المحتوى الرئيسى

العدوان الإسرائيلى على غزة.. فشلٌ على طول الخط

11/24 08:53

عندما اعتدت اسرائيل علي غزه منذ ما يقرب من اربع سنوات، لم يتاخر مجلس الأمن الدولي كثيرا في الدعوه الي وقف فوري ودائم لاطلاق النار والانسحاب الكامل لاسرائيل من القطاع. جاء ذلك في صوره قرار المجلس رقم 1860 في 8 يناير 2009 الذي ايدته 14 دوله عضو بالمجلس، وحتي الولايات المتحدة لم تعترض علي القرار، انما امتنعت عن التصويت عليه انتظارا لنتائج مجهودات كانت تقوم بها مصر.

ومع ذلك اعتبرت وزيره الخارجيه الامريكيه حينئذ كوندوليزا رايس القرار خطوه في الاتجاه الصحيح. وللتذكره فان جورج بوش الابن كان حتي ذلك الحين في سده الحكم. جري ذلك في نيويورك، وفي جنيف، وفي نفس اليوم، اصدر مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة قرارا بادانه الاعمال العسكريه الاسرائيليه وطالب بان تسحب اسرائيل قواتها، وان ترفع حصارها الذي تفرضه علي القطاع، وبضروره توفير الحمايه الدوليه الفوريه للشعب الفلسطيني. قرر ايضا المجلس ايفاد بعثه دوليه مستقله لتقصي الحقائق والتحقيق في انتهاكات القانون الدولي. بالفعل اعدت اللجنه تقريرا مدويا تم اقراره من المجلس. ومن بين توصياته التي رفعها لمجلس الامن احاله الوضع في غزه الي مدعي المحكمة الجنائية الدولية تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، اذا امتنعت اسرائيل عن اجراء تحقيقات مطابقه للمعايير الدوليه.

اذن كانت هناك انتفاضه دوليه منذ اربع سنوات ضد العدوان الاسرائيلي. فيا تري ما اسباب التقاعس الدولي الذي نشهده حاليا تجاه العدوان الاسرائيلي علي غزه الذي بدا يوم 14 نوفمبر الجاري. لا اعتقد ان السبب في ذلك يرجع الي ان اسرائيل قد اكتسبت ارضيه جديده متعاطفه معها خلال هذه الفتره، بل ربما العكس هو الصحيح. فعلي سبيل المثال توترت علاقات اسرائيل بتركيا، وساد البرود علاقات أوباما برئيس وزراء اسرائيل، وادانت الدول الأوروبية استمرار النشاط الاستيطاني الذي ادي الي تجميد عمليه السلام. اعتقد ان من بين اسباب تقاعس الدول عن الوقوف في وجه العدوان الاسرائيلي هذه المره، ما ترتكبه الدول العربية في حق انفسها، وامتناعها عن استخدام ما تحت ايديها من ادوات وامكانيات لضمان استمرار التاييد والدعم الدولي لقضاياها.

وجدنا ان الرئيس الأمريكي اوباما يتحدث هذه المره عن حق اسرائيل في الدفاع عن النفس في مواجهه صواريخ حماس، وما لبث الزعماء الاوروبيون ان حذوا حذوه، وكرروا عباراته، علما بان الراي القانوني مستقر علي ان اسرائيل ــ باعتبارها دوله احتلال ــ لا يحق لها الاستناد الي حق الدفاع عن النفس المقرر بمقتضي ميثاق الامم المتحده، وذلك في مواجهه اعمال المقاومة المشروعه للاحتلال.

علي ايه حال، وبعد مرور خمسه ايام علي بدء العدوان الجديد علي غزه، بدات اللهجه الامريكيه والاوروبيه في التغير بعض الشيء. تحدث اوباما وهو في تايلاند يوم 18 نوفمبر الجاري عن افضليه عدم قيام اسرائيل بعملية عسكرية بريه في غزه، وذلك لمصلحه سكان غزه ولمصلحه القوات الإسرائيلية نفسها التي ستتعرض لخطوره وقوع ضحايا فيما بينها، او تعرضها لاصابات، وها هو يقوم بايفاد وزيره خارجيته علي عجل للمنطقه لانقاذ ما يمكن انقاذه، ويجري سته اتصالات هاتفيه مع الرئيس المصري حتي تم التوصل لوقف إطلاق النار مساء يوم 21 نوفمبر الجاري.

بقي ان نحاول التعرف علي الاسباب الحقيقه التي دفعت اسرائيل للقيام بهذه المغامره الاخيره. في تصوري ان هناك الكثير من العوامل التي دفعت اسرائيل دفعا لارتكاب هذه الحماقه الجديده:

●لا شك ان اسرائيل قد بدات في الشعور بقلق متزايد ازاء الدعم العربي المتزايد لغزه سواء في ضوء قنوات الاتصال المفتوحه بين القياده المصريه والقيادات في حماس، وفتح مصر لمعبر رفح علي مدار الساعه، او بعد زياره رئيس دولة عربية وهو امير قطر لغزه وتقديمه معونات تصل الي اربعمائه مليون دولار، وما ذكر حول الاتفاق مع مصر علي دخول مواد البناء ــ التي تحرمها اسرائيل علي اهل غزه ــ من دخول القطاع عن طريق المعبر المصري.

●  اتصالا بذلك، لاحظت اسرائيل تنامي القدرات الصاروخيه لحماس وفصائل المقاومه، الامر الذي اثبتته الايام الاخيره ووصول الصواريخ الفلسطينيه الي تل ابيب والقدس الغربيه، بل الي هيرتزيليا، التي تبعد حوالي 80 كم عن غزه! ومن هنا جاءت الهجمات التي شنتها اسرائيل في السنوات الماضيه علي قوافل تدعي انها تنقل السلاح عبر الارضي السودانيه، كذلك تدمير المصنع الحربي في الخرطوم مؤخرا، والذي تقول اسرائيل انه يقوم بانتاج بعض انواع السلاح لحساب ايران.

● وعطفا علي موضوع ايران، فمما لاشك فيه ان نتنياهو قد فشل فشلا ذريعا في اقناع الولايات المتحده بشن ضربه استباقيه علي ايران لاجهاض برنامجها النووي العسكري المزعوم. لم يستجب اوباما لطلب رئيس وزراء اسرائيل بالاعلان عن خط احمر لا يسمح لاسرائيل تجاوزه في هذا الشان. وعلي الجانب المقابل فوجئت اسرائيل بنجاح ايران بالتعاون مع حزب الله في ارسال طائره بدون طيار لرصد احداثيات مفاعل ديمونه الذي اعتقدت اسرائيل حتي ذلك الوقت انه محصن تماما ضد ايه اختراقات.

● الخساره التي مني بها نتنياهو بعد فشل ميت رومني وفوز اوباما بمنصب الرئاسه الامريكيه. راهن رئيس وزراء اسرائيل علي رومني ولم يخف تحيزه له اثناء المعركه الانتخابيه. وبالرغم من كل ما يصدر عن اوباما حاليا من محاولات تبرير العدوان الاسرائيلي علي غزه، فان نتنياهو يعلم يقينا ان الرئيس الامريكي لن يغفر له تحديه في كل القضايا التي سعي اوباما لدفعها قدما، سواء تعلق ذلك بالعملية السلمية في الشرق الاوسط، او التوقف عن النشاط الاستيطاني، او ضروره الانسحاب الي خطوط 4 يونيو 1976، بالاضافه الي طريقه معالجه الملف النووي الأيراني، ايضا سعي اوباما لاشراك اسرائيل في المؤتمر الذي سيعقد في هلسنكي لبحث انشاء منطقه خاليه من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط. واتصالا بذلك فلا اتصور ان نتنياهو قد سره كثيرا تصويت 70% من الجاليه اليهوديه في الولايات المتحده لصالح اوباما في الانتخابات الاخيره، وان 82% من اليهود الامريكيين انما يؤيدون حل الدولتين، بل وان 76% منهم يدعون الي قيام الرئيس الامريكي بالتقدم بخطه سلام متكامله لحل النزاع في الشرق الاوسط!

● اثبتت استطلاعات الراي في اسرائيل ان التحالف الجديد بين «الليكود» وحزب «اسرائيل بيتنا» يشير الي امكانيه خساره الحزبين لعدد من المقاعد في انتخابات الكنيست المقبله، وليس الاستحواذ علي المزيد منها. وبالتالي تصور نتنياهو ان عمليه عسكريه ناجحه ضد حماس قد تعيد الثقه فيه وفي حزبه، او تسوق للتحالف غير المقدس الجديد. والسؤال هنا هو هل ما سببته صواريخ حماس من هلع، وخسائر بشريه وماديه، في عموم اسرائيل، والتكاليف الماديه الباهظه التي انفقت علي عمليه الاستنفار العسكري، ستاتي بالنفع علي نتنياهو في المعركه الانتخابيه القادمه، ام ستاتي بنتائج عكسيه؟ وهل قبول اسرائيل لوقف اطلاق النار، في الوقت الذي فشلت فيه في القضاء علي قدرات حماس الصاروخيه، كان هو كل ما استهدفته اسرائيل من عدوانها؟ «ضعف الطالب والمطلوب» صدق الله العظيم.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل