المحتوى الرئيسى

محمد مسعد يكتب: (حنظلة) وحال مسرح الطليعة

11/06 20:14

يعد عرض (حنظله) للمخرج (اسلام امام) من العروض الداله علي بدايه حدوث تحول في وعي المسرح بالثوره المصريه، ذلك ان المسرح انحصرت علاقته بالثوره - خلال الفتره الماضيه – في حدود التاريخ لها، ولاسباب تفجرها، ونقد النظام السياسي القمعي الذي قامت لتهدمه، وهو ما انعكس بالضروره في الطبيعه الاحتفاليه والتبشيريه التي فاضت بها العديد من العروض، وهو انعكس كذلك في نمو تيار مسرح الشارع الذي كان يعاني من القمع الامني، وكذلك رواج جلسات الحكي المسرحي التي ارتبطت في معظمها بسرد العلاقات الشخصيه التي تربط بين الافراد والثوره كحدث اجتماعي وسياسي فارق.

الا ان عرض (حنظله) يسلك طريق مختلف بعض الشيء، حيث يتخطي تلك الاجواء الاحتفاليه، والتفاؤل الساذج الذي تفيض به معظم العروض التي تتعرض للثوره، نحو محاوله استكشاف اثر ذلك الحراك الشعبي علي علاقات السلطه داخل المجتمع، وهو ما يتجلي عبر تحديده للفئات التي استلبت تلك الثوره واعادت انتاج اليات التسلط والقمع ضد الطبقه التي قادت الحراك الثورى ، تلك الطبقه التي لم تلبث ان وجدت نفسها امام إعادة انتاج لذات النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي يتم سحقها عبره.. وهو ما انعكس - بالعرض - في صوره رؤيه تشاؤميه وكفر بامكانيه تغيير الواقع او زحزحه علاقات السلطه الحاكمه لتكون اكثر انسانيه.

ان تلك النافذه المعتمه التي يطل منها عرض (حنظله) علي الواقع ربما كانت هي المبرر الاساسي للتخلي عن الرؤيه التي طرحها الراحل سعد الله ونوس في نصه (رحله حنظله من الغفله الي اليقظه)، وهو ما يتجلي في تخلي المخرج عن النص ذاته كمرجعيه اساسيه في تشكيل العرض، لتصبح العلاقه بين العرض ونص (ونوس) شديده الهشاشه ولا تتعدي استلهام بعض المشاهد واعاده صياغتها بما يتلاءم مع توجهات العرض الذي وضعها المخرج.. وبالتالي ربما كان من الاجدي ان نهمل محاوله البحث عن العلاقه بين النص الاصلي وبين نص العرض لانها لن تفيدنا كثيراً في الاقتراب من تجربه عرض (حنظله).. وان كان يؤخذ علي العرض، عدم وجود اشاره واضحه بالمواد الدعائيه تشير الي ان نص العرض هو اعاده كتابه وصياغة لنص سعد الله ونوس الذي هو بدوره اعاده كتابه وصياغه لنص بيتر فايس (كيف تخلص السيد موكينبوت من الامه).

وبما اننا قد تخلينا عن نص ونوس كمرجعيه فاننا يمكن ان ننطلق نحو العرض من خلال البحث عن شبكه العلاقات التي يحاول العرض تحليلها والسخريه منها.

ولعل اول ما يمكن ان نصادفه في العرض هو حالة المسرحه والتعامل المباشر مع الجمهور وكشف عناصر اللعبه المسرحيه من خلال تقديم العرض من قبل مهرجين (محمد علي رزق/ رشا جابر) وتعمد احداث تشوه كوميدي عبر عمليه القلب الجنسي عبر ارتداء الممثل لملابس تهريجيه ذات صبغه نسائيه في مقابل ارتداء الممثله لملابس ذكوريه بالاضافه للشارب المرسوم علي وجهها.

وتتصاعد حاله المسرحه مع تقديمهم للمؤديين/ المطربين في اطار ساخر وتهريجي وصولاً لدخول الممثل الذي يؤدي دور حنظله (احمد فتحي) للبحث عن المكنسه التي يفترض انها من اكسسوار الشخصيه التي يؤديها.. الخ.

ويستمر تصاعد حاله المسرحه عبر تحطيم العرض لايه امكانيه للاندماج العاطفي مع شخصيه (حنظله) عبر الكوميديا التي تتعمد السخريه من الالام الشخصيه ومعاناتها بدايه من خروجه من السجن بعد دفع رشوه مروراً لطرد زوجته له من المنزل وخيانتها الجنسيه له وطرده من مقر عمله السابق لتغيبه برغم محاولته اقناع المدير انه كان محتجزاً ظلماً بالسجن خلال فتره غيابه، ثم محاولته ايجاد اجابه عن اسباب ما يتعرض له عند رجل الدين ثم لدي مركز الطب الاعلامي.. وصولاً الي تفتح وعيه وثورته ثم سلب ثورته من خلال تلك القوي التي كانت تقمعه منذ البدايه (الشرطي/الطبيب /احمد عبد الهادي) و(المدير/ رجل الدين/ ياسر عزت).

ترتفع وتيره السخريه وتهبط لكنها تظل دائماً حاضره كعنصر تغريبي تماماً كالغناء الذي يقوم علي المحاكاه الساخره للعديد من الاغاني العاطفيه والتي ترتبط بالاطار الساخر الذي وضعت فيه المؤدين.

واخيراً فان توزيع (المؤدين/المطربين) بين مساحه المتفرجين ودورهم المهم في نسف اي مساحه للاندماج.

وبهذا يصبح حضور المتفرج كمشارك سلبي عبر الضحك والوعي بالمسرحه جزءا اصيلا من بنيه العالم المسرحي في عرض (حنظله) وهو ما ينعكس بالطبع علي طبيعه تلقي المتفرج للعرض المسرح ووعيه بالعلاقات التي تشكل ذلك العالم، فالعرض يقذف ومنذ البدايه بعدد كبير من الشخصيات الي ساحه الاداء لا تقوم بدور مباشر في تصنيع العالم المسرحي او بناء مجتمع النص بل ان دور معظمها يقتصر علي التاكيد علي حاله المسرحه واشاعه اجواء كرنفاليه عبر الملابس غير المتناسقه تاريخياً (مثل الزي الفرعوني الذي يرتديه المطرب) او في علاقتها اللونيه او تكوينها (مثل زي بافروتا /امجد الحجار المكون من ستره قائد الاوركسترا وسروال شبابي).

ولعل ذلك الدور التغريبي الذي تقوم به تلك الشخصيات (مجموعه المطربين) يمكن ان يفسر مجانيه وجودهم بالعرض، وعدم وجود ادوار لهم في تشكيل العالم الدرامي، فالمتلقي يمكن ان يكتشف عدم وجود ضروره لتلك الشخصيات بالعالم الدرامي خاصه مع وجود (المهرجين/المعلقين) من ناحية، وانعدام وجود علاقه تداخل بينهم وبين العرض من ناحيه اخري فهم منفصلون عن شخصيات العالم الدرامي ولا توجد علاقه بينهم وبين عالم حنظله سوي التعليق الغنائي او الحكايات التي يرويها (بافروتا). وهي التعليقات التي يمكن حذفها دون ان يصاب العرض باي خلل بنائي او خطابي. لكن وجودهم يظل ممتلكاً لقدر من المعقوليه في ظل الفوضي الافتراضيه التي تطرحها المسرحه التي تستخدم الفوضي المنظمه وتدمير جماليات العرض المسرحي لتاكيد وجودها..

ولكن كل تلك التبريرات لا تفسر حاله القلق التي تسود العرض نتيجه فشله في تحقيق رهانه الاساسي والمتمثل في جمع كافه السلطات التي تسهم في بناء الواقع وتحديد امكانياته وممكناته وهو ما ينكشف العرض في سقوط العرض بدوامه كبيره تتشكل من عناصر واضحه وصريحه وعناصر تبدو مضببه وغامضه نتيجه عدم قدرتها علي ان تحمل اكثر من قدرتها مثلما يبدو الحال في الديكور الذي يبدو شديد البساطه والتجريد للحد الذي يمكن معه ان يشعر المتفرج انه بدون معني تقريباً ومنعدم الصله بالعرض.. لكن ما يجعل من الممكن تقبله هي حاله المسرحه التي اشرنا اليها.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل