المحتوى الرئيسى

اللغة بين الدُّونيَّة والقداسة

10/26 10:20

اللغه هي اول الطرق لتكوين قوميه/ دوله، بالنسبه الي مجموعه من الإفراد يعيشون في حيز جغرافي متقارب، وانهيار اللغات، يعني دائمًا انهيار القوميه المنتمي اليها الافراد المتحدثون بهذه اللغه وذوبانها في لغه المحتل.

ساكون من اسعد الناس ان كان انهيار القوميات سيؤدي الي انهيار الحواجز والفواصل بين البشر في كل مكان، لكن ما يحدث دائمًا، حينما تبدا في الانسلاخ عن اللغه والقوميه، هو انسحاق اللغه الاصليه لشعب ما، وحضارته، امام اللغه الوارده للمحتل، سواء كان الاحتلال سياسيا او اقتصاديا او ثقافيا.

دائمًا ما انزعج بسبب طريقتين من طرق استخدام اللغه المنتشره حاليا:

الانسحاق التامّ امام اللغات الاجنبيه، وفي حالتنا هنا الانسحاق امام اللغة الأنجليزية، كان يُسمِعَك احد الجمله التاليه:

«انا كنت لسه واصل المول، ركنت يادوبك في ليفل تلاته بي، وكنت سمارت انَف وافتكرت الكُويِن اللي بانساها كل مره، واول ما شُفت الكيوسك الجديد، فعلا فعلا اي فُول ان لوف معاه».

بالنسبه اليّ لا تفسير لما سبق الا احساس بالدونيه متضخم امام لغه المحتل، ورفض للانتماء الي الثقافه المحلية، سواء كان ذلك نتيجه سوء تعليم «اللغه العربيه» بسبب المدارس التي تتجاوز تكلفه طفل في رياض الاطفال فيها اربعين الف جنيه، ولا يقتربون من اللغه العربيه، الا مع مدرس مرسوم علي وجهه غضب الله ياتي الي منازل الاطفال ويحفِّظهم القران.

او كان ذلك لرفض لغه وثقافه محليه، والارتماء في احضان لغات اخري وثقافات اخري اكثر «تحضرًا» او «تقدمًا» بالنسبه الي ذلك البعض غير القادر علي التحدث باللغه/ اللهجه المحليه.

لا يعني ما سبق رفضي اللغات الاخري، او الاعلاء من شان اللغه العربيه، والتعصب الاعمي لها، فاللغه العربيه في حد ذاتها الان في طريقها الي الاندثار، ان ظلّ ممثلوها الرسميون (من معبد/ مجمع لغه عربيه وازهر الخ) مجرد عبده لاصنام اللغه، دون اي محاوله للتطوير، او احتواء تغييرات تقنيه وعلميه تحدث.

قليلا ما تجد منشورًا علميًّا او ادبيًّا يحاول ادماج الكلمات التقنيه او الادبيه، او الحضاريه الجديده في اللغه العربيه، بالنسبه اليّ فاكثر جهد مبذول حتي الان، هو لمجله علميه تصدر من دولة الكويت تُدعَي مجله «العلوم»، وهي ترجمه وتعريب لمجله «امريكان ساينتيفيك».

لكن حتي الان، نادرًا ما تجد استخدامًا لاي كلمه معرَّبه تعريبًا صحيحًا موجودًا بين المستويات المختلفه للشعب، وسنجد مجموعه ضخمه من الكلمات الانجليزيه والفرنسيه، المعدله والمهياه «متقيّفه» للاستخدام اللغوي المحلي بدايه من «دريكسيون» و«جادون» و«فتيس»، وصولا الي «جيلاتي» و«ست اب» و«هنّج» و«اتفيرس».

لم نجد جهدًا حقيقيًّا من معبد/ مجمع اللغة العربية، في تعريب الكلمات وتقريبها من المواطن «العربي/ المصري»، حتي كلمه «تلفاز»، التي كنت اعتقد انها التعريب لـ«تليفيجن»، اتضح انها لم تنَل موافقه جلالتهم، وان كلمه «شطيره» التي ايضا لسذاجتي اعتقدت انها نتيجه جهدهم، اتضح انها الاجتهاد الشخصي لعدد من البشر، بناء علي التعريب الاخطر لمعبد اللغه العربيه لكلمه «ساندويتش» التي هي «شاطر ومشطور وبينهم طازج».. غطّيني وصوّتي.

«الا تعلم ان اللغه العربيه هي لغه القران، وان التفريط فيها يعني التفريط في القران، وان ما عداها من لغات هو اقل شانا، ولا ينبغي الالتفات اليه الا من باب (من عرف لغه قوم امن مكرهم)؟».

اللغه هي لسان حال مجموعه من البشر، تطوروا ثقافيًّا وحضاريًّا في منطقه ما، وقاموا باختراع طريقه منطوقه للتواصل بينهم، وتطورت هذه الطريقة واصبحت مكتوبه، وفي اوقات ازدهار اللغه، تقوم بادماج مئات الالاف من الكلمات الاتيه من حضارات وثقافات اخري داخلها، واستيعابها، ومن ثم اخراج مُنتَج لغوي جديد، يفيد الناطقين بهذه اللغه، ويؤمِّن لهم سبل التطور التقني والمعرفي.

وحقيقهً لا قدسيه لاي لغه، وكون النبي عربيًّا، والقران عربيا، لا يعطي اي قدسيه للغه المستخدمه في كتابه او ايصال هذا الدين، فلا يوجد شيء دنيوي مقدس في الاسلام، وحتي النبي اصاب واخطا في افعاله الدنيويه.

واعتقد ان حكمه ذلك هي ارسال رساله الي من ياتي بعده، وهي اعطاء الاستمراريه واضفاء طابع الانسنه علي هذا الدين، واللغه، مما يمكنهما من الاستمرار والصمود في وجه المتغيرات وتبنيها.

المشكله الحقيقيه في تقديس اللغه، وتحويلها من امر دنيوي الي مقدس وربطها الدائم بالقران، كان اي تغيير فيها، هو اعتداء علي المقدس، وسيؤدي ذلك في النهايه الي منعها من التطور، والاستفاده من الاخطاء السابقه، والتطورات الحاصله في عديد من اللغات الاخري، والثقافات العالميه.

المشكله في تقديس اللغه هي منعها من التاثر والتاثير، وتحوُّلها من ثقافه ومنطوق، يحتاج الي النمو الدائم، والدعم، الي ثابت وجامد، لا يمكن تحريكه او تطويره.

المشكله ان المقدس ثابت لا يتغير، وان الدنيوي هو المتغير الدائم والمتطور، وربط اللغه بالقران، او بالدين، واضفاء قدسيه القران علي اللغه، ومنعها من التطور، سيؤدي الي فناء اللغه في يوم من الايام، وستصبح مجرد ذكري لطيفه.

* اعتقد انه يجدر بي الاشاده بجهود مجموعات متعدده من التقنيين العرب، في محاولاتهم لتعريب كثير من المصطلحات التقنيه، وذلك نتيجه جهود شخصية منهم، دون دعم مؤسسي او مجتمعي حقيقي.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل