المحتوى الرئيسى

باب الخروج

11/13 01:20

امتلا راسي بالكلام حتي صار كانه والخواء سواء لا ادري من اين ابدا‏.‏ الافكار تتدافع وتتزاحم عند باب الخروج فتسده‏,‏ مانعه الواحده الاخري‏,‏ تماما كالأحزاب السياسية في روايه عزالدين شكري فشير الجديده التي تحمل نفس الاسم‏:‏ باب الخروج‏,‏ عن دار الشروق‏.‏

الروايه مغامره. فكرتها مغامره. عمليه كتابتها مغامره, فقد كانت تنشر فصولها يوميا في جريده التحرير, في اثناء عمليه كتابتها, وذلك من1 ابريل حتي اخر مايو هذا العام, في قمه تازم الفتره الانتقاليه التي تحولت الي متاهه سياسيه وقانونيه وقوميه. من هنا جاء العنوان: باب الخروج, اي باب الخروج من المتاهه.

اذكر اني في نفس التوقيت تقريبا نشرت في ملحق الجمعه بجريدة الأهرام قصيده شديده السواد بعنوان قصر التيه تنتهي بنبوءه ورديه لا ادري للان مدي نصيبها من الشفافيه ونضج الرؤيه او العكس, الا انها تري الشعب خارجا من المتاهه وقد تحرر بكل ما للكلمه من معني.

ومنذ اسابيع قليله كتبت في هذا الباب عن روايه صدرت حديثا بعنوان حكايات المدينه السريه, للطبيبه الاديبه منال القاضي, كانت ايضا تتحدث عن باب الخروج, وقد تكون قد كتبت هي الاخري في نفس التوقيت.

اذكر كل هذا ليفهم القارئ الرحم الذي ولدت منه هذه الروايه. اما المولود فهو مغامره اكبر. الروايه باختصار عباره عن تسجيل ليوميات الثوره المصريه وتطوراتها وتقلباتها من صيف2012 وحتي خريف.2020 كتبها فشير بقلم لا يرتعش, دون ان يعني كثيرا اذا كانت احداث اليوم او الصباح التالي ستكذب رؤاه ام لا. وربما كانت نبوءاته فيما يخص صيف وخريف هذا العام لم تصدق, الا ان هذا لا يهم, ولا ينتقص منه ولا من عمله, لانه ليس منجما بل اديبا.

ولانه اتقن حرفته, فبدا بنقطه تقع قبيل النهايه, نقطه فيها من التشويق ما يشد القاريء الي صهوه خياله الجامح الموزون فلا يسقط ولا يريد ان ينزل. هكذا بقيت منكبا علي هذه الروايه الطويله- والتي ليست فيها كلمه زائده- حتي اتيت عليها.

الروايه مكتوبه بصدق وببساطه, وبعمق في الرؤيه ساعدت الكاتب عليه خبرته الاكاديميه والصحفيه كمشتغل نظري بالسياسه هزته الثوره فانخرط فيها بقلمه ولسانه. كما ساعدته خبرته الانسانيه كمصري مثقف تجاوز الاربعين, وشاهد عيان علي عصر انحطاط طويل انتهي بثوره عظيمه يراها تتخبط بين يديه وتضيع. كل هذا جعلني التهم روايته بنهم, خاصه ان موضوعها هو همنا المحبوب: مصر, وثوره مصر, وامال شعبها المريض المحروم, المهزوم الذي يهزم نفسه بنفسه قبل ان يهزمه الاعداء. لكن فشير اضاف الي كل هذا الصنعه, صنعه الروائي وحرفته وتشويقه, فبدا الروايه بقرب نهايتها, بداها بقنبله, او بالاصح24 قنبلة نووية صغيره.

يقول بطل الروايه وهو يكاتب ابنه الكترونيا يوم20 اكتوبر عام2020:

اكتب لك من بحر الصين, من علي متن سفينه شحن تجاريه بريئه المظهر, نشق عباب البحر في هدوء شديد عائدين الي مصر.. نحن والشحنة النوويه التي نحملها.. بمجرد وصولنا سيتم توزيع هذه الشحنه علي الصواريخ التي تنتظرها, واطلاقها علي قياده قوات الإحتلال الإسرائيلي في العريش وشرم الشيخ ونخل...

ان العمل كله هو خطاب طويل, استغرقت كتابته24 ساعه, كتبه علي سطح ذلك المركب علي شكري بطل الروايه, مترجم الرئاسه منذ ما قبل الثوره ثم سكرتير الرئيس للمعلومات, علي الفضاء الالكتروني, الي ابنه الذي حرمته منه الثوره وامه وحموه اللواء القطان, الان الرئيس القطان, الذي قرر الخروج من ازمه سياسيه ستطيح به وان يعاجلها بهجوم نووي سينتهي بالتاكيد بكارثه مروعه. والذي وشي بخطته سرا زوج ابنته وسكرتيره للمعلومات الجالس الان علي سطح المركب, في انتظار هبوط القوات الأمريكية, يكتب لابنه ويشرح له وللتاريخ لماذا قام بما قام, ولكي يفهم ولده, لكي تكون وثيقه للراي العام وللاجيال القادمه. سرد له ابوه في هذا الخطاب ــ الروايه كل ما شاهده عن قرب بحكم موقعه منذ قيام ثوره25 يناير2011, وايضا ما قاد لها من مقدمات عاصرها منذ بدايه عقد التسعينيات.

اذن فالمغامره تحيط بالروايه من كل جانب. لكنها بالطبع ليست روايه مغامرات. انها نفق مظلم ينتهي بطاقه نور, او باب خروج, وباب الخروج هو الشباب. الشباب البريء المثالي الذي تنقصه التجربه, والذي سينجر ويجر البلاد معه الي كوارث وتقلبات وماس تنتهي بان يكتسب الشباب الخبره دون ان يفقد طهره او يتنازل عن احلامه ومثله العليا.

والروايه عباره عن عقد من الخيبات والويلات والوزارات والحكومات من كل الاتجاهات, يفشلها جميعا افتقار المسنين من محترفي السياسه للرؤيه او للنزاهه او للشجاعه, مع عجز الجماهير ومعاناتهم لامراض الجهل وعدم الكفاءه وضعف القدرات وانعدام الامكانات اللازمه لاحداث طفرات حقيقيه, في ظل غياب قيم العلم والعمل وتراكم مشكلات الفقر والجهل والتخلف والبطاله والمرض- والغضب الناتج عن هذا كله.

الروايه تقدم جيلا فاشلا, حكاما ومحكومين, ومن كل التوجهات, وبصرف النظر عن نصيبهم من الاخلاص او عدمه, من خافوا ان يداووا بالجراحه فشلوا, ومن حاولوا المداواه بالجراحه انتهوا الي قسوه قتلت الالاف ثم قتلتهم. ان الروايه ادانه لجيل او اجيال باكملها. وليس اعتباطا ان جعلها كاتبها تتخذ شكل خطاب مطول من البطل الي ابنه, فكما نري في فصلها النهائي, فان باب الخروج من المتاهه او النفق المظلم هو اتحاد الشباب من كافه التوجهات- الاكثر اعتدالا, فوجهة نظره تستبعد السلفيين والاشتراكيين- واستلامهم للامه في زحف تدريجي هادئ وعقلاني.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل