المحتوى الرئيسى

... عن صعود «الجماهير العربيّة» وهبوطها

11/20 04:43

بقياس الكلام الخطابيّ الطائر علي اجنحه الاطفال، يبدو مدهشاً انّ «الجماهير العربيّه» لم تنتظم في تظاهره حاشده واحده، في تلك المنطقه الممتدّه «من المحيط الي الخليج»، تاييداً لغزّه وتضامناً معها في ماساتها. ليس هذا فحسب، اذ انّنا لم نشهد تظاهره واحده من الصنف المذكور في الضفّه الغربيّه ذاتها، هذا علماً انّ الاخيره اظهرت، قبل اشهر قليله فحسب، انّها لا تزال تُجيد التظاهر دفاعاً عن تحسين اوضاعها المطلبيّه والاجتماعيّه.

ومن الصعب القول انّ ظروف القمع تحول دون ذلك في بلدان عربيّه كثيره في عدادها مصر وتونس. حتّي لبنان الذي تدبّ فيه الفوضي، ولا يكفّ عن كسر الارقام القياسيّه في «مقاومه اسرائيل»، لم يشهد تظاهره من النوع الموصوف (هذا من دون ان نستبعد تماماً قيام تظاهره مذهبيّه توظّف الالم الغزّي لاغراض التنافس اللبنانيّ - اللبنانيّ).

والحال انّ الضمور هذا ليس جديداً علي من يريد ان يري المستجدّات ويلاحظ التغيّرات التي تشقّ طريقها تحت انوفنا. فمنذ اوائل الثمانينات، ابّان الغزو الاسرائيليّ للبنان، بدا انّ ظاهره «الجماهير العربيّه» شرعت تكفّ عن الاشتغال: فكما قيل مراراً، لم تقم تظاهره معتبره واحده في الدنيا العربيّه تضامناً مع اللبنانيّين والفلسطينيّين، فيما تُرك للاسرائيليّين ان يطلقوا مثل تلك التظاهره اليتيمه.

هكذا اختُتمت المرحله الهائجه التي بدات في الاربعينات، ثمّ فُتحت لها الابواب العريضه مع الانقلاب الناصريّ في 1952، وخصوصاً مع حرب السويس في 1956 تتويجاً بالوحده المصريّه – السوريّه في 1958. ولئن عوّل البعض علي الثوره الفلسطينيّه رافعهً، ما بعد ناصريّه، لـ «الجماهير العربيّه»، فانّ الحربين الاهليّتين اللتين تلاحقتا في الاردن ولبنان رسمتا سقفاً تجمّعيّاً واهليّاً منخفضاً لتلك الثوره.

ثمّ سارت في النهر مياه كثيره الي ان كان «الربيع العربيّ»، فبدا معه انّ العرب ينتقلون الي اكتشاف دواخلهم الوطنيّه متعاملين مع هموم خاصّه ببلدانهم هي حكر عليها. واذا جاز تشبيه ذاك التزامن في الثورات بحدث كبير سابق، صحّ تشبيهه جزئيّاً بتزامُن السقوط الذي شهدته انظمه «المعسكر الاشتراكيّ» ابّان 1989 – 1991. يومها خاض الجميع، في أوروبا الوسطى والشرقيّه، معركه واحده من اجل ان يفترقوا والاّ يجمع بينهم «معسكر» واحد. لقد كان الامر اشبه بقبله الوداع.

يفاقم الصوره هذه ما راح يتكشّف عن تلك الدواخل العربيّه التي يُراد اصلاحها وتغييرها، وهو درجه التفتّت الاهليّ التي تجعل مهمّه تاسيس «الشعب» ذاته مهمّه ملحّه. فاذا كان «اهلنا في بنغازي» غير «اهلنا في طرابلس»، و «اهلنا في درعا» علي موجه تغاير موجه «اهلنا في دمشق»، و»اهلنا في النجف» متناحرين مع «اهلنا في تكريت»، صار التضامن مع «اهلنا في غزّه» مطلباً كماليّاً لا يجد ما يسعفه الاّ في ذاكرات تهرم وتشيخ.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل