلس النواب سيد نفسه والا يحل بقرار وبكلمتين ينحل من الملك."

وقال معاذ البطوش وهو نشط اخر من الكرك ان مجلس النواب عندما تزيد قوته سيحول دون الحاجه الي احتجاجات الشوارع في مواجهه قرارات "حمقاء" ربما تشعل مطالب ثوريه.

ومضي يقول "كان رد فعل بعض من غضبوا من رفع اسعار الوقود الدعوه لاسقاط النظام" مضيفا ان هذا لم يكن قط مطلبا للحراك "هناك ازمه ثقه."

ودافع مصدر رسمي عن الاصلاحات التي تشمل تشكيل لجنه انتخابيه مستقله قائلا ان الاغلبيه الساحقه للاردنيين تعارض اخذ سلطات من الملك الذي يعتبرونه ضمانا في مواجهه المصالح المتضاربه.

واضاف ان اعاده رسم الحدود الانتخابيه لم يكن سهلا في ظل مقاومه من سكان الضفه الشرقيه الممثلين بشكل مبالغ فيه في البرلمان وان عمان تحصل علي خمس المقاعد فقط في البرلمان رغم انها تضم نصف سكان الاردن تقريبا والكثير منهم من اصل فلسطيني.

يشعر الفلسطينيون في مخيم الحسين للاجئين الذي اصبح حيا عشوائيا في العاصمه بالمراره.

قال عبد المنعم ابو عيشه (52 عاما) وهو قصاب كان يشعل سيجاره بينما يبيع قطعا صغيره من اللحم في متجر صغير "هذا الارتفاع في الاسعار لطم الناس علي وجوههم."

وفي شارع مليء بالاسواق قال اشخاص ان احتجاجات محدوده فقط قامت في المخيم احتجاجا علي ارتفاع اسعار الوقود. وابدي البعض ارتيابه في انها قامت بناء علي تحريض من خارج المخيم.

وذكر نجار قال ان اسمه ابو عمر "المخيمات الفلسطينيه تتحرك بس لما المناطق العشائريه تتحرك ولما البلد كلها تتحرك لانه لو المخيمات لحالها طلعت راح يقمعوها قمع شديد."

ومضي يقول "احنا الفلسطينيين مستهدفين. اول ما بتفوت مخفر يسالوا بلدك الاصليه. طيب انا حامل رقم وطني وجواز اردني وخادم جيش. واذا صار شيء علي هل البلد اول واحد بدافع عنه.. فليش بتحكي لي وين بلدك الاصلي؟"

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل