المحتوى الرئيسى

البابا الجديد.. أمل وقلق

11/03 18:02

تجري اليوم الاحد 4 نوفمبر القرعه الهيكليه لاختيار بطريرك الكنيسة القبطية الـ 118، وهو امر تتجاوز اهميته اختيار رائد ديني لطائفه دينيه.. فما بطريرك كنيسة الإسكندرية الجالس علي كرسي مار مرقس بمجرد رائد ديني، وما اقباط مصر بطائفه دينيه..

بابا الكرازة المرقسية رمز وطني لكل المصريين.. واقباط مصر الوجه الاروع لسماحه الاسلام وعظمه المصريين في الوحده والتلاحم والامتداد الحضاري عبر التاريخ بالتنوع والتعدد والاختلاف النبيل.

وتاريخ بطاركه الكنيسه القبطيه جزء اصيل من تاريخ مصر.. اهتم به المصريون شعبًا وحكامًا.. وكتب له ساويرس بن المقفع (915م-987م) كتابًا شهيرًا بعنوان (تاريخ بطاركه كنيسه الاسكندريه القبطيه) بداه بتاريخ القديس مرقس الي البابا الــ 55 في تاريخ الكنيسه شنودة الأول.. ولدينا الان الموسوعه القبطيه التي ارخت لتاريخ البطاركه بنهج احدث واعمق الي البابا شنودة الثالث.

سيظل البابا شنوده الثالث البطريرك الـ(117) من 1971- 2012م علامه مهمه في تاريخ البطاركه الاقباط.. سواء في طول مده كرازته وتقدمته للكنيسه او في طبيعته الشخصيه او في الظرف التاريخي الذي ادي فيه دوره.. وكلها مكونات تجعل مهمه البابا القادم ذات اهتمام خاص من كل المصريين. 

40 عامًا تقريبًا قضاها البابا شنوده الثالث علي راس الكنيسه.. بدات في السبعينيات والوطن مهزوم في 1967م بهزيمه كانت اعمق من كونها نكسه عسكريه في حرب قتاليه ورئيس جديد جاء في ظروف قلقه ما لبث في حكمه عامين حتي اصطدم به البابا شنوده.. ونظر كثيرون الي توقيت الصدام بدهشه، فالبلد يستعد للقتال والجبهة الداخلية ما استقرت بعد صدام مايو 1971م مع رجال الرئيس عبد الناصر..

كان البابا قادمًا من تاريخ طويل يحمل فيه طموحات كثيره لنفسه وللكنيسه.. وهو ما ظهر بوضوح بعد ذلك في الثراء المالي الهائل للكنيسه فقد (ولي الزمن الذي يسير فيه القسيس خلف الافندي القبطي من اجل زكيبه من الحنطه!) هكذا قال.. واصبح للكنيسه ثروه هائله تديرها شركات باسماء افراد بالطبع، وطائره خاصه للبابا وكنائس ذات ابنيه بالغه الضخامه تعكس قوه من يترددون عليها وباسهم الشديد.. واساقفه متفرغون للخدمه يتقاضون مرتبات ضخمه ويرتدون ملابس فخمه ويركبون سيارات كبيره وكنائس في امريكا واوروبا واستراليا وعضويه مهمه في مجلس الكنائس العالمي.. وما بين مبادئ الرهبنه الثلاث (العفه والفقر الاختياري والطاعه)، وما ظهر في الواقع الكنسي الجديد كانت هناك مفارقه واضحه ومثيره لكثير من الاسئله. 

سيطر البابا سيطره تامه وكامله علي الاكليروس (المجمع المقدس) فما كان يحتمل نقدًا من احد وعقابه وغضبه علي المخالفين له شديد القسوه.. والقمص ابراهيم عبد السيد نموذج مروع حال حياته وحال مماته.. حيث تم ايقافه عن الخدمه من قبل محاكمه كنسيه برئاسه الانبا بيشوي اعتراضًا علي مقالات وافكار له تخص زواج الاساقفه.. والرهبنه في المسيحيه.. والاغرب ان كل كتبه تم منعها رغم ارتفاع مستواها الفكري والديني، وكانت تثري المكتبه المسيحيه ومنها موسوعه (الفروق الذهبيه بين الطوائف المسيحيه) وغيرها، حيث مات دون ان يرفع الايقاف عنه ورفضت كل الكنائس الصلاه عليه سواء بصفته الكهنوتيه او بشخصه المسيحي! خوفًا من البابا شنوده.

نفس الامر حدث في المجلس الملي حيث قائمه البابا الشهيره قبل كل انتخابات، وكلها من رجال الأعمال الجدد الذين يعملون في شركات الكنيسه.. خاصه في قطاعات الدواء والسياحه والتوكيلات التي تاتي لاصحابها من الخارج بالاسم.. فقد تم صنع عائلات جديده اتت من واقع اجتماعي متواضع (ساويرس نموذجًا)، ودفع بهم في الحياه العامه.. بدلاً من العائلات العريقه التي انحدرت من ايام حكم محمد علي وكانت تتولي الشئون الاداريه للكنيسه وللاقباط من وقت تاسيس المجلس الملي علي يد بطرس باشا غالي 1874م.. كل ذلك قضي عليه البابا شنوده تمامًا.. وكان سلاحه الفتاك في كل ذلك (العصب التنظيمي) و(المال).. فالكنيسه كانت ومازالت تنظيمًا دقيقًا.. هذا عادي وقد يكون مفيدًا.. لكن داخل هذا التنظيم تنظيم اخر يسميه المولعون بالعمل التنظيمي (العصب التنظيمي) يتولي توزيع المسئوليات في سريه تامه علي رجاله بحسب الولاء والثقه.. وكله بالقانون واللوائح.. ان شلحًا فشلح!!.. وان ترسيمًا فترسيم!!.. والمال من وراء كل ذلك يسند ويدعم ويسدد ويدين. 

وهكذا دانت له دنيا الكنيسه والاقباط، واصبح جالسًا وايامها فيما يريد قيام.. كما يقول المتنبي.. الي ان تنيح بسلام يوم 17 مارس الماضي.

لا شك ان سيره بهذا التكوين ستجعل من البابا القادم علي حد نصل تاريخي.. خاصه ونحن امام واقع سياسي واجتماعي جديد.. فالاقباط انفسهم ما عاد بالامكان حبسهم داخل اسوار الكنيسه بحجه حمايتهم من التطرف الاسلامي.. فقد ثبت ان القصه امنيه بامتياز وتفجير كنيسة القديسين خير دليل.. حتي ما نراه من بعض الملتحين الذين يرتدون جلاليب في حق الكنائس والاقباط هم (مخبرون) او (بلطجيه) لحساب الدوله العميقه يعملون باليوميه.. بهدف ترويع الاقباط واثاره للخارج في المهجر.. ولا علاقه لذلك باشد التيارات الاسلاميه تطرفًا.. ان كان ثمه تطرف.

الدوله ما كانت لتبلغ من الضعف ما بلغته في ايام الرئيس السابق فالجميع متساوون امام القانون.. واتصور ان التكوين الذاتي للرئيس محمد مرسي سيدفع بهذه النقطه الي اقصي مداها.. تحقيقًا تامًا للمواطنه.. فعليه عبان.. عبء منجزات الثوره في العدل والمساواه، وعبء انه قادم من المدرسه الفكريه الاكثر فهمًا لحقائق الاسلام في نفس النقطتين يزيد عليهما التسامح والمياسره.

الواقع الاجتماعي والسياسي اخذ في التكون بسرعه وبقوه في اتجاه الاحزاب القويه والجمعيات القويه.. مما سيدفع بالجميع الي المشاركه الواسعه الدءوبه في مجال العمل العام والحقوق المدنيه وهو ما سيتطور في نهايه الامر الي تكوين (المجتمع المتوازن) حلم كل المصلحين الاجتماعيين في كل العصور.

ننتظر من البابا القادم ان يجعل الزاد الروحي هو اعظم ما تقدمه الكنيسه لشعبها.. ايمانًا وسلوكًا واخلاقًا.. والحق ان تاريخ الكنيسه واباءها الكبار كان شديد الاهتمام بهذه الرساله الروحيه الساميه.. وما ان يُذكر ذلك امام احد الاصدقاء الاقباط.. الا وتجده يذكر بتاثر بالغ البابا كيرلس السادس(1959-1971م) رجل الصلاه والروحانيات.

ننتظر من البابا القادم ان يدفع بالاقباط الي المشاركه التامه والجريئه في كل جوانب العمل الوطني اجتماعيًا وسياسيًا وفكريًا وفنيًا ورياضيًا.. والسقف الذي يسع الجميع هو سقف القانون الذي ارتضاه الجميع معيارًا وحكمًا للصواب والخطا. 

ننتظر من البابا القادم ان يقدم لنا نموذجًا يجمع بين البابا غبريال الثاني1131-1145م، والبابا بطرس الجاولي1809-1825م،  والبابا كيرلس السادس. 

الاول جعل الصلاه والعظات باللغه العربيه ايذانًا ببدء عروبه الكنيسه وقوميتها الوطنيه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل