المحتوى الرئيسى

فى حضرة الأكراد

11/25 08:20

بعد القليل من الصلوات والتبتل علي الطريقه النقشبنديه، واللطائف جميعها غارقه في ذكر الله، اكتشفت ان كل السيدات الموجودات بالطابق الاعلي المخصص لهن بالمسجد التركي، هن من عائله واحده.. جئن، من كل حدب وصوب، احياءً لذكري جدتهن الكرديه الاصل والتي توفيت منذ عامين.

يفرقن الصدقات علي روحها الذكيه، فتوزع احدي الفتيات لفافات صغيره من حبات اللوز المغطاه بالسكر، وتمر اخري لتغرقك بماء الورد الذي تسكبه بين الكفين.. شعور بالراحه يعم المكان، مع ارتفاع صوت شيخ المسجد الرخيم، بعد صلاة العشاء، دون نشاز او ترويع.. خشوع ليس بزائف، فالصوفيه احتلت حيزا وافرا من حياه الاكراد، بل وتداخلت احيانا مع تاريخهم السياسي الصاخب. ويقال ان الطريقه النقشبنديه تحديدا قد ساهمت في ابقاء المجتمع في حاله من الجمود عن طريق ربط الاكراد بالثقافه العشيراتيه ومبدا الطاعه لشيوخهم، وان هذه العلاقه الوثيقه بين الشيخ والمريد استغلت كاداه للقمع والفساد من قبل السلطات ولتسخير قيم المجتمع لمصالح فئه بعينها.

ويلاحظ البعض ايضا ان النقشبنديه كانت تستخدم لملء الثغرات الايديولوجيه علي مر ماضيها الطويل ولقمع ثورات الفلاحين الذين لم يفهموا فكره القوميه او الوطنيه، ولكن الهرميه التراتبيه القبليه، مما جعلهم وقودا للمعارك ضد الحكومة المركزيه وحتي في الصراعات القبليه. ورغم سنوات من الاقتتال الداخلي وصعوبه تلك الحياه التي عرفها الاكراد ــ واغلبهم كانوا يعيشون في الريف ــ قبل تقسيم اراضيهم منذ عام 1925 علي دول اربعه (العراق، سوريا، ايران، تركيا)، الا انهم يميلون في اشعارهم وادبياتهم لتمجيد حياه القريه علي نمط «محلاها عيشة الفلاح» وكانها الفردوس المفقود. حاله من الحنين العارم تقترب من وصف الشعراء الفلسطينيين للنكبه، فالقريه تحولت الي كنايه عن العصر الذهبي الذي مضي وانقضي، عصر البراءة الاولي.

مشهد السيدات الكرديات في المسجد وهن يصلين علي الجده التي فقدنها، ملابسهن التقليديه المحتشمه، اغطيه رؤوسهن الزاهيه، كلها تفاصيل تدل علي هويه القريه الكرديه، فرقتهن الايام لكن يظل الهندام نفسه يجمعهن. الاخر، المختلف او المغاير، ارتبط بالنسبه لاكراد القريه بالمدينة التركيه مثلا التي وصلوا اليها نازحين بالمئات والالاف، كما تشير الباحثه الفرنسيه في الانثروبولوجيا كلامنس يوسُل، المتزوجه من كردي - تركي من مدينه اورفا. تصف الباحثه كيف ارتبطت المدينه في الاشعار الكرديه بالقبح والفساد والطفيليه والزحام، وكانهم يقولون «مدينتكم جحر للثعالب والذئاب».

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل