المحتوى الرئيسى

عاطف بشاي يكتب: أوراق سرية فى العيادة النفسية.. الطبيب والمريض في عنبر واحد

11/29 10:44

لـ«انطون تيشخوف» الروائي والقاص الروسي الشهير روايه قصيره بديعه هي (عنبر رقم 6) بطلها طبيب نفسي عجوز يعمل بمستشفي امراض عقليه بشع، بالغ القذاره، مكتظ باكوام النفايات التي تنبعث منها رائحه خانقه، والعنبر اقرب الي حظيره حيوانات به خمسه مرضي منهم «ايفان» المريض بعصاب الوسواس القهري، دخل المستشفي بعد تفاقم حالته التي يتوهم فيها اعتقاله دونما سبب واضح، فهو لم يرتكب جرماً، ولكن اليس «في الحبس مظاليم» وبناء عليه فمن المؤكد انه سوف يتم القبض عليه عن طريق الخطا ويودع في السجن، انه يشعر ان طغيان العالم كله قد تجمع وراءه يطارده.

في العنبر تدور حوارات فلسفيه طويله بينه وبين الطبيب المعالج «اندريه» الذي يحاول بكل جهده ان يخفف عنه الامه النفسيه التي هي انعكاس لوضعه الاجتماعي البائس وفقره ويتمه وتعطله عن العمل الذي ادي به الي الانهيار فاودع المستشفي، يلجا الطبيب الي الايحاء له ان الالم ليس سوي «تصور حي عن الالم» وعلي الانسان ان يبذل كل ارادته لكي يغير هذا التصور ويكف عن الشكوي، عندئذ سوف يختفي الالم، فالانسان السوي يتميز بانه يحتقر المعاناه، ويخاصم الدهشه، ويبدو راضياً بواقعه، متكيفاً مع منغصات هذا الواقع، فالتكيف هو علامه الصحه النفسيه، وما اتفه تلك الاشياء الخارجية التي تقلقنا، لكن المريض «ايفان» يسخر منه ويؤكد له ان الله خلق الانسان من لحم ودم واعصاب، ومعنى الحياة يتركز في الاستجابه لكل المؤثرات، ان احتقار الالام يعني احتقار الحياه نفسها لان جوهر الانسان كله يقوم علي احاسيس الجوع والبرد والاهانات والخسائر والخوف من الموت، الحياه كلها مركزه في تلك الاحاسيس، ويمكن للانسان ان يشقي بالحياه ويمقتها لكنه لا يحتقرها.

ان «المسيح» نفسه رغم تساميه الروحي وتاكيده ان مملكته ليست من هذا العالم «كان يستجيب للواقع واحداثه المعاشه، فيبكي ويتالم ويحزن ويضحك ويغضب، ولم يمض للقاء الالام وهو يصلب بابتسامه ولم يحتقر الموت، بل صلي ليخفف عنه الرب الالام.

ويواجهه بحب مردداً: انك تحتقر الالام، لكن لو ان اصبعك انحشرت في الباب لصرخت باعلي صوتك.

المفارقه في الروايه ان المؤامرات تحاك ضد الطبيب العجوز من قبل طبيب شاب وبعض العاملين في المستشفي.. حتي ينجحوا في الصاق تهمه الجنون به ويودعونه نفس العنبر في المستشفي، فيعاني من بشاعه الحياه اليوميه داخل العنبر، اي نفس معاناه المريض «ايفان» التي كان يسخر منها ويهون من شانها، ويصارحه معترضاً في نهايه الروايه:

«نحن ضعفاء يا عزيزي، كنت لا مباليا، اناقش ببرود ومنطق، لكن ما ان مستني الحياه بخشونه حتي انهرت، خارت قواي، انت ذكي، نبيل، رضعت مع لبن الام الانفعالات النبيله، لكن ما ان دخلت معترك الحياه حتي تعبت ومرضت».

رغم قتامه القصه وكابه احداثها وجوها العام فان «تيشخوف» ينتصر للحياه من خلال معايشه الالم لا التعالي عليه.

بدايه اهدي هذا الكتاب لكل مثقف ليبرالي تخيل للحظه او داعبته احلام يقظه لمجرد ثانيه انه باقترابه من الاخوان سيسمحون له بدخول قدس الاقداس الاخوانيه والتعرف من قرب علي شفره الجماعه، من يفعل ذلك فهو رجل واهم مضحوك عليه يعاني من الزهايمر لا شفاء منه، كتاب «سر المعبد» للمحامي المنشق عن الاخوان ثروت الخرباوي وثيقه لا غني عنها لكل من يريد معرفه هذا الكيان الغامض المسمي بالاخوان المسلمين، تجربه رجل احترم عقله وانقذ ضميره او بالاصح انقذه ضميره في اللحظه المناسبه، الكتاب لغته ادبيه واسلوبه قصصي سلس ياخذك الي هذا العالم الصادم ويضعك امام هذه الاسرار المرعبه لجماعه تستخدم الدين لاغراض سياسيه، ولتنظيم يعتبر التفكير فيروساً لذلك «يفرمت» عقل المنتمين اليه للتخلص من هذا الفيروس ليجعلهم «اسطمبه» في قالب السمع والطاعه.

استطاع الخرباوي هتك اسرار هذا المعبد بعد ان تعرف علي الكهنه من قريب وافتضح امرهم امامه، بعد ان اكتشف ان الكذب عقيده والخداع مبدا والمراوغه جين وراثي، زلزلته الصدمه حين اكتشف كذب كبيرهم حين انكر ما قاله في معرض الكتاب بانهم يتقربون الي الله بالتنظيم الخاص، واكتشف كم الخداع المنظم المؤسسي حين عرف انهم شطبوا هذه العباره من تفريغ الكتاب ومن اشرطه الكاسيت والتصوير ايضاً، لدرجه انه ظن انه يهذي وانه قد سمع هلاوس وخيالات الي ان اهتدي الي شريط يؤكد صدق ما سمعه، هنا انتبه الي قدرة الاخوان الفذه علي تنفيذ وصايا ميكافيللي «الغايه تبرر الوسيله» مهما تلوثت هذه الوسيله بالكذب والخداع.

أهم أخبار صحة وطب

Comments

عاجل