المحتوى الرئيسى

"يا خيل الله": فيلم يبحث في جذور الجماعات الاسلامية المتطرفة

10/16 16:41

تابع الفيلم سير منفذي تفجيرات الدار البيضاء الذين نشاوا في حي سيدي مومن الفقير القريب منها.

يربط الكثير من الباحثين واقع الفقر والتهميش والجهل وغياب التعليم بولاده التعصب والتطرف بشتي اشكاله وبشكل خاص التطرف الديني.

فواقع الفقر والحرمان في الأحياء العشوائيه واحزمه الفقر التي تحيط بالعديد من العواصم والمدن العربيه الكبري تمثل حاضنه اساسيه وبيئه خصبه لنمو الحركات المتطرفه التي تغذيها عوامل التهميش والحرمان والبطاله وغياب التعليم لتنعكس في صوره ياس اجتماعي وربما نزعه للثار من المجتمع او الدوله المسؤوله عن مثل هذا التهميش.

وفي هذا المناخ الغاضب تجد الحركات الدينيه المتطرفه البيئه الخصبه لنموها، مستثمره هذا المناخ الغاضب ومالئه الفراغ باديولوجيه هروبيه، فتصبح الحلول في الآخرة بديلا عن واقع القهر والتهميش اليومي، وتستثمر طاقه الغضب والياس لتغذيه مشروعها العدمي ونزعه الانتقام من المجتمعات الحديثه بعد ان خلصت الي تكفيرها في ادبياتها وفقهها الديني.

وفي هذا الاتجاه يصب فيلم المخرج المثير للجدل نبيل عيوش "يا خيل الله" الذي اختار ان يجسد تلك الخلاصه دراميا عبر الغوص في سير منفذي تفجيرات الدار البيضاء عام ٢٠٠٣ التي قتل فيها ٤٣ شخصا وجرح العشرات.

يستند عيوش في فيلمه علي روايه كتبها الفنان التشكيلي المغربي ماحي بنيبين تحت عنوان "نجوم سيدي مومن" والسيناريو الذي كتبه جمال بلماحي نقلا عن هذه الروايه.

وحصل الفيلم علي تمويل فرنسي وبلجيكي لانتاجه، اذ اشتركت في انتاجه شركات: "لو فيلم دو نوفو موند" و"علي ان برودكشن" و"ستون انجيلز" و "واي سي اليغاتور" و "ارتميس برودكشن".

يحاول عيوش عبر فيلمه البحث عن بذور التطرف في بيئه التهميش والفقر والحرمان في احياء الفقر او الصفيح علي هامش المدن الكبرى، وهي الدار البيضاء هنا وحي سيدي مومن الذي خرج منه منفذو التفجيرات والهجمات الانتحاريه فيها عام ٢٠٠٣.

ويصر المخرج علي انه لا ينشغل بالتفجيرات ذاتها قدر انشغاله بمحاوله فهم سيره هؤلاء ودوافعهم وتقديمها دون احكام مسبقه عليها. وهو هدف مستحيل التنفيذ في ظل كم الاحكام المسبقه التي تمتلئ بها الاذهان ووسائل الاعلام في تعاملها مع مثل هذه القضيه الحساسه.

ويعود المخرج الي عام ١٩٩٤ ليبدا بمتابعه حياه صبيين ونشاتهما في ازقه الفقر في حي سيدي مومن القريب من الدار البيضاء، فياشين الاخ الاصغر "عبد الحكيم رشيد"، الذي يحلم ان يكون لاعبا شهيرا، يكن احتراما كبيرا لاخيه حميد "عبد الله رشيد" الذي يكبره قليلا، ويتسم بشخصية مؤثره بعد ان انضجت حياه الشوارع رجولته فتولي اعاله عائلته وحمايه اخيه الاصغر في اجواء العنف والقهر المتبادل في تلك البيئه الفقيره.

ويؤدي اعتقال حميد بعد انخراطه في توزيع المخدرات وعصابات الحي الي اضطهاد اخيه ياشين من قبل احد اشقياء الحي ومنعه من عمله في بيع البرتقال والليمون.

ويساعده صديقه الحميم نبيل (حمزه صديق) في ان يجد عملا معه لدي مصلح للسيارات والدراجات الناريه في الحي، بيد انه يتعرض الي محاوله تحرش جنسي من هذا الميكانيكي تنتهي بقيام الصديقين بقتله٠

يركز عيوش هنا كما في افلامه السابقه علي علاقات المثلية الجنسية، كما هي الحال في هذا المشهد مع الميكانيكي او في مشهد الاغتصاب للصبي اثناء لهو مجموعه الصبيان وسكرهم علي هامش احد اعراس الحي.

عمل عيوش مع ممثلين غير محترفين وهم أناس عاديون من الاحياء الفقيره ذاتها اختارهم ليمثلوا ادوارا قريبه من حياتهم

ويخرج حميد من السجن ملتحيا وقد تغيرت شخصيته كليا بعد وقوعه تحت تاثير احدي الجماعات السلفيه، ونري ان هذا الخروج يتزامن مع احداث سبتمبر/ايلول وتدمير برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك، اذ يظهر في احد مشاهد الفيلم مُناد في الحي يدعو الي نصره بن لادن والقاعده.

ويركز عيوش علي كيفيه قيام الجماعه بملء الفراغ في الحي وكيف تسيطر علي شبابه عبر مد يد العون لهم وتوفير مناخ تضامن هم بامس الحاجه اليه، فتتسلل عبر حميد الي اعضاء فريق كره القدم في الحي، وتوفر الحمايه لياشين ونبيل بعد قتلهما الميكانيكي وتساعدهما في اخفاء ملامح الجريمه.

ليبدا عملهم مع هذه الجماعه المتطرفه التي تختارهم لتنفيذ تفجيرات الدار البيضاء.

وينجح عيوش في مشهد الذروه في استثمار السرد الذي قدمه للحظات الفاصله في تطور شخصياته، فنري حميد الذي كان جريئا في صباه يتردد ويتراجع عن التنفيذ بينما يصبح ياشين الذي كان ضعيفا وتعرض لكل عوامل الاضطهاد السابقه قائدا للمجموعه ومتحمسا لتنفيذ اوامر الجماعه بشكل اعمي حالما بعالم اخر يتمتع فيه بالحور العين وبكل ما حرم منه في حياته، مندفعا لاثبات تفوقه علي من كان يسمونه بالضعف باقصي صور العدميه والعنف.

ويستخدم عيوش هنا الحديث الذي ينسب الي النبي محمد "يا خيل الله اركبي" الذي عاده ما يستخدمه فقهاء الحركات الجهاديه للحث علي الشهاده وما يرونه من مكافاه للشهداء في اليوم الآخر، حيث يستعير منه عنوان فيلمه الرئيسي بدلا من عنوان الروايه التي استند اليها.

علي الصعيد الفني، واصل عيوش نهجه في العمل مع ممثلين غير محترفين وهم اناس عاديون من الاحياء الفقيره ذاتها اختارهم ليمثلوا ادوارا قريبه من حياتهم.

كما حرص علي التصوير في منطقه قريبه من حي سيدي مومن اعاد فيها بناء اجواء حي الصفيح ذاته، اذ لم يستطع ان يصور في الحي نفسه لانه قد تغير بظهور بناء عصري ومبان عاليه فيه، حسب تصريحات للمخرج.

ويمكن تقسيم الفيلم بصريا الي قسمين، ففي القسم الاول الذي قدم صوره بانوراميه عن حياه صبيان الحي نري حركه كاميرا سريعه ولقطات عامه مصوره في اناره مفتوحه واضاءه طبيعيه للشوارع او المساحات المفتوحه حيث يلعب الصبيان الكره او يتشاجرون. ولعل مشاهد البدايه وتصوير اطفإل ألشوارع تذكرنا بفيلم المخرج فرناندو ميريليس الشهير "مدينه الرب".

وفي القسم الثاني الذي رافق ظهور الجماعه المتطرفه نري حركه كاميرا بطيئه في اماكن مغلقه واناره معتمه في الغالب.

وقد نجحت كاميرا مدير التصوير هشام علوي في تجسيد هذا التناقض الحاد المستند الي احساس الشخصيات وحركتها بين العالمين. فنجح في تقديم كادراته السينمائيه وتصميم انارتها بما يعكس هذا الواقع النفسي للشخصيات بين انفتاح وانغلاق. كما برع في تقديم عدد من المشاهد التمهيديه لاحداثه السرديه، كما هي الحال مع الترافلنغ الذي كرره لحي الصفيح من الاعلي وحركه كاميرته فوقه وفوق ازقتها وصولا الي موقع الحدث.

كما قدم المونتير داميان كييو مونتاجا ناجحا امتاز بسلاسه الربط وسهوله الانتقال بين المشاهد او حده القطع في مشاهد اخري، ولعل انجح النماذج لعمله ذاك المونتاج المتوازي بين مشهد اغتصاب الصبي والرقص في العرس، او في لحظه الذروه في التفجيرات في النهايه.

لقد ظل نبيل عيوش (١٩٦٩) مخرجا مثيرا للجدل في سياق السينما المغربيه، ويمثل استقطابا حادا في المغرب يكاد يعكس ذاك الاستقطاب بين طرفي جنسيته الفرنسية وهويته المغربيه.

وقد تبدو هذه الازدواجيه مصدر هجوم بعض الكتاب المغاربه علي اعماله التي يتهمونها بتشويه صوره مجتمعهم والتركيز علي ثيمات حسيه تنسجم مع منظور استشراقي مهيمن في الغرب، يعطي لافلامه القبول هناك ويوفر لها التمويل اللازم. كما هي الحال مع تركيزه علي ثيمه المثليه الجنسيه في عدد من افلامه.

عد فيلمه الروائي الاول "مكتوب" عام ١٩٩٧ احد انجح افلامه ونال عنه عددا من الجوائز منها جائزه افضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (مناصفه). ويتناول الفيلم قصه حقيقيه عن ضابط كان يغتصب ضحاياه من النساء ويقوم بتصويرهن في اشرطه فيديو.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل