المحتوى الرئيسى

تقررت حقوق الإنسان ومبادئ السلام

10/25 14:12

كتب - محمد عبد الله الخطيب

الشيخ/ محمد عبد الله الخطيب

من علماء الازهر الشريف والعضو السابق بمكتب ارشاد جماعة الأخوان المسلمين

الحج هو المؤتمر العالمي الجامع للمسلمين قاطبه، مؤتمر يجدون فيه اصلهم العريق، الموصول بابي الانبياء خليل الله عليه السلام، يقول الحق تبارك وتعالي: {مِّلَّهَ اَبِيكُمْ اِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَي النَّاسِ}[الحج].

والحج من الشرائع القديمه قِدم الانسان، فقد ثبت ان الانبياء ومن اتبعوهم كانوا يحجون البيت الحرام؛ روي الامام احمد والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم مر بوادي عسفان، فقال: «يا أبا بكر، لقد مر بهذا الوادي هود وصالح علي بكرات، خطهما الليف، يحجون هذا البيت العتيق».

وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: وقف النبي صلي الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس ان تئوب، فقال: «يا بلال، انصت لي الناس». فقام بلال فقال: انصتوا لرسول الله صلي الله عليه وسلم. فانصت الناس، فقال: «معشر المسلمين اتاني جبريل انفا، فاقراني من ربي السلام، وقال: ان الله غفر لاهل عرفات واهل المشعر الحرام وضمن عنهم التبعات»، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، هذا لنا خاصه؟ قال: «هذا لكم ولمن اتي من بعدكم الي يوم القيامه». فقال عمر: كثر خير الله وطاب.

وفي هذه الايام نعيش ايام العشر المباركه السعيده من ذي الحجة، وحجاج بيت الله من اطراف الارض يقصدون البقعه المقدسه، يبذلون الرخيص والنفيس، وكل حاج يحدث نفسه، ويمني عينيه ان تكتحل فتفوز بالنظر الي البيت العتيق الكعبة المعظمة، اول بيت وضع للناس، بمكه مباركا وهدي للعالمين، ان كل حاج يبكي ذنوبه، ويبدي اسفه وندمه علي تفريطه في جنب الله، ويسال مولاه الرءوف الرحيم رب البيت العظيم من فضله، عساه ان يخرج من ذنبه، وادران الدنيا متطهرا فيعود كيوم ولدته امه.

والواجب علي جميع المسلمين الحرص علي طاعه الله في هذه الايام المباركه، فقد ورد في الحديث «ما من ايام اعظم عند الله ولا احب العمل فيهن من ايام العشر، فاكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير» كما ورد ايضا في الاثر «وان صيام يوم منها يعدل صيام سنه، والعمل فيهن يضاعف بسبعمائه ضعف».

1 –السبق في تقرير الحقوق:

ما اكثر المؤتمرات التي تعقد في هذه الايام، ثم تنفض ولا جديد، لكن مؤتمر الحج العالمي، مؤتمر فريد، ولقاء عجيب في عالم البشريه، مؤتمر يعقد تحت لواء الحق، وينبثق من ضمير الامه، ولو فهم المسلمون اهداف الحج علي وجهها الصحيح، وعاشوها كما اراد الله، من تزود بالتقوي، وعمل علي وحده المسلمين، وتقويه الروابط بينهم، لو فهم المسلمون هذا لانكشفت بوضوح مؤتمرات محترفي السياسه، وما وراءها من مصالح واهداف لا يقرها الاسلام، ولا الاخلاق، ومن هنا يصبح مؤتمر الحج بحق مركز الثقل في كيان وحياه أمه الإسلام، بل لاصبح بدايه التحول الحقيقي في تاريخ العالم كله.

لقد وقف الرسول صلوات الله وسلامه عليه علي عرفات في حجة الوداع يعلن حقوق الانسان، ويقرر مبادئ السلام الحقيقي، ويوضح معالم العداله والمساواه بين الناس، قبل ان يعرفها العالم كله بالف عام، ووضع الحدود الدقيقه لحرمه الدماء والاموال والاعراض.. فقال: «ان دماءكم واموالكم واعراضكم حرام عليكم كحرمه يومكم هذا في شهركم في بلدكم هذا» وفي الحديث الصحيح «كل المسلم علي المسلم حرأم دمه وماله وعرضه».

وتحدث صلي الله عليه وسلم عن المساواه بين الناس، وهي حقيقه يتربي عليها المسلم عمليا في الحج فقال: «ان ربكم واحد، وان اباكم واحد، كلكم لادم وادم من تراب، ان اكرمكم عند الله اتقاكم، ليس لعربي فضل علي اعجمي الا بالتقوي» كما تحدث صلي الله عليه وسلم عن اياس الشيطان وهزيمته ومحاولاته في الايقاع بالانسان والواجب علي المسلم كل الحذر منه، وتحدث عن المراه وما لها من حقوق، وما عليها من واجبات، ثم ختم حديثه صلي الله عليه وسلم بقوله «وقد تركت فيكم ما ان اعتصمتم به فلن تضلوا ابدا، امرا بينا، كتاب الله وسنه رسوله…الا هل بلغت؟ اللهم فاشهد».

لقد ارتبطت مناسك الحج بفكره السلام والامان، فليس للمسلم في فتره احرامه ان يقطع شجرا، او يقلم ظفرا، او يقص شعرا، وليس له ان يتدني فيرفث او يفسق او يجادل، قال تعالي: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}.

ان معركه السلامفي الاسلام ليست كلاما يقال، او خطبه تلقي، بل هي حقيقه تبدا من داخل القلب والضمير، والسلام الذي ربّي عليه الاسلام امته هو الذي تنسجم عليه حياه المسلم مع هواتف الخير في نفسه، فالذين يحققون معني السلام في انفسهم، بتحريرها من كل سلطان غير سلطان الحق، هم وحدهم الامناء علي مستقبل الشعوب، وهم الذين يستطيعون ان يقودوا البشريه في طريق السلام الحقيقي، ولقد علمنا الرسول صلي الله عليه وسلم ان نقول حين يقع بصرنا علي الكعبة المشرفة «اللهم انت السلام ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام».

3 - ما يجب ان نتعلمه من الحج:

يتعلم المسلمون من هذه الفريضه حقائق مهمه واساسيه، وعلي سبيل المثال:

1)  حقيقه التجرد النفسي الذي تتحرر بها نفس المسلم وتخلص لله.

2)  وحقيقه السعي والحركه والتحمل الذي تسلم به حياته من الاستسلام والعجز والكسل والدعه والخمول.

3)  وحقيقه الصمود والكفاح والجهاد والمجاهده التي تحفظ له كيانه من المهانه والذله.

4)  وحقيقه التضحيه والفداء والاستجابه لامر الله التي يمتحن بها الله ايمانه ويقينه.

وما احوج هذه الامه الضائعه بين امم الارض والمغلوبه علي امرةا والمسلوبه كل حقوقها الي الذين يعملون دائما بارواحهم لا باشباحهم، وبضمائرهم وقربهم من معيه ربهم، لا برقابه غيرهم عليهم!.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل