المحتوى الرئيسى

الدولة المراقب.. واقع جديد يغير قواعد الاشتباك السياسي بين فلسطين وإسرائيل

11/30 15:37

            خمسه وخمسون عاما كامله هي عمر كفاح الشعب الفلسطيني في محاوله اقامه دولته التي تلاشت تدريجيا منذ اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر 1947، فخلال هذه المرحله الزمنيه الطويله ناضل الفلسطينيون، حربا وسلما، من اجل تثبيت واسترجاع حقوقهم، بينما لم يلتزم الطرف الاستيطاني الاستعماري المحتل حتي بقرار التقسيم ذاته، بل اخذ يتمدد بمستوطناته واستعماره في كافه الاراضي الفلسطينية التي اقرها ذلك القرار.

لكن كانت ليله الامس ، 29 نوفمبر 2012، موعدا جديدا علي طريق احياء امال ونضال الشعب الفلسطيني في اقامه دولته الواقعيه الطبيعيه القابله للحياه؛ فقد اقرت الاغلبيه الكاسحه من الدول الاعضاء بالجمعيه العامه للامم المتحده (138 دوله من مجموع 193 دوله) طلب رئيس السلطه الوطنيه الفلسطينيه، محمود عباس " ابو مازن " ، برفع تمثيل فلسطين الي صفه دوله مراقب غير عضو بالامم المتحده؛ الامر الذي يعني اصدار شهاده احياء -وليس ميلاد- دولة فلسطين، لان فلسطين دوله قائمه منذ الاف السنوات، وهي لا تحتاج ابدا لشهادة ميلاد، لكن تحتاج للبعث وللاحياء بعد ان كاد الإحتلال الإسرائيلي يطمس معالمها، ليس جغرافيا فحسب، وانما تاريخيا ودينيا وثقافيا وعرقيا.

لقد تمكن الفلسطينيون بالامس -وفي ذكري تقسيم دولتهم- من تحقيق خطوه اولي ومهمه للغايه، معنويا وقانونيا ودبلوماسيا، في سبيل تعزيز كفاحهم بكافه الوسائل المشروعه التي تكفلها القوانين والاعراف الدوليه من اجل ان يصلوا الي هذا الحدث التاريخي، والذي اكد فروق جوهريه بين عقليه الفلسطينيين والاسرائيليين.

وتتمثل هذه الفروق في ان ثمه طرف يريد التعايش والسلام مقابل طرف لا يقبل الا بعنتريه القوه ، فالرئيس ابو مازن قد ذكر في كلمته امام الجمعيه العامه بان الفلسطينيين " لا يريدون نزع الشرعيه عن اسرائيل بل تاكيد شرعيه دوله فلسطين"،

وكذلك ارفق ابو مازن مع طلبه نيل العضوية مطلب استئناف المفاوضات للتوصل الي تسويه سلميه تحفظ حقوق الشعب الفلسطيني باقامه دوله علي حدود ما قبل 5 يونيو 1967.

بينما كانت كافه ردود الفعل الاسرائيليه تقول ان "مشروع القرار منحاز، وان نيل طلب فلسطين صفه الدوله المراقب لا تدفع قدما باتجاه السلام "، بل وذكر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، ان ذلك "لا يغير الوضع علي الارض في شيء "،

ولم يكتف بذلك فقط، لكنه كذلك هاجم خطاب ابو مازن، متهما اياه بانه " عدائي وسامي وحافل بالدعايه الكاذبه".

ومما لا شك فيه ان موافقه الجمعيه العامه للامم المتحده علي الطلب الفلسطيني سوف تشكل علامه فارقه علي طريق استكمال الطرف الفلسطيني لمسيره استرجاع حقوقه المسلوبه، وانه قرار ما بعده ولا ريب يجب ان يختلف عن ما قبله.

ويعود ذلك الي جمله من الاسباب، ياتي في مقدمتها ان الفلسطينيين قد تمكنوا من نزع اعتراف عالمي واسع عبر نيل وضع دوله مراقب غير عضو بالامم المتحده بان شعبهم واراضيهم علي حدود 1967 انما تقع تحت الاحتلال، وان المستوطنات والجدار العازل وكافه الاجراءات الاسرائيليه الهادفه الي قضم مساحه الدوله الفلسطينيه وقطع تواصلها الجغرافي والسكاني، ما هي الا تدابير تقوم بها دوله محتله.

ويستتبع ذلك الامر، اي اقرار الدوله الفلسطينيه، تغير الاطار القانوني للعلاقات التفاوضيه بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، فطالما دخلت اسرائيل في مساومات تفاوضيه منذ انطلاق مؤتمر مدريد للسلام وانطلاق عمليه اوسلو في مطلع التسعينيات تقوم علي ان الاراضي علي حدود 1967 هي مناطق متنازع عليها، وهو فرض لم يكن له اي اساس الصحه، فهذه الاراضي اراض فلسطينيه لا يجوز المساومه عليها؛ وهو ما يستوجب علي الفلسطينيين عوده اللحمه الوطنيه ونزع الفرقه السائده منذ عام 2007 ، وعوده التصالح بين قطاع غزه والضفه الغربيه، وليس فقط بين حركتي فتح وحماس، لانه امر بالغ الاهميه ان يثبت الفلسطينيون امام العالم استحاله التقسيم الجغرافي والسياسي بين اراضيهم.

ان تحول المناطق التي تسيطر عليها اسرائيل في الضفه الغربيه، بما فيها القدس، من اراض متنازع عليها الي اراض محتله وفقا للقانون الدولي من شانه بالتالي ان يدفع الفلسطينيون الي تجاوز مسار المفاوضات او التصلب فيها علي قاعده ان ما منحتهم اياه الشرعيه الدوليه من حقوق سياديه علي صعيد المسائل الجوهريه تحديدا (الحدود، العاصمه، عدم شرعيه المستوطنات) لم يعد مجالا للمساومه مره جديده علي طاوله التفاوض.

ويقول المتخصصون الفلسطينيون ان "الانجاز الفلسطيني الذي تحقق بالامس هو تجسيد معنوي حيوي للدوله الفلسطينيه، لكنه يستتبع تجسيدا سياسيا وتوافقا فلسطينيا يقود الي تحويل هذه الدوله المعنويه الي دوله واقعيه".

وهنا يلاحظ البعض ان فلسطين بدات نضال الاعتراف بحقوقها امام العالم باعتبارها دوله افتراضيه لكنها تحولت الان الي دوله معنويه، وينتظر ان يثمر النضال عن الوصول الي الدوله الواقعيه.وهناك سبب اضافي يجعل هذا التاريخ مختلفا عما قبله، حيث يحق لفلسطين منذ الان ان تنضم بصفه رسميه الي عدد كبير من المنظمات والمعاهدات الدوليه، بعد ان اضحت الدوله المراقبه الثانيه في الامم المتحده، الي جوار الفاتيكان ، مغزى ذلك انه يجوز لدوله فلسطين التمتع بكافه الحقوق التي تنطوي عليها العضويه باستثناء حق التصويت في الجمعيه العامه والعضويه الدوليه في مجلس الامن الدولي .

وياتي علي قمه هذه الحقوق الحق في الانضمام الي اكثر من ثلاثين من المنظمات والمعاهدات الدوليه المختلفه المنبثقه عن هيئة الأمم المتحدة مثل: ميثاق حقوق الانسان، ومحكمه الجنايات الدوليه، ومعاهدة جنيف الرابعه الخاصه بحمايه المدنيين، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، واليونيسيف، وكافه لجان حقوق الانسان الدوليه والاقليميه؛ وهو ما سيتيح للفلسطينيين صوتا واقعيا في هذه المنظمات والمعاهدات.

ويجب استثمار هذه الميزه بشكل مكثف ونشاط دؤوب بمساعده من جامعه الدول العربيه وكل القوي الصديقه، اذ تخشي اسرائيل ان تمارس الدوله الفلسطينيه "المعنويه" انشطه سياسيه علي صعيد المزيد من تجريم افعال اسرائيل وتعزيز المقاطعه الشعبيه او الاهليه القائمه في دول مختلفه ضد اسرائيل ، ونتذكر هنا ان دوله سويسرا كانت دوله "مراقب " بهيئه الامم المتحده حتي عام 2002، لكنها كانت مركزا قويا ذات وزن وثقل في كافه الانشطه الدوليه.

وعلي الرغم من تقليل اسرائيل لاهميه هذه الخطوه الفلسطينيه التي استبقتها بجهود سياسيه مكثفه وحاشده لمنع حصول الطلب الفلسطيني علي اغلبيه الثلثين في الجمعيه العامه، الا ان محاولاتها باءت بالفشل، ويتوقع ان تتخذ في الفتره المقبله بعض الخطوات العقابيه ضد الفلسطينيين مثل منع تحويل الضرائب الي السلطه الوطنيه الفلسطينيه والتضييق علي سائر المعابر وتخفيض عدد تصاريح العمل للفلسطينيين ومحاوله تكريس الانفصال الجغرافي بين المناطق الفلسطينيه، بيد ان اي افعال اسرائيليه لن تغير من واقع انها دوله احتلال يفرض قوته علي الطرف الاخر.

كما ان الجامعه العربيه التي دعمت الموقف الفلسطيني قد تعهدت بتقديم مائه مليون دولار شهريا للفلسطينيين كشبكه امان بديله في حال فرض عقوبات اسرائيليه وامريكيه علي السلطه الوطنيه الفلسطينيه.

ويبدو الامر والانجاز الاكثر اهميه للفلسطينيين في عام 2012 هو تغير قواعد الاشتباك مع اسرائيل، ان عسكريا او سلميا؛ فللمره الاولي تضحي اسرائيل في قتالها مع الطرف الفلسطيني منفردا امام انكشاف استراتيجي وعسكري بعد ان اصابت صواريخ المقاومة الفلسطينية مدنا عده داخل اسرائيل، في مقدمتها تل ابيب ، وتخسر اسرائيل في الوقت ذاته معركه دبلوماسيه ضروس استطاع الطرف الفلسطيني ان يكسبها بامتياز بعد طول عناء وضغوطات شديده تعرض لها من الولايات المتحده الامريكية لاثنائه عن هذه الخطوه.

اذن تبدو اسرائيل امام انكشاف سياسي وعسكري ودبلوماسي واخلاقي، وكانها تدفع ثمن عرقلتها لجهود التسويه السلميه واستخدامها المفرط للقوه الامنيه والعسكريه في مواجهه الطرف الفلسطيني الذي كان اعزلا ؛ ولم تات الخشيه والارتباك الاسرائيلي من عضويه فلسطين غير الكامله في الامم المتحده من فراغ، بل من المكتسبات المعنويه والسياسيه التي تتيحها تلك العضويه للسلطه الفلسطينيه؛ وهي تداعيات ايجابيه علي المستوي الفلسطيني والعربي، لا يجب ان يمر مرور الكرام ، حيث من المتوقع ان تشهد الاراضي الفلسطينيه وقائع تشبه -مع اختلاف التشبيه- الربيع العربي الذي من ابرز اهدافه تحقيق الحريه، والتي لم يعرفها الفلسطينيون منذ عام 1947 علي الاقل.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل