المحتوى الرئيسى

كيف ومتى تتحول القوى الدينية إلى قوى سياسية؟ جميل مطر

11/01 09:42

عشت فترات في بلاد كنت اجد في بعضها صعوبه في فهم كثير مما يجري. اذكر انه في واحده او اكثر من هذه الفترات وقفت اللغه عقبه في وجه استيعاب ما اسمع وما اقرا. لم اتمكن من المشاركه نطقا او كتابه فيما كان يجب ان اشارك. كيف ومتي تتحول القوي الدينيه الي قوي سياسيه؟

حدث في فتره اخري ان كانت تعقيدات البيئه الاجتماعيه او الامنيه الحائل الذي حال دون اندماجي كاملا في المجتمع. فاتني في الحالتين التعرف مبكرا علي تفاصيل الناس وتقاليدهم وتاخر التواصل وتاخر معه الفهم ولم يكتمل الا بعد وقت خلته دهرا.

جاءت فتره ثالثه كنت فيها ضمن ملايين من البشر جرفتهم انتفاضه قبل ان تتفجر في شكل اعصار تتلاطم فيه افكار وتتداخل مشاعر انتقام بمشاعر غضب وكره وبكثير من الاحلام والامال، عشت مع كثيرين فتره طويله في انتظار ان يسفر الارتطام والصدام عن مشروع نهضه حقيقيه. خاب بعض الامل حين تغلب الصراخ والعويل فلم اعد اسمع سوي اصوات منفعله لا تقول شيئا، وانتهي الامر بانني لم افهم الا قليلا ومتاخرا. ولم اكن وحدي.

ما ان وصلتني من مركز دراسات الوحده العربيه الدعوه للمشاركه في اعمال ندوه تنعقد في حمامات تونس لتناقش موضوع الدين والدوله في الوطن العربي وقرات اسماء المشاركين حتي اسرعت بالموافقه. كانت حجتي امام اصدقاء يهتمون بشئون حلي وترحالي بسيطه وواضحه. قلت انني في حاجه ماسه الي الفهم، اريد ان اشارك بالاستماع والمناقشه لافهم. قلت لهم انا ذاهب لاشارك في ندوه اعتبرها تدريبيه؛ اذ يشترك فيها من اثق في انهم سيشرحون ويفسرون. كان بين المدعوين للمشاركه الاصدقاء طارق البشري وحسن حنفي ورضوان السيد وعبدالاله بلقزيز وميشيل كيلو وسعد الدين ابراهيم ومحمود جبريل ومنير شفيق، كان بينهم ايضا الشيخ راشد الغنوشي والشيخ جواد الخالصي وعلي فياض وطلال عتريسي واخرون ليصل العدد الي ما فوق الستين. كان تصوري وجوهر قناعتي حين وافقت ان كوكبه علي هذا المستوي وبهذا العدد قادره علي ان تعيدني الي مصر فاهما.

ردا علي حجتي، قيل لي ولكنك تذهب لتستمع الي اشخاص، اكثرهم تقرا لهم او تستمع اليهم في محاضرات او لقاءات تليفزيونيه، فاذا لم تكن قد فهمت بعد ما يقارب العشرين شهرا من الاستماع والمشاهده والمتابعه، فلماذا تظن انك ستفهم في يومين ما لم تستطع فهمه خلال كل تلك الشهور.

ردا علي ردهم قلت انني واحد من الذين يعتقدون ان ما تسمعه من شخص وهو خارج بيئته التي تعود عليها اهم كثيرا مما يقوله وهو داخلها بين حواريه وجمهوره. الانسان خارج بيئته الطبيعيه يكون اكثر قابليه لتطوير افكاره وحججه واكثر استعدادا للاستماع الي من يخالفه في الراي. قد يتصلب في بيئه مختلفه ان كان في بيئته الاصليه معتدلا، او يعتدل ان كان فيها متصلبا. اردت ان اري هؤلاء الاصدقاء من العلماء والمفكرين بعيدين عن قواعدهم وقد خلعوا بعض ارديه التحفظ وتحرروا من قيود «الشارع» الذي اعتادوا عليه لغه ولهجه واسلوبا، وهو نفسه الذي يضغط عليهم ليكتبوا او يعلنوا ما يريد ان يسمعه وليس بالضروره ما يعتقدون انه الصواب، وكثير منهم يستجيب.

علي امتداد يومين واكثر من عشر جلسات جلست استمع باهتمام الي علماء اجلاء اعادوا الي ذاكرتي بعضا مما نسيت واضافوا جديدا لم اكن اعلمه. اجابت اوراقهم والنقاش الذي دار حولها علي بعض الاسئله، ولكن لاسباب عديده خرجت من الندوه وفي جعبتي عدد غير قليل من اسئله حملتها معي من القاهره وها انا اعود بها دون ان احصل علي اجابات وافيه عليها.

حملت معي مثلا سؤالا اوحت به اشاره في ورقه الصديق طارق البشري معناها انه في الثورات «تتحول قوي اجتماعيه ودينيه الي قوي سياسيه وتحاول الوصول الي السلطه». هذا بالفعل ما حدث قي ثوره مصر ويحدث في سوريا وحدث بشكل مذهل في ليبيا. توجد فيما يبدو علاقه ارتباط بين الحالة الثوريه بكل ما يحيط بها من عدم استقرار وغياب نسبي للمؤسسات وسيوله ايديولوجيه وبين نزوح قوي وجماعات من فضائها الديني الدعوي والاجتماعي الي فضاء السياسه والسلطه. تمنيت لو ان النقاش في الندوه تعرض للظروف التي تشجع علي النزوح، وما اذا كان انقضاء هذه الظروف يعني او يمهد لاحتمال عوده القوي النازحه من الفضاء السياسي الذي احتلته خلال الثوره الي فضاءاتها الاصليه.

يذكر البعض منا ولا شك انه في حاله سابقه لعبت القوي الخارجية دورا مؤثرا في دعم النزوح واستقرار القوي الجديده كقوي سياسيه. حدث هذا خلال عهود المد القومي حين قامت دول واحزاب في الاقليم بدور مشهود في تمكين القوي القوميه للاستيلاء علي السلطه في اكثر من دوله عربيه.

من ناحيه اخري، يبدو اننا نقلل احيانا من شان «اللحظه الفارقه» في تحول قوي وجماعات من العمل الاجتماعي الي العمل السياسي بهدف الوصول الي السلطة السياسية. لدينا في معظم الثورات امثله بارزه علي اهميه هذه «اللحظه الفارقه» ابتداء من لحظه الهزيمه العسكريه الي لحظه سقوط نظام مستبد الي لحظه اعتلاء شخصية كاريزميه ودينيه مسرح ملتهب بالاحداث.

لا يخفي بعض المهتمين بامر الدين السياسي، او علاقه الدين بالدوله، ترددهم في مناقشه ما يتعلق بدور المال الاجنبي في دعم عمليات التحول من الدين الي السياسه. قال احدهم ذات مره ان المال اذا انتقل من دوله الي اخري لدعم الدعوه الدينيه فهذا امر لا يخل بسياده الدوله الخارج منها المال ولا الدوله الداخل اليها المال. ويستطرد قائلا انه بما ان الاسلام دين وسياسه يصبح منطقيا ان المال الاجنبي الذي يدعم الدور السياسي للدين يخضع للمبدا السائد حاليا في القانون الدولي المعاصر والمتعلق بالحق في التدخل لاسباب انسانيه. وبالتالي، وحسب هذا المنطق، فان التدخل من الخارج بالمال لدعم قوي اسلاميه تسعي للعمل بالسياسه لا يهدد سياده الدوله المستقبله للمال.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل